5 دقائق

التعليم والتنوير يعيدنا إلى الإسلام والإبداع

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

عقد وزراء خارجية الدول الإسلامية في منظمة التعاون الإسلامي مؤتمرهم 43 بعاصمة أوزبكستان ــ طشقند - التي كانت تسمى ــ الشاش ــ وهو البلد العريق في الإسلام، إذ دخل أهله الإسلام في القرن الأول على يد قُثم بن عباس رضي الله تعالى عنهما، والقائد المسلم قتيبة بن مسلم، فأنجب البلد رجالاً عظاماً كالأئمة المشهورين البخاري والدارمي والترمذي والقفال الشاشي الشافعي، ومن بعدهم البيروني والزمخشري، وغيرهم كثير، أفردوا بمؤلف ضخم اقتنيته في زيارتي لأحد متاحف البلد. بعنوان «موسعة علماء آسيا الوسطى»، وقد كان شعار المؤتمر «التعليم والتنوير طريق الإسلام والإبداع»، وهو شعار مستوحى من تاريخ الأوزبكيين القديم في الحضارة الإسلامية، وأرادوا من ذلك أن يعيدوا مجدهم الناصع في الحضارة بأسلوبها الحديث، وهو ما عبرت عنه خططهم التعليمية من خلال الجامعات والمعاهد التي سمعنا ذكرها، والآثار التي زرناها، والصناعات التي شاهدناها، والتخطيط الحضاري الذي لمسناه، وهو الهمُّ الذي يحمله البنك الإسلامي للتنمية الذي تسهم فيه بعض البلاد الإسلامية الغنية كالسعودية والإمارات بسهم وافر، وذلك من خلال برامجه التعليمية في البلاد الإسلامية الأعضاء.

نحن لا ننشئ المسيرة من الصفر، بل نجدد المسيرة ونستلهم العزم لنصلح ما وهَى من مسيرتنا الحضارية العظيمة.

غير أن العنوان الأجدر هو ما عنونتُ به مقالي، وهو مقترح وزير خارجية الأردن الذي أشار إلى أن التعليم والتنوير هو طريقنا الذي سرنا به قروناً متطاولة، فأنرنا الدنيا بالاختراعات العلمية المختلفة؛ طبياً وفلكياً وجبراً وصناعات مختلفة، فضلاً عن الفكر التنويري شرعياً وأدبياً وفلسفياً.. في الوقت الذي لم يكن لدى العالم الآخر شيء من ذلك، وكان يعيش انفصاماً تاماً بين الروح والمادة، ناهيك عن كونه متناحراً يعيش في خِضمِّ المهالك والتفاني، إلا أن ذلك العالم أدرك الخطر المحدق به فغير طريق حياته بالعلم، واستفاد من حضارة الإسلام ما جعله يغير نمط حياته، ومازال يعترف بما استفاده منا ويشيد به، وماتزال أيادي تلك الحضارة شاهدة في الأندلس وبلد القوقاز وغيرها، فكان لا بد لنا وقد تخلينا عن ذلك التعليم والتنوير زمناً ليس بالقصير، ما جعل حالنا يتغير ليكون أشبه بحال العالم الآخر قديما، فكان لا بد أن نعيد ذلك المنهج الذي كان عليه أسلافنا لنعيد للإسلام وأهله المجد التليد والحضارة الراقية.

كانت هذه اللفتة الذكية من السيد ناصر جودة جديرة بالانتباه، فنحن لا ننشئ المسيرة من الصفر، بل نجدد المسيرة ونستلهم العزم لنصلح ما وهَى من مسيرتنا الحضارية العظيمة، ونعيد تلك المسيرة التعليمية بكل أدبياتها من حيث انتهت إليها الوسائل المعاصرة المتطورة التي تختصر المسافات، وتجعلنا نقفز قفزات هائلة من حيث وقفت الحضارة اليوم.

ومثل هذا الأمر لا يحتاج إلا إرادة صادقة من ذوي القرار السياسي، ومساهمة فاعلة من ذوي المال العريض، وهمّة عالية من الوسط الاجتماعي، وعندئذ سنقول للعالم كما قال القائد الفرنسي الجنرال هنري غورو على قبر صلاح الدين: «ها نحن عدنا»، وكما يقول المثل: «والعود أحمد»، فلا نظل نبكي على الأطلال، ولا نجلد الذات كثيراً، فإن هذه سنة الحياة كما قال الحق سبحانه: «وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ»، فهي سنة كونية في كل شيء وليس فقط في الحرب والسلم، وليس عيباً أن تحصل انتكاسة كبيرة لتلك المسيرة الراقية التي عاشها أسلافنا، بل العيب الكبير أن نظل في سُباتنا مستسلمين للعجز ومحبطين باليأس، فإن هذا الحال يعتبر جناية كبيرة على الأمة لا تعذر فيها، وستحاسبنا أجيالنا الصاعدة والقادمة كما يحاسب بعضنا اليوم بداية النهضة الحديثة التي نشدتها ولم تأخذ بأسبابها، فلا هي حققت ما تصبو إليه الأمة، ولا هي أراحت الشعوب من الأماني.

إن العمل الجاد لتصحيح مسيرة التعليم، والبذل السخي له لاسيما في مراكز البحث، والتخطيط السليم هو الذي يضمن العودة إلى الماضي الذي ننشده، وإلا سنظل نقرع أصابع الندم على ما فرطنا وليس ذلك بنافع.

* «كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر