قرية فلسطينية بين سفوح جبال نابلس وأغوار طوباس وسهولها

«أم الكبيش» التاريخية تختفي بين أوامر التجريف والاقتحامات الاستيطانية

صورة

أعلى منحدرات جبال مدينة نابلس الشرقية، وإلى الجنوب الشرقي من محافظة طوباس شمال الضفة الغربية، تقع بلدة «طمون»، التي تعود نشأتها إلى العهد الروماني، البالغ عدد سكانها 14 ألفاً و500 نسمة، محتضنة قرى تاريخية عدة، أبرزها «أم الكبيش» المطلة على السهول والأغوار الفلسطينية، وحدود أراضي المملكة الأردنية الهاشمية، ليكسبها موقعها هذا ميزات حيوية زراعية واستراتيجية.

ما تتميز به «أم الكبيش» شرق بلدة «طمون»، جعلها محط أطماع الاحتلال ومخططاته الاستيطانية التوسعية، فخلال الأيام القليلة الماضية، أخطرت سلطات الاحتلال عدداً من مزارعي القرية باقتلاع أشجار الزيتون من أراضيهم.

وتتزامن هذه الإجراءات مع تصاعد الاقتحامات الاستيطانية المتواصلة لـ«أم الكبيش» القائمة أعلى جبل فلسطيني استراتيجي حيوي، فيما يراها الفلسطينيون خطوة تمهيدية لتهجير سكان القرية الأصليين.

أوامر تجريف

في الثامن من شهر أكتوبر الجاري، اقتحمت قوات جيش الاحتلال، وعناصر الإدارة المدنية الإسرائيلية منطقة «أم الكبيش»، وأخطروا الفلسطيني خالد بني عودة، بتجريف وإزالة 140 شجرة زيتون زرعها داخل أرضه ورعاها على مدار 13 عاماً.

وبعد ثلاثة أيام أعادت قوات الاحتلال الكرة مرة ثانية، واقتحمت أراضي زراعية في القرية تعود ملكيتها إلى الشقيقين محمود ومحمد بني عودة، وأنذرتهما بتجريف 70 شجرة زيتون أفنوا 15 عاماً من عمرهما في زراعتها، كونها تُعدّ مصدر رزق رئيساً لهما.

ويبين الباحث في مركز أبحاث الأراضي الفلسطيني، رائد موقدي، لـ«الإمارات اليوم»، أن الإخطارات الأخيرة في منطقة «أم الكبيش» تُعدّ استهدافاً مباشراً للمنطقة، بهدف إخلائها من المزارعين، لتصبح فريسة سهلة لعمليات السطو الاستيطاني.

ويشير إلى أن قوات الاحتلال صعّدت، خلال الفترة القليلة الماضية، من وتيرة استهدافها المزارعين وممتلكاتهم، وكذلك مقومات صمودهم في وجه موجات المخططات الاستيطانية التهويدية العاتية.

ويقول موقدي: «إن استهداف المزارعين الفلسطينيين تمارسه قوات الاحتلال بأشكال عدة، أبرزها، الاستيلاء على المركبات والمعدات الزراعية، وتدمير بنى الأراضي التحتية، من خلال إتلاف خطوط نقل المياه، وهدم آبار ومحطات تجميعها، إلى جانب منع شق الطرق الزراعية، وتجريف واقتلاع الأشجار والمحاصيل».

معاناة مضاعفة

بعد تسلم السكان عشرات الإخطارات، كحال خالد والشقيقين محمد ومحمود بني عودة، تتضاعف معاناتهم في حرمانهم ومنعهم من الوصول إلى أراضيهم الزراعية، من قبل قوات الاحتلال والمستوطنين.

ويقول موقدي: «إن القرية تخضع للرقابة من قبل مجلس المستوطنات في الأغوار، فما أن يتحرك أصحاب الأرض لزراعة أشجارهم، أو القيام بأي عمل داخل دونماتهم الزراعية، حتى تقتحم قوات الاحتلال المكان، وتمنعهم من العمل داخل أراضيهم، وتطردهم منها على الفور، تحت تهديد السلاح».

ويلفت إلى أن تجريف الأراضي الفلسطينية في «أم الكبيش» واقتلاع الأشجار، سيقضي على النشاط الزراعي في القرية بشكل مطلق، مشيراً إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يتذرّع بحجج ومبررات واهية، لتحقيق أهداف مخططه من ذلك.

ويتابع موقدي: «إن هذه الحجج تزعم أن المنطقة عبارة عن ما يسمى بـ(أراضي الدولة)، ومصنّفة ضمن المحميات الطبيعية، ومناطق إطلاق نار عسكرية، إلى جانب الأراضي التي صودرت وضمت للمستوطنات الجاثمة على أراضي الأغوار منذ عشرات السنين».

استيطان لا يتوقف

إخفاء «أم الكبيش» عن الخارطة الفلسطينية، والتهام كامل أراضيها، لا يتوقف عند تجريف أراضيها الزراعية وممتلكات سكانها، حيث تتعرض القرية لاقتحامات متكررة ومتصاعدة من المستوطنين، بذريعة زيارة قبر قديم يسمى «قبر عبوش»، أعلى تلة القرية التاريخية، وتأدية الطقوس التلمودية في المكان، بحماية كاملة ومطلقة من القوات الإسرائيلية، في محاولة منهم للسيطرة عليها ومصادرة أراضيها، وذلك بحسب مسؤول ملف الأغوار في محافظة طوباس، معتز بشارات.

ويشير بشارات إلى أن المستوطنين يحاولون فرض الصبغة التلمودية التي يتحججون بها، أعلى الجبل الذي بنيت فوقه «أم الكبيش»، ضمن مخططهم للسيطرة على المنطقة، وتحويلها إلى بؤرة استيطانية جديدة فوق أراضي الفلسطينيين، وضمها إلى مستوطنة «بقعوت» الجاثمة على أراضي القرية.

ويقول مسؤول ملف الأغوار في محافظة طوباس: «إن تاريخ (أم الكبيش) يعود إلى ما قبل الرومان، فمازال في الموقع المدمر آثار وشواهد تؤكّد أن (أم الكبيش) كانت معمورة ومأهولة بالسكان منذ آلاف السنين».

ويضيف: «رفض سكان (أم الكبيش) التخلي عن أراضيهم على مدار سنوات طويلة، إذ يمتلكون مستندات ووثائق تؤكّد ملكيتهم لها، تعود إلى العهد العثماني والانتداب البريطاني، كما أن معظم أصحاب الأراضي لديهم سندات تسوية منذ العهد الأردني، إلا أنها لم تكتمل نتيجة احتلال الضفة الغربية والقدس في عام 1967».

ويبين بشارات أن ما يعادل نصف مساحة قرية (أم الكبيش) التاريخية مصنّفة أراضي خزينة المملكة الأردنية، والبقية مسجلة بأسماء أهالي القرية الأصليين.

سكان أرض «أم الكبيش» رفضوا التخلي عنها على مدار سنوات طويلة، إذ يمتلكون مستندات ووثائق تؤكّد ملكيتهم لها، تعود إلى العهد العثماني والانتداب البريطاني، كما أن معظم أصحاب الأراضي لديهم سندات تسوية مع العهد الأردني، إلا أنها لم تكتمل نتيجة احتلال الضفة الغربية والقدس في عام 1967.

تويتر