الترجمة عن العبرية

خليل قنديل

تحتاج الثقافة العربية وهي تؤسس لعدائها مع المشروع الصهيوني الذي يطبق بالفصحى العبرية الى تعميق وعيها باللغة العبرية، وعدم التعامل مع هذه اللغة وما ينتج عنها من اعمال إبداعية ومعرفية على اعتبار أنها من نقائض الوضوء القومي.

مناسبة هذا القول هو ما تناولته بعض الأوراق النقدية في مؤتمر المثقفين الذي دعت اليه وزارة الثقافة المصرية أخيراً، وإشكالية النقاش حول ترجمة الأعمال الإبداعية المصرية العبرية أو العكس. وكانت شعبة القصة والرواية في اتحاد كتاب مصر قد نظمت مؤتمراً عنوانه «الصراع العربي الإسرائيلي وتأثيره في السرد المعاصر».

وكانت قضية الترجمة الى العبرية قد اثارت جدلاً في اكثر من محفل ثقافي عربي بسبب ما يمكن ان يؤدي فعل الترجمة هذا من تطبيع ثقافي مع العدو الصهيوني، وذلك من خلال حقوق التأليف والترجمة وطبيعة التواصل التطبيعي مع الناشر الإسرائيلي. وكانت ترجمة ديوان «جغرافيا بديلة» للشاعرة المصرية ايمان مرسال الى اللغة العبرية عن دار النشر الإسرائيلية الكيبوتس قد اثارت جدلاً واسعاً بين المثقفين المصريين حول التعامل مع الناشرين الإسرائيليين مع عدم اعتراضهم على ترجمة الأعمال الإبداعية الى العبرية.

وفي هذا الإطار وجد المركز القومي للترجمة التابع لوزارة الثقافة المصرية حلاً وجاء هذا على لسان رئيسه الناقد جابر عصفور الذي قال إنه لن يتم التعامل مع اي ناشر اسرائيلي لأن هذا يعتبر تطبيعاً ولكننا سنسعى إلى الحصول على موافقة الناشرين باللغتين الإنجليزية أو الفرنسية في دول اخرى غير اسرائيل للحصول على حق الترجمة منها.

إن ترحيل المشكلة الى لغة ثالثة يفسد الكثير من متعة التمتع بالنص الأصيل ومعرفة خباياه، نقول هذا ونحن نعي خطورة النص العبري في تشكيل وعينا، لكن الخسائر التاريخية العربية التي كانت وستظل تسدد الضرائب تلو الضرائب بسبب عدم معرفتها بلغة هذا العدو تستحق المجازفة بالقبول بالترجمة المباشرة.

لقد ظلّ الوعي القومي العربي يضع الكيان الإسرائيلي في خانة عدوانية مطلسمة لها علاقة بالتجريد اكثر من علاقتها بالواقع القائم فيزيائاً هذا الواقع الذي شكل ارض اسرائيل، ومنحها كل هذا الحق الدولي في الوجود على حساب شعب تم اقتلاعه من ارضه في وضح النهار العالمي والدولي.

وقد كانت الخطابات السياسية والإنشائية وشعارات التظاهرات والانقلابات السياسية التي تهدف الى تحرير فلسطين تحدث بمنأى من الاعتقاد، ان هناك على سبيل المثال مدينة اسمها «تل ابيب»، وهناك شرطة سير تنظم حركة المرور فيها. كانت فكرة عماء النشيد القومي تمنعنا من التحديق بعمق في لغة هذا العدو وإمكانيته التي يقوم بها على الأرض.

إن الصحف العربية غالباً صارت بعد تكاثر الخسارت العربية والكذب الإعلامي العربي تعمل على تخصيص صفحات خاصة بالترجمة عن الصحف العبرية اليومية، والجميع يقرأ هذه الصحف من دون أن يشعر بإثم التطبيع. فلماذا حين تقترب الترجمة من الإبداع تصبح المسألة بهذا التعصب؟

المؤتمرات العربية الثقافية هي في أمس الحاجة الى قرارات جريئة بخصوص الترجمة الى العبرية أو العكس لأننا نحتاج بالفعل الى معرفة الإبداع العبري الذي ينهل حبره من دمنا وعلينا فعل ذلك من دون خوف أو وجل.

 

khaleilq@yahoo

تويتر