«الصحة العالمية»: مرض معترف به.. ومختصون: غياب وعي الأسرة السبب

الألعاب الإلكترونية إدمان يأسر الأطفال ويدفعهم للهرب من الواقع

صورة

حذّر أطباء ومختصون من خطورة وقوع الأطفال والشباب أسرى للألعاب الإلكترونية، وتمضية ساعات طويلة من يومهم أمام الأجهزة اللوحية الذكية، خصوصاً مع تزايد الإقبال عليها، حتى أصبحت ظاهرة لا تخلو من المخاطر الصحية والنفسية، الأمر الذي دعا منظمة الصحة العالمية إلى تصنيف الإدمان على ألعاب الفيديو، كنوع جديد من الأمراض المعترف بها حول العالم.

وتفصيلاً، صنف أطباء واختصاصيون اجتماعيون، ممارسة الألعاب الإلكترونية بشكل مفرط، بأنه اضطراب سلوكي خاص، يتسم بالتأثير في حياة الفرد اليومية، جسدياً وذهنياً واجتماعياً، ما يؤدي إلى ضعف البصر، وقلة التركيز، والتشتت، والصداع، والتوحد، والانطوائية، والاكتئاب، مشيرين إلى ضرورة وجود إشراف عائلي على استخدام الأجهزة الذكية، مع إشغالهم بما هو مفيد لهم من ألعاب رياضية وحركية، ورسم وقراءة.

وأوضحت المعالجة النفسية في جناح العلوم السلوكية بمدينة الشيخ خليفة الطبية، تهاني محمد مصطفى، أن منظمة الصحة العالمية أدرجت اضطراب ألعاب الفيديو في نسختها الأخيرة من دليل تصنيف الأمراض، حيث أجرت مراجعة للأدلة المتوافرة قبل إدراج إدمان ألعاب الفيديو كاضطراب صحي، كما أن الآراء في مختلف التخصصات عرّفت هذا الإدمان بأنه نمط سلوكي مستمر في ممارسة اللعب، لدرجة اتخاذه أولوية على حساب اهتمامات الحياة الأخرى، مشيرة إلى أنه لا توجد أي دراسات تمت من قبل مدينة خليفة الطبية حول إدمان ألعاب الفيديو في الإمارات أو أبوظبي حتى الآن، إضافة إلى أن التأمين الصحي لا يغطي علاج مدمني ألعاب الفيديو، موضحة أن قسم الأطفال في جناح العلوم السلوكية بمدينة الشيخ خليفة الطبية يعالج أي نوع من أنواع الاضطرابات السلوكية عموماً، وإدمان الإنترنت نوع من هذه الاضطرابات.

وقالت مصطفى: «قضاء ساعات طويلة أمام الهواتف الذكية، وألعاب الإنترنت دون مراقبة من الأسر، يزيد مخاطر الانطوائية والعدوانية والعزلة لدى الأطفال، ويتطور لأمراض نفسية، بحيث لا يكون من السهل عليهم تكوين علاقات اجتماعية، حيث تنمو لديهم شخصيات غير واقعية، أو افتراضية، تختلف عن شخصياتهم الحقيقية، والهرب من الواقع، مع إطلاق الرغبات الدفينة والتفريغ الانفعالي من كبت وعدوانية وغضب، بعيداً عن القيود الاجتماعية، ما يؤدي إلى توهم الألفة الكاذبة».

وأضافت: «يتسبب قضاء ساعات طويلة أمام الألعاب الإلكترونية أيضاً في أمراض الرؤية والجهاز العصبي، كما يتسبب في السمنة المفرطة، بسبب الجلوس أمام شاشة الكمبيوتر، وتقليل النشاط البدني، إضافة إلى آلام الظهر والرقبة وضعف العضلات، وكسل شديد وخمول واضطراب في النوم، ما يجعل الطفل يدخل فترة المراهقة، وهو لا يرغب في العمل أو الإنتاج، لفقدانه المقدرة على التفكير الحر، وانحسار العزيمة والإرادة، وعدم التعامل مع الناس، وربما يصاب بالرهاب الاجتماعي، وغيرها من اضطرابات القلق العام».

وأشارت مصطفى إلى أن التأثيرات السلبية للانشغال بالأجهزة الإلكترونية، تشمل ضعف التحصيل الدراسي وانعكاساته على المستوى التعليمي، وعدم الاكتراث لمشاعر الآخرين، والعدوانية في السلوك تجاه إخوانه وزملائه، فضلاً عن ضعف الارتباط الديني.

وأوضحت أن المظاهر التي يمكن من خلالها اكتشاف إدمان الطفل الألعاب الإلكترونية، تتضمن زيادة عدد الساعات أمام الإنترنت، بحيث تتجاوز الفترات التي حددها الفرد لنفسه أو المحددة له، والتوتر والقلق الشديد في حال وجود أي عائق للاتصال بالإنترنت قد تصل إلى حد الاكتئاب، خصوصاً للأشخاص الذين يفتقدون السند العاطفي، ومن يتصفون بالخجل والوحدة النفسية أو الانطواء.

وتابعت: «مظاهر الإدمان تشمل أيضاً، إهمال الواجبات الاجتماعية والأسرية والدراسية، والحديث المتكرر عن الإنترنت في الحياة اليومية، والرغبة الملحّة لاستعمال الإنترنت، على الرغم من وجود بعض المشكلات، مثل فقدان العلاقات الاجتماعية أو التأخر عن المدرسة، والنهوض من النوم بشكل مفاجئ، والرغبة في تكملة اللعبة التي يلعبها، إضافة إلى القلق والغضب والاكتئاب وتقلب المزاج السريع، وفقدان الاهتمام في الأنشطة التي اعتاد الاهتمام بها في السابق».

فيما دعا الاختصاصيون الاجتماعيون، محمد صلاح، ونيرة عبدالرحمن، وحنان صفوت، إلى ضرورة التحكم في الأجهزة الإلكترونية بالمنزل، عبر تفعيل رقم سري، لمنع الأطفال من استخدام الأجهزة الذكية في اللعب من دون علم الوالدين، ما يساعد على التحكم في الوقت الذي يتم تحديده، ومراقبة نوعية التطبيقات والألعاب، مشيرين إلى أنه في حال ملاحظة الوالدين انجذاب الطفل للعبة معينة، يمكن إحضار مجسم للعبة نفسها للطفل للانشغال بها، والابتعاد عن اللعبة الإلكترونية.

وأرجعوا إقبال الأطفال والشباب على الألعاب الإلكترونية إلى تراجع دور الأسرة، وغياب الوعي لدى الأطفال والمراهقين، ورغبتهم في المغامرة وملء الفراغ، حيث تشعرهم الكثير من هذه الألعاب بأنهم ذوو سلطة وأهمية، وتفصلهم عن واقعهم، وتدخلهم في حياة وهمية تتسبب في إصابتهم بالاضطرابات السلوكية والعضوية والنفسية، التي تعرف بالتوحد الإلكتروني أو الافتراضي، حيث يصبح الطفل أو الشاب مدمناً الألعاب الافتراضية.

من جانبها، أوصت «دائرة الصحة في أبوظبي، الجهة التنظيمية لقطاع الرعاية الصحية في إمارة أبوظبي جميع آباء وأمهات الأطفال بضرورة ترشيد استخدام الأطفال الألعاب الإلكترونية، على ألا تتجاوز مدة استخدامها من ساعة إلى ساعتين في اليوم، مع وجود الأهل، وعلى أن تكون الألعاب ذات محتوى تفاعلي تعليمي تثقيفي، في حين لا ينصح بمشاهدة الأطفال أقل من عامين للشاشة على الإطلاق، مشيرة إلى أن هذه التوصيات تتماشى مع ما تقترحه الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال، منوهةً بأن الإفراط في استخدامها قد يعرّض صحة الأطفال للمخاطر، ويؤدي إلى مشكلات صحية محتملة.

وعزت الدائرة مشكلة زيادة الوزن والسمنة لدى الأطفال إلى استخدام الألعاب الإلكترونية المفرط، نظراً لقضاء الأطفال أغلب أوقات فراغهم في الألعاب الإلكترونية بعيداً عن مشاركتهم في الأنشطة التي تحافظ على لياقتهم البدنية.

وقال مدير إدارة خدمات المجتمع بدائرة الصحة، الدكتور جمال النقبي: «لا يمكننا منع أطفالنا من الاستمتاع بتطور عصرهم والتكنولوجيا، ولكن من الضروري الموازنة بين استخدام التكنولوجيا، كالألعاب الإلكترونية، والحفاظ على صحتهم التي يمكن أن تتأثر بسوء وطول استخدامها».

وأضاف: «لا تخلو الألعاب الإلكترونية من الآثار السلبية العديدة على صحة الأطفال، ومنها آلام الظهر والمعصم، وإجهاد العين، والصداع، والضغط النفسي، والإرهاق البدني، واضطرابات النوم والسمنة من بين المخاطر الصحية المحتملة، التي قد يتعرض لها الأطفال بسبب الاستخدام المفرط، كما أن وضعية جلوس الأطفال غير المريحة، ولفترات طويلة، قد يؤدي إلى حدوث شد عضلي في الظهر والكتف، فضلاً عن شعورهم بالتعب الشديد والإرهاق، وما قد يصاحبه من ضعف حركة الدورة الدموية، والضغط على العضلات والمفاصل».

وأكد النقبي أن «الآباء والأمهات هم القدوة، وهم صانعو التغيير في حياة أطفالهم، حيث تقع على عاتقهم المسؤولية، وأطالبهم بوضع قواعد ضمن الأسرة للاستخدام السليم للألعاب الإلكترونية، فضلاً عن إشراك أبنائهم في الألعاب الحركية والنشاطات الاجتماعية والرياضية التي تنمّي مهارات التواصل الاجتماعي ومهاراتهم اللازمة لنموهم وتطورهم الجسدي والعقلي».


مسح صحي لطلبة المدارس

أظهر المسح الصحي العالمي لطلبة المدارس بدولة الإمارات لعام 2015، أن 56% من طلبة المدارس من عمر 13-15 سنة، يمضون ثلاث ساعات أو أكثر يومياً في استخدام الألعاب الإلكترونية أو مشاهدة التلفاز، وترتفع هذه النسبة لتصل إلى قرابة 63% لدى الفئة العمرية 16-17 سنة.

وأوضحت الدراسة، أن الأطفال الذين يفرطون في استخدام هذه الألعاب قد يواجهون مشكلات اجتماعية وعاطفية وسلوكية، كالانعزال الاجتماعي، والخوف الاجتماعي، والقلق والكآبة وضعف الأداء والتحصيل العلمي في المدرسة، مشيرة إلى أن الأطفال قد يشتكون الضغط النفسي، والإجهاد أو الجفاف وحرقان العين، نظراً للتحديق المستمر في الضوء الساطع، والصور المتوهجة، عبر شاشات الأجهزة الإلكترونية، إضافة إلى أن الطفل الأسير لهذه الأجهزة قد يقل عنده الغمز لترطيب العين.

نصائح العلاج

قدمت المعالجة النفسية في جناح العلوم السلوكية بمدينة الشيخ خليفة الطبية، تهاني محمد مصطفى، نصائح للعلاج من إدمان الإنترنت والألعاب الإلكترونية، شملت تجديد نمط استخدام الفرد للإنترنت، وكسر الروتين، والعادة، عبر تقديم أنشطة مماثلة ومختلفة، ووضع أهداف، أو مخطط مسبق لجميع أيام الأسبوع، بحيث يحدد بوضوح كم عدد الساعات، وكتابة بطاقات لتذكرة الشخص بالآثار السلبية للاستخدام المفرط للإنترنت، وكتابة فوائد الحد من استخدام الإنترنت.

وتضمنت النصائح عمل قائمة بالأنشطة والاهتمامات، والإشارة إلى عوامل إيجابية في تجنب الإفراط في استخدام الإنترنت، كعامل الثقافة والدين والقيم الاجتماعية والأخلاقية، والتي تجب مراعاتها، مشيرة إلى أهمية الحد من عدد الساعات التي يمضيها الأطفال أمام الكمبيوتر والهواتف الذكية، وعدم وضع أجهزة الحاسوب في غرفة النوم، إضافة إلى الحرص على وجود الحاسوب والهاتف الذكي في مكان عام في المنزل، حتى يتمكن الوالدان من مراقبة نشاط الأبناء.

56 %

من طلبة المدارس يقضون أكثر من 3 ساعات يومياً في الألعاب الإلكترونية.

تويتر