5 دقائق

التسامح هو منهج الإسلام العظيم

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

لم تعرف البشرية تسامحاً كريماً عظيماً كما عرفته في الإسلام؛ لأنه دين الله الخالص الحنيف القيم، الذي ارتضاه لنفسه فبه يُعبد، وخلقه به يتعاملون، لذلك أقام هذا الدين على أسس التسامح العقدي والعبادي والتعاملي، وجعله أحد معايير الأخلاق العظيمة، وقد عبّر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك بقوله: «إني بعثت بالحنيفيِّة السمحة، ولم أبعث بالرهبانية البدعة، فكلوا اللحم، وائتوا النساء، وصوموا وأفطروا وقوموا وناموا؛ فإني بذلك أُمرت»، والسمحة هي السهلة في الأخذ والتعامل، وهي ضد الغلو في العقائد أو العبادات، وضد التشاح في المعاملات، حتى يكون المسلم يفيض رحمة وحناناً وإحساناً على نفسه وغيره، ومعنى كونه بعث بذلك أن من لم ينهج منهجه فإنه يكون في طرف الغلو المنهي عنه.

وقد سئل صلى الله عليه وسلم عن الإيمان، فقال: «السماحة والصبر»، فقيل: فأي المؤمنين أفضل إيمانا؟ قال: «أحسنهم خلقاً»، فقيل: فأي المسلمين أفضلهم إسلاماً؟ قال: «من سلم المسلمون من لسانه ويده».

• فإذا جاءت دولة الإمارات وجعلت التسامح منهج حياتها وتعاملها، فهي بذلك تحيي سنة قد تكون مهجورة.

ومن هذا الأساس كانت شريعتنا وسطية فلا إفراط فيها ولا تفريط، ولا تنافر ولا تدابر، بل تعايش الجميع على مبدأ الإحسان والتعاون على البر والتقوى وتحقيق المصالح المشتركة بين البشر، من غير دنِيَّة في الدين، ولا تعدٍّ على الخصوصية، وقد كان التسامح هو المحور الأول في الدعوة إلى الله، «ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ»، وهو الأساس في التعامل الاجتماعي والسياسي كما قال الله تعالى: «لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ».

وهو الأساس في الواجب التعبدي كما في الحديث: «يا أيها الناس، خذوا من الأعمال ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا، وإن أحب الأعمال إلى الله ما دام وإن قل».

وهو الأساس في التعامل المادي بين الناس كما في الحديث: «رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى».

وهو أساس التعامل الأسري كما في الحديث: «لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضي منها آخر».

وهو الأساس في كسب الرزق كما في الحديث: «إن أحدكم لن يموت حتى يستكمل رزقه، فلا تستبطئوا الرزق، واتقوا الله أيها الناس، وأجملوا في الطلب، خذوا ما حل ودعوا ما حرم».

وهو الأساس في التعايش بين الناس: «إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم، فليسعهم منكم بسط الوجه، وحسن الخلق».

وهكذا هي تعاليم الإسلام في كل مناحيها سماحة وسهالة ويسراً، وقد جلاَّها النبي صلى الله عليه وسلم تطبيقاً مع كل الناس؛ فتعامل مع اليهود على مبدأ التسامح مع شدة مكرهم، وتعامل مع المنافقين على مبدأ التسامح، وهم أخطر على دعوته ودولته من اليهود، وتعامل مع أعدائه الذين هموا بقتله وأخرجوه وحاربوه بذلكم المبدأ، وتعامل مع الأعراب مع شدة غلظتهم وسوء أخلاقهم على المبدأ نفسه، فكان ذلك منهجه في كل شيء، كما قالت السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها: «ما خُيِّر النبي صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يأثم، فإذا كان الإثم كان أبعدهما منه، والله ما انتقم لنفسه في شيء يؤتى إليه قط».

فهذه شريعته وذلك منهجه صلى الله عليه وسلم، فإذا جاءت دولة الإمارات وجعلت التسامح منهج حياتها وتعاملها فهي بذلك تحيي سنة قد تكون مهجورة في كثير من المجتمعات، فأصابها من أجل ذلك ضرر كبير، ولو أنها تعايشت به لعاشت بوآم وسلام، ولكن «من يُحرم الرفق، يُحرم الخير».

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر