ليس عجزاً بل صرف زائد..

سامي الريامي

لا تعاني دوائر دبي ولا حكومتها نقصاً في السيولة المالية، ومن يعتقد ذلك فقد جانبه الصواب، صحيح أن هناك عجزاً بقيمة سبعة مليارات درهم في موازنة حكومة دبي لعام ،2010 ولكنْ لهذا العجز أسباب أخرى، ليس من بينها نقص السيولة أو قلة الموارد، بل على العكس من ذلك تماماً، فالسبب الرئيس في عجز الميزانية هو الصرف الزائد على الحاجة في أمور كثيرة، معظمها لا فائدة حقيقية منها، ويمكن إلغاؤها بجرة قلم دون أن تتأثر الدوائر أو يخسر المجتمع شيئاً!

تشعبت الدوائر المحلية، وتفرعت، وانبثقت منها هيئات ومؤسسات لا حصر لها، وكل دائرة محلية تفرعت منها عشرات الهيئات والمؤسسات الصغيرة، كل ذلك دون أي فائدة حقيقية ملموسة على أرض الإنجاز والواقع، فالوضع اليوم ليس بأفضل من الأمس، أقصد أمس ما قبل التفريعات والتشعيبات بالطبع، فالمهام التي تقوم بها الآن 10 مؤسسات صغيرة، كانت تنفذها دائرة محلية كبيرة، وبدرجة الإتقان والإنجاز نفسها.

لا مبرر لذلك، وبسبب هذه المؤسسات الصغيرة المنتشرة، التي تؤدي مهام متشابهة للغاية في كثير من الأحيان، يصعب معها تفهم أسباب ولادتها ونشأتها، تخسر الحكومة خمسة مليارات درهم بشكل سنوي، هذه المليارات نتيجة ولادة أكثر من 44 مؤسسة صغيرة، وبلغة الأرقام فإن هذه المليارات الخمسة التي تشكل أكثر من 70٪ من إجمالي العجز البالغ سبعة مليارات، يمكن توفيرها لو أعدنا الهياكل، ودمجنا المتشابه، وألغينا غير المفيد، وأبقينا على الضروري!

كثرة الهيئات والمؤسسات لا تعني سرعة الإنجاز وجودة الأداء، وحتى إن نجح البعض منها في سرعة الأداء، فهل العملية برمتها مجدية من ناحية الربح والخسارة، خصوصاً مع تضخم الهياكل الوظيفية التي نتجت عن إنشاء هذه الهيئات، وكثرة أعداد الموظفين الذين تم تعيينهم، والترهل الناجم عن ذلك، إضافة إلى تضخم الميزانيات، وتضارب الأعمال، والصرف غير المحدود على أمور كمالية متشابهة؟ ولا تستغربوا إطلاقاً إن عرفتم أن إحدى أهم المؤسسات «الخدمية» التي تم إنشاؤها لتقديم خدمة مهمة للجمهور تصرف على الباب الأول المتعلق بالرواتب ومكافآت مجلس الإدارة، ثلث الميزانية بالضبط، في حين تصرف ما تبقى على الخدمات المقدمة للجمهور، في الوقت الذي كان المبلغ بأكمله مخصصاً للمواطنين قبل تفرع هذه المؤسسة من الدائرة الأم، والأهم من ذلك أن الخدمة المقدمة سابقاً هي الخدمة ذاتها المقدمة لاحقاً، وبعدد أقل من الموظفين، ومن غير مجلس إدارة، ومكافآت، ومديرين وأقسام ورواتب عالية،وغيرها من القصص الطويلة!

نموذج هذه المؤسسة متكرر عشرات المرات، أو بالأحرى 44 مرة وربما أكثر، فهل نعاني نقصاً في السيولة، أم نعاني تضارباً في التخصصات، وهدراً في الصرف من المال العام، وسوءاً في ضبط المصروفات؟!

ربما كانت السنوات الخمس الماضية مختلفة، وربما أسهمت الطفرة، والنمو السريع في الاستعجال في إنشاء كثير من المؤسسات، لكن ذلك ليس مهماً اليوم، بقدر أهمية إعادة الهيكلة للفترتين الحالية والمقبلة، وإعادة ترتيب الأمور والدوائر والهيئات.

نحتاج بشدة إلى ضبط المصروفات من أجل سد العجز، فالإيرادات مازالت تتدفق، والخير مازال موجوداً، والأرقام لا شك أنها في طور التحسن، والمؤشرات جميعها تدل على التفاؤل، فلا مانع من مصاحبة ذلك كله بوقف الصرف غير المجدي على أنشطة ومؤسسات غير مجدية!

reyami@emaratalyoum.com

تويتر