كـل يــوم

التباعد الجسدي قبل الاجتماعي ..

سامي الريامي

فيروس «كورونا» الذي ضرب العالم، وانتشر بسرعة فائقة، ليصبح وباء يهدّد جميع الدول، وجميع البشر من دون استثناء، هو فيروس واحد، ظهر فــــــــي الصين، بشكله وأعراضه وطرق انتقاله وسرعة انتشاره، واجتاح أوروبا، ثم انتقل إلى أميركا، ولم تسلم منه أغلب دول العالم.

لكن مع ذلك نتائجه مختلفة من دولة لأخرى، خصوصاً في ما يتعلق بنسبة الوفيات، فما حدث في الصين ليس كالذي حدث في إيطاليا، وما يحدث الآن في أميركا مختلف عما يحدث في روسيا، ومن هنا لابد أن يعي الجميع أن التخفيف من حدة انتشار الفيروس، أو تركه ليكون أكثر شراسة، هو أمر اختياري من صنع البشر لا من صنع الفيروس!

الأطباء توقعوا، عند بداية ظهور المرض، أن تكون نسبة الوفيات عند حدود 2.2% ولا تتجاوزها، ما جعل البعض يقارن بينه وبين الإنفلونزا العادية التي تقتل سنوياً أعداداً أكبر من ذلك بكثير، لكن الفيروس لم يقف عند هذه النسبة، فمنظمة الصحة العالمية أعلنت رفع نسبة الوفيات إلى 3.4% من الحالات المصابة، ومع ذلك حققت الولايات المتحدة نسبة أكبر بكثير، حيث توفي حتى الآن 5.4% من الحالات، وهذا أكبر من نسبة الوفيات في الصين بلد تفشي المرض، التي وصلت إلى 3.7%، وفي إيطاليا سجلت الوفيات رقماً قياسياً في يوم واحد، عندما وصل عدد ضحايا الفيروس إلى 1000 شخص، لقوا حتفهم في 24 ساعة!

فلماذا يحدث ذلك؟ ولماذا تتباين نسبة الوفيات من مكان إلى آخر؟ لماذا هي مرتفعة بشكل مرعب في دول، وتقل بشكل ملحوظ في دول أخرى، مع أن الفيروس واحد، وأعراضه واحدة، وطريقة انتشاره معروفة؟!

السبب الرئيس في ذلك يرجع إلى القدرات والأنظمة الصحية في كل دولة، لكن شريطة ألا يضغط انتشار الفيروس على النظام الصحي ويتسبب له في الانهيار، فهناك دول متطوّرة طبياً لم تصمد، لأنها لم تتخذ إجراءات وقائية سريعة لمنع انتشار الفيروس، وتالياً تسبب لها ذلك في انهيار تام، وارتفع عدد الوفيات بشكل ملحوظ، لذا كلما أسرعت الدول في اتخاذ إجراءات تقييد حركة الناس وضمان بقائهم في منازلهم، قلت مخاطر الفيروس، والعكس صحيح تماماً، كلما تأخّرت زادت وفياتها.

القرار بيد الشعوب، وكلمة السر في منع انتشار الفيروس، ومنع انهيار الأنظمة الطبية، هي التباعد الجسدي قبل التباعد الاجتماعي، بمعنى أن يتعامل كل إنسان مع الناس على أنهم مصابون، ويعامل الناس على أساس أنه مصاب، هذه هــــــــــي القاعدة الذهبية لمكافحة «كورونا»، فالفيروس ليس كائناً حياً، هو لا يستطيع الحركة والانتقال من مكان لآخر ومن شخص إلى آخر، الإنسان بكل بساطة هو من يحمل الفيروس بيده ليدخله إلى رئته، ولا توجد وسيلة أخرى لانتقال الفيروس إليه إذا ما لزم بيته وقيّد تحركاته إلا للأسباب الطارئة فقط.

كلما تشدّدنا في إجراءات التباعد الجسدي، وكلما اتخذت الدولة خطوات وتدابير وقائية بتقييد الحركة أكثر، استطعنا تخفيف الضغط على المستشفيات، وحافظنا على النظام الصحي بشكل قوي، بحيث يكون قادراً على التعامل مع الحالات الصعبة والحرجة، ويستطيع الإسهام والتخفيف من حدة المرض على الحالات الأخرى، وصولاً إلى درجة الشفاء الكاملة، وبذلك فقط ينجو المجتمع من هذا الوباء، وهذا الهم الجاثم على صدورنا جميعاً!

twitter@samialreyami

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر