آراء

مشهد لا ينسى!

تتطور الجريمة الإلكترونية بشكل مستمر ومخيف، في ظل التقدم التقني المذهل، سواء في عالم البرمجيات والحواسيب والهواتف الذكية، أو انتشار شبكات التواصل الاجتماعي، واستحداث أنواع جديدة منها، تلتهم أوقات، بل أعمار مستخدميها.

ولا يمحى من ذاكرتي مشهد حدث في عام 2006، إذ كنت جالساً في صالة مزودة بعدد من أجهزة الكمبيوتر، ودخل طفل صغير، وجلس على أحد الأجهزة، وتوقعت أنه سيستمتع بلعبة إلكترونية أو برنامج رسم، أو غيرهما من وسائل الترفيه المخصصة للأطفال آنذاك، لكنني فوجئت بأنه يفتح حسابه على «فيس بوك».

ولم أتوقع آنذاك أن تتحول هذه الشبكات إلى هوس للملايين، وهي بكل ما تقدمه من قيم وخدمات، تظل لها جوانب إيجابية وسلبية، بحسب سلوك مستخدميها، فخلال ثانية واحدة يمكن أن يتحول شخص إلى جانٍ أو مجني عليه، وتتعقد حياته كلياً، بسبب تصرف ربما يمر مرور الكرام في العالم الواقعي، ولا يمكن التجاوز عنه إطلاقاً في العالم الافتراضي.

من واقع عملنا في النيابة العامة لا يمكن أن يتخيل كثيرون حجم القضايا المتعلقة بالجرائم الإلكترونية التي تتناولها النيابة، إذ لا تقع يومياً فقط، لكن تتكرر في اليوم الواحد، بسبب قلة وعي كثير من المستخدمين الذي يقعون في خطأ ما، سواء كانوا جناة أو ضحايا.

ولاشك في أن التوعية تظل سلاحاً فاعلاً في التنبيه، على الأقل إلى أساليب إجرامية إلكترونية، لكن بكل أمانة لا يمكن توقع شكلها مستقبلاً، في الغد القريب، وليس في العقد القادم، فالاحتيال الإلكتروني، على سبيل المثال، تطور بشكل معقد خلال السنوات الأخيرة، وفي كل مرحلة من مراحله يقع ضحايا جدد ومختلفون.

وإذا افترضنا، على سبيل المثال، أن مجرماً ما قرر سرقة بنك، فالمعتاد في السابق أن يدرس الموقع جيداً، ويرتاد البنك أكثر من مرة، ويحدد الثغرات التي سيتسلل منها، ثم يشتري سلاحاً، ويختار الوقت المناسب، ويدهم البنك، ويهدد الصراف، وإذا كان محظوظاً فسيغادر بالأموال، لكن سيقبض عليه إن عاجلاً أو آجلاً، لأنه سيترك دليلاً وراءه أو تلتقطه الكاميرات.

لكن اختلف الوضع كلياً الآن، فإذا أراد مجرم سرقة بنك، فسيعمل على اختراق نظامه الإلكتروني بشكل ما، أو على الأقل «يقرصن» حساب أحد الضحايا، ويستولي على الأموال، وهو على بعد أميال من موقع البنك، وعادة يكون الوصول إليه صعباً للغاية.

قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات في دولة الإمارات، خضع للتعديل ليتناسب مع تطور هذا النوع من الجرائم، كما أنه يوفر قدراً كبيراً من الردع لمرتكبي جرائم اجتماعية، مثل السب أو التهديد، لكن تظل هناك حاجة دائماً للتوعية، والرقابة الرشيدة من قبل الأسر، لأن بعض الأخطاء البسيطة تسفر عن عواقب وخيمة، لذا أطلقت النيابة العامة، بالتعاون مع هيئة تنمية المجتمع، حملتها التوعوية القانونية بمجلس الراشدية، وحرصت على تناول قانون الجرائم الإلكترونية والاستخدامات الصحيحة والسليمة لوسائل التواصل الاجتماعي والشبكة المعلوماتية، فالتواصل المباشر مع الجمهور يؤتي ثماره دائماً.

تويتر