5 دقائق

دروس «كورونا» المفيدة

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

على ما يعيشه العالم أجمعُ من خوفٍ مقلق، وجزعٍ مطبق من هذا الوباء المرهق «فيروس كورونا» الطائش، عدو الإنسانية، إلا أنه يعلمنا دروساً لم تكن في حسبان كثير من الناس، دروساً إيمانية، وصحية، وسياسية، وعلمية، وثقافية، واجتماعية، وكما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد - رائد الإنسانية - حفظه الله: «فيروس كورونا هو فيروس صحي وفيروس اقتصادي وفيروس سياسي أيضاً».

الذين يقرؤون صفحات العلم من هذا الكون عليهم أن يقرؤوا جيداً أن مبلغ علمهم لم يمكِّنهم من أن يكتشفوا هذا الفيروس قبل حدوثه.

ولعل الموفقين الذين يرون أن الكون كله كتاب ملحوظ، يستنبطون من صفحاته ما يمكنهم استنباطه على حسب مقدرتهم العلمية على الاستنباط؛فالذين يقرؤون صفحات الإيمان من هذا الكون سيزيدهم إيماناً بجبَّار السماوات والأرض، الذي خلق الكون بقدرته الخارقة وحكمته البالغة، ويتصرف فيه بإرادته المطلقة، فلا معقب لحكمه، ولا رادّ لقضائه، ومهما أراد خلقه أن يدفعوا عن أنفسهم المكروه أو يجلبوا لأنفسهم النافع فلا يقدرون إلا بمشيئته وإرادته، كما قال جل ذكره: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}، وأكثر الناس كانوا في غفلة عن هذا المفهوم، حيث نسبوا الخير لأنفسهم وأنهم الفاعلون له، متناسين أن الله خالق كل شيء، ومن ذلك أفعالهم وهدايتهم لكسب الخير، فلما جاءت هذه الكارثة تذكروا وتضرعوا إلى ربهم وعلموا أن لا ملجأ من الله إلا إليه، فهي آيةٌ منذرة للعباد، حتى يعودوا إلى الرشاد، ونأمل أنه إذا كشف الله هذا الرجز أن لا يعودوا إلى نسيان القوي المتين كحال من لا يعرف الله إلا إذا مسه الضر.

وأما الذين يقرؤون صفحات الكون الصحية؛ فإن عليهم أن يعلموا أن إفساد البيئة بالأسلحة البيولوجية والجرثومية والذرية وغيرها من الملوثات الصناعية التي تفسد الغلاف الجوي وغيره، هو عقوق لهذه الأرض التي خرجوا من رحمها وتكونوا من ترابها، فإنَّ إفسادها يعد عقوقاً، ووبال العقوق سيكون عليهم، لأنها ستبقى وسيستبدل الله فيها قوما آخرين، وهذا الفيروس نذير لهم بين يدي عذاب شديد، فيأخذوا من النَّذارة عبرةً وعظةً، قبل أن يأتيهم العذاب بغتة وهم لا يشعرون.

وأما الذين يقرؤون صفحات السياسة من هذا الكون فإن عليهم أن يستفيدوا من هذا الوباء أكثر من غيرهم، فيسخرّوا السياسة لصالح البشرية كلها، فالبشر اليوم هم جسد واحد يتداعى بالحمى والسهر لأي عضو منه في أي بلد وتحت أي نظام كان، فلم تعد المساوئ ولا المحاسن تقتصر على بلد دون آخر، ولا ريب أن السياسة إذا كانت في صالح البشرية فإن كثيراً من المصائب ستخف إن لم تنته كليةً، ولو كانت لصالح البشرية لم تحل هذه الكارثة إن صحت التقارير أنها مفتعلة.

وأما الذين يقرؤون صفحات العلم من هذا الكون فعليهم أن يقرؤوا جيداً أن مبلغ علمهم لم يمكِّنهم من أن يكتشفوا هذا الفيروس قبل حدوثه حتى يعملوا على حماية البشر منه قبل وصوله، فلِمَ يغترون بعلوم الفضاء وعلوم الذرة وهم مازالوا في نقطة الباء من العلم؟ فعليهم أن يسخروا طاقاتهم أولاً لما يحمي البشر من الكوارث والأمراض، فإنه ما من داء إلا وله دواء، فليسخروا طاقاتهم البحثية لاكتشاف الداء قبل وقوعه، ويعملوا على علاجه بعد وقوعه، لا أن يظل العالم حائراً يهيم في صحراءَ مظلمة حتى تأتي اللقاحات بعد خراب البصرة.

وأما الذين يقرؤون الكون من زاوية علم الاجتماع فلعلهم قد علموا أن الإنسانية اليوم تعيش في قرية صغيرة تتأثر بضجيج الجيران، وأصوات الطوافين والطوافات، فضلاً عن احتراق بيت في طرفه، ها هي الصين في أقصى الشرق انبثق منها الشر المستطير إلى العالم أجمع، ولم يقف في وجهه أساطيل الحرب، ولا قاذفات الحِمام الجهنمي حتى دخل كل بيت برعب رهيب، فلنجعل الإنسانية تعيش في هذا الجو الاجتماعي تآخياً وتعاوناً على الخير، ويكفيها ما حل فيها من عذاب ونقمة، وكما قال الشيخ محمد بن راشد أيده الله: «هذا وقت التوحد والتعاون والتكاتف لمحاربة أهم عدو للبشرية، الخلافات جميعها تصغر أمام هذا التحدي، والعالم يستطيع التغلب بشكل أسرع إذا وقف القوي مع الضعيف والغني مع الفقير».

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر