كـل يــوم

هل بالإمكان التعايش مع «كورونا»؟

سامي الريامي

من الواضح جداً، أن التعايش مع فيروس كورونا هو قدر العالم، ولمدة غير محدّدة، فمعظم العلماء والأطباء يتحدثون عن فترة تصل إلى عام كامل، قبل أن نحصل على علاج فاعل ومضمون يشفي المصابين بالمرض، أو لقاح معتمد يقضي على الفيروس.

لذلك فالدراسات الحديثة، وأبرزها تقرير جامعة هارفارد الذي تحدثت عنه في مقال أمس، تخلص إلى صعوبة إغلاق المدن لهذه الفترة الزمنية الطويلة، وإلا سيكون الضرر على البشر من الإغلاق، أكثر بكثير من ضرر المرض نفسه!

بداية لابد من التأكيد أن هذه وجهات نظر علمية، وجميعها قائم على دراسات مختلفة ومركزة، وعلماء العالم منقسمون كما هو واضح إلى فريقين، فريق مع الإغلاق التام للمدن لمنع انتشار الفيروس، وفريق مع معاودة الأنشطة على مراحل، مع التشديد على اتخاذ الإجراءات والاحتياطات اللازمة، وإبداء مرونة في الإغلاق، ومعاودة النشاط، وفقاً لأعداد المصابين، ومدى قدرة النظام الطبي على الاحتمال.

وفي مقابل ذلك، لا أحد يمكنه ترجيح أيّ من وجهتي النظر، الأمر محيّر للغاية. فلا أحد يريد المغامرة على حساب صحة وسلامة البشر، كما أن الجميع يدركون في قرارة أنفسهم أن الإغلاق يعني بالتأكيد إلحاق الضرر بالبشر. معادلة صعبة للغاية!

ولكن وفي كل الأحوال، هناك خطوات مهمة وضرورية يجب أن نفكر فيها هنا في الإمارات، للتقليل قدر الإمكان من أضرار انتشار فيروس كورونا، حيث لابد من بدء العمل الفوري في تشغيل الإمكانات العلمية والبحثية للدولة، وبأقصى طاقتها، وتوفير الموارد كافة لها، حتى تبدأ في تكثيف الدراسات المتعلقة بالفيروس، وبالحالات المصابة، وتصل من خلال هذه الدراسات إلى اقتراح حلول وآليات طبية للتعامل مع الفيروس، وبلا شك بالاستعانة بتجارب ودراسات وبحوث الدول الأخرى.

كما أنه، ومن الضروري جداً، البدء فوراً بإنشاء مصانع للمعدات الطبية التي يحتاج إليها القطاع الصحي بشكل كامل في هذه الفترة، إضافة إلى مضاعفة الطاقة السريرية للمستشفيات، أو التوسع في إنشاء المستشفيات الميدانية الخاصة بمرضى «كوفيد-19»، والحفاظ في الوقت ذاته على خدمات صحية طبيعية للمرضى الاعتياديين، بحيث لا تتضرّر الصحة العامة للمواطنين والمقيمين، والبدء فوراً في استقطاب متدربين جدد، لتدريبهم وتأهيلهم كممرضين، ومضاعفة طاقة المختبرات الطبية، لسرعة الحصول على النتائج، فلا أحد يعرف إلى متى سيظل «كورونا» بيننا؟!

ومن المهم في هذه الفترة، أن نضع آلية لإصدار شهادة خلو من المرض، بحيث يتم تجديدها شهرياً، بعد إجراء الفحص، وذلك لضمان سلامة الأفراد، وطمأنتهم عند البدء بفتح بعض الأنشطة والأسواق والأعمال، وتطبيق أعلى درجات الحذر وأشد الإجراءات الاحترازية، مع التأكيد على استمرار العمل عن بُعد للأعمال التي لا تتطلب وجود الموظف مكتبياً فيها.

لابد من رفع أعلى درجات الإجراءات الاحترازية، في كل مكان، وفي جميع الأنشطة التي ستسمح بها الدولة، عليهم وضع آلية واضحة للإجراءات الاحترازية المتبعة، قائمة على أسس صحية معتمدة، وبشكل مشدد لا يقبل التهاون أو التخفيف.

والأهم من ذلك أن يكون كل إنسان حريصاً ومسؤولاً عن نفسه وصحته وسلامته، ويتشدّد هو كذلك مع نفسه، ولا يترك للفيروس أي فرصة لمهاجمته، بل يسعى إلى قتله بشكل دائم، من خلال الوقاية المستمرة، والحذر الشديد، والنظافة المستمرة، وأن يتعلم كل منّا فن الحماية الذاتية، ويتقنها بشدة، فالوقاية والحماية هما فطرتان زرعهما الله في معظم المخلوقات، ونحن البشر نحتاج إليهما أكثر من غيرنا، والأولى أن نركّز عليهما في المرحلة المقبلة.

لا شك في أن البشرية تمر بتحدٍ خطير، لم يسبق لها أن مرت به من قبل، ومن الواضح جداً أن فكرة التعايش مع «كورونا» قد تكون الخيار الأخير، لكنه الوحيد المتوافر بين أيدي البشر حالياً، ومهما بذلت الدول من جهود وعزّزت من إمكاناتها الطبية، فإنها لن تستطيع الصمود دون تعاون أفراد المجتمع، ودون التزامهم، وحرصهم على أنفسهم وغيرهم، ودون اتباع الجميع لإرشادات وإجراءات الوقاية!

twitter@samialreyami

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه

تويتر