5 دقائق

عن الرصد والتوثيق

عبدالله القمزي

قيل إنه عندما لا ترى الشيء، فذلك لا يعني أنه غير موجود. أتجول في المكتبات لأرى الكتب، وأعقد مقارنات بين العربي منها والإنجليزي. الكتب الإنجليزية تلبي ما أريد أكثر من الكتب العربية، التي لا تشكل سوى 10% من المكتبات التي أقصدها بالدولة.

دخلت المكتبة الضخمة في دبي مول، وبحثت عن كتاب يتناول تاريخ الأغنية الخليجية أو السعودية، ووجدت كتابين جيدين.. لكنهما غير شاملين. ربما هناك مزيد من هذه الكتب في معرض الكتاب، لكني وقتها لم أكن في الدولة.

لدينا قرابة الـ100 عام من التاريخ الفني الغني المسجل صوتاً وصورة، وهو تقريباً بعمر الطفرة النفطية في الخليج، لكني وجدت كتابين فقط يوثقان جزءاً من المرحلة بشكل شبه وافٍ.

هذا يعني أن الجيل القادم لن يعرف شيئاً عن تاريخ الفن في المنطقة، لأنه لم يوثق جيداً. لو أردت معرفة قصة أغنية لمادونا مثلاً، فستجد كل المعلومات في صفحتها على «ويكيبيديا» بالتفاصيل الدقيقة الشاملة، يعني أن محرر الصفحة ذكر حتى كيف اختارت مادونا تسجيل مقطوعة بالغيتار، لملء فراغ معين في أغنية لها أول التسعينات!

تضم صفحات «ويكيبيديا» تفاصيل غنية عن أي فنان أجنبي، من تاريخ طرح ألبوماته إلى تفاصيل كل أغنية، وتاريخ طرحها منفردة، إضافة إلى النقد الذي كتب عنه في الصحافة، وأرقام عن مبيعاته، حتى لو أثار ألبوم معين جدلاً، فإن هناك قسماً مخصصاً لذلك. فإذا كانت هذه مجرد صفحة «ويكيبيديا»، فما بالك بالكتب المنشورة عن قصة حياة المغنية. توجد صفحات لبعض أبرز المغنين العرب على «ويكيبيديا»، لكن ذلك غير كافٍ بتاتاً. حتى قصة أغنية «لنا الله»، لمحمد عبده، غير موجودة في «ويكيبيديا» بالتفاصيل نفسها التي وجدتها على موقع جريدة عكاظ مؤرخة عام 2006.

المعلومات شحيحة على الإنترنت عن الكثير من الموسيقيين والملحنين العرب العباقرة، فهل هذا يعني أن الجيل القادم لن يعرف عنهم شيئاً؟ بحثت في «غوغل» ولم أجد سوى القليل جداً من العناوين، ربما أقل من 5 كلها خارج الدولة، ولا يوجد حتى شرح وافٍ عن محتواها.

لا أصدق عدم وجود كتب متخصصة توثق تاريخ الغناء الخليجي والعربي، أنا متأكد أنها موجودة في مكان ما بهذا العالم العربي الشاسع، لكن لماذا هي غائبة عن مكتباتنا؟ ربما لأنها لا تبيع داخل الدولة، والغلبة هنا لكتب الكلام الفارغ والترجمات الركيكة. تطبع صحفنا صفحات توثيق فنية أسبوعية، تؤرخ للفن العربي، لكن لا نجد هذه الصفحات مطبوعة في كتب تباع بالمكتبات.. كما كانت الحال في التسعينات. بالعربي: أثناء جولتي بالمكتبة الضخمة في دبي مول، وجدت باحثة أوروبية تسأل البائع: ألا توجد لديكم كتب توثق التجربة البرلمانية في الدولة؟ والرجل يجيب بالنفي، وهي مستغربة جداً نفيه! وأنا تجولت منذ أسبوعين في مكتبة من خمسة طوابق في لندن تبيع كل ما يخطر على البال، ولم أجد كتاباً واحداً تافهاً كتبه مراهق يصف تجربته في الحياة، وكلها متخصصة، كل هذا لأنهم مهتمون بالرصد والتوثيق.. ونحن لا نهتم!


دخلت المكتبة الضخمة في دبي مول، وبحثت عن كتاب يتناول تاريخ الأغنية الخليجية أو السعودية، ووجدت كتابين جيدين.. لكنهما غير شاملين.

Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر