آراء

الشراكة مع القطاع الخاص.. قفزة إلى المستقبل

في ظل حرية التجارة، وتعاظم ظاهرة العولمة، وظهور العجز بموازنات الحكومات، لكثرة النفقات، ومحدودية الموارد، تراجع الاستثمار، خصوصاً في البنى التحتية المطلوبة لتحقيق التنمية، تزايدت الدعوات عالمياً إلى إشراك القطاع الخاص في عملية التنمية، نظراً لامتلاكه التمويل والخبرة والتكنولوجيا، وتمتعه بقدرة أفضل على إدارة المخاطر، من خلال أسلوبين أساسيين، الخصخصة (نقل الملكية إلى القطاع الخاص) أو الشراكة (تحمل القطاع الخاص عبء تمويل وتصميم وإنشاء وتشغيل وصيانة بعض المشروعات).

وكعادتها السباقة دائماً، بادرت دبي إلى إصدار القانون 22 لسنة 2015 (قانون تنظيم الشراكة بين القطاعين العام والخاص) ليموِّل القطاع الخاص مشروعاتها التنموية، مع بقاء الملكية والإشراف والرقابة والتوجيه التام للحكومة.

ولكن في ظل حداثة موضوع الشراكة، وإثبات عدم قدرة القطاع العام منفرداً على القيام بكل العمليات والخدمات اللازمة لعملية التنمية، ثارت تساؤلات: ما الذي يحققه قانون الشراكة للدولة من مزايا، اقتصادياً وتجارياً وقانونياً ومالياً، للدرجة التي تجعله آليتها العصرية الرئيسة لمواجهة تحدياتها، وهل فعلاً رفع يد الدولة عن إنشاء وتمويل مشروعات البنية التحتية التي سيشارك بها القطاع الخاص يشكل خطورة، باعتبارها مشروعات قومية تمثل عصب التنمية الاقتصادية؟

الحقيقة أن التجارب أثبتت أن أدوات الدولة التقليدية (عقود الأشغال وتوريد الخدمات) في تحقيق التنمية المستدامة لن تحقق الهدف المرغوب، خصوصاً في ظل اتجاه الدولة حديثاً لخفض النفقات، وبالتالي ظهرت حاجتها لآلية عصرية ترفع عن كاهلها عبء تمويل مشروعات التنمية، وتساعدها على خفض العجز بموازنتها، وتكون وسيلة حقيقية لنقل التكنولوجيا، ونقل خبرات القطاع الخاص إلى العام، وقد كانت الشراكة الآلية المناسبة لتحقيق الغرض، باعتبارها النسخة المطورَّة لعقود الإدارة التقليدية للآتي:

أولاً: رفع عبء تمويل (إنشاء ــ تشغيل ــ صيانة) بعض المشروعات عن كاهل الموازنة العامة، وتكليف القطاع الخاص بذلك، فينخفض مقدار النفقات بها، ويقل العجز: وبذلك تحققت رغبة الدولة في تقليص المخصصات الحكومية.

ثانياً: دعم برنامج التوطين، وتدريب الأيدي العاملة المواطنة، إذ أصبحت الدولة تشترط على القطاع الخاص تعيين نسبة محددة وبوظائف معينة من مواطنيها بالمشروع محل الشراكة، وألزمته ببرنامج تدريبي لهم خاضع لرقابة واعتماد الجهة الإدارية.

ثالثاً: تسريع وتيرة النمو الاقتصادي، فقيام الدولة بإنشاء المشروعات وإدارتها وفقاً للنظام التقليدي يحمّل خزانتها عبء التمويل، إضافة إلى التأخر في الإنجاز، وزيادة النفقات الرأسمالية على المقرر لها في الخطة، وعدم تحقيق الأرباح المنشودة لأهداف اجتماعية، لرفضها أحياناً رفع سعر الخدمة أو السلعة، أما الشراكة فيتحمل القطاع الخاص عبء التمويل والتشغيل وتقديم الخدمة بكفاءة أعلى ووتيرة أسرع.

رابعاً: تغيير وظيفة الدولة وتعزيز اللامركزية ومبادئ الحوكمة، فبالشراكة تركز الإدارة العليا على الإشراف والمتابعة وإقرار السياسات ومراقبة جودة الخدمات، وتترك أمر التنفيذ والتشغيل للقطاع الخاص.

ماجستير الإدارة العامة 

تويتر