عن الأسماء.. والتأويل

باسل رفايعة

 

كتبتُ الجمعة الماضية عن استمرار وأد البنات بأشكال ومفاهيم جديدة، ومن ذلك تفضيل الذكر على الأنثى، وإطلاق أسماء تحمل دلالات خاصة تنطوي على تمييز، مثل أسماء: «كفاية» و«نهاية» و«فاطمة»، لكي تفطم الإناث فلا يأتي بعدها إلا الذكور، وقصدتُ دولاً عربية معيّنة يشيع فيها ذلك التمييز، وتلك الدلالة، في إطار اجتماعي بحت لا علاقة له بأي خلفية أخرى. لم يخطر ببالي أن تركز التعليقات على المقال، في الموقع الإلكتروني لـ«الإمارات اليوم».
 
وفي الرسائل الخاصة، على الرمزية الدينية لاسم «فاطمة»، ووجدت نفسي مضطراً للرد على كل قارئ، والتأكيد له على احترامي الشديد لهذا الاسم، مع وافر التقدير لكل «فاطمة» وما تمثله من معنى وصفة ومدلول، مع أنني تحدثت عن اللجوء إلى الفهم الخاطئ في استخدام الاسم، أي عن الخرافات الشعبية التي تنم عن الجهل والكراهية. وأعرف أن اسم فاطمة في دول عربية أخرى إنما يكون تبركاً وتيمناً بالسيدة فاطمة الزهراء وما تمثله من قيمة ومكانة رفيعتين في الوجدان والتاريخ، وكثير من أمهاتنا وأخواتنا يحملن هذا الاسم.
 
وكل اسم في نهاية الأمر تعبير عن حامله، بغض النظر عن دوافع الوالدين في اختياره. ففي أربعينات القرن الماضي وخمسيناته شاعت في بلاد الشام مثلاً أسماء مثل: سالم وسليمان وسلمان وسويلم، ويقال إنها ارتبطت بعقود عمّت فيها المجاعات والأمراض لاسيما الطاعون، فكان الناس يتفاءلون بها من أجل أن «يَسلم» لهم أبناؤهم، مع أن الموت والحياة لا يرتبطان باسم صاحبهما.
 
المهم أن الذين يتخذون الكتابة حرفةً لهم - وأنا منهم - يجدون أنفسهم في العالم العربي مضطرين لمراعاة مخاطر التأويل وتبعاته حينما يكتبون مقالاتهم، وهم وإن كانوا يخشون المحاذير السياسية التي تحرسها قوانين المطبوعات والنشر في العالم العربي، إلا أنهم يخشون على نحو أشدّ حساسيات المجتمعات، ويحسبون لها حساباً دقيقاً في ما يكتبون، فتقع حرية التعبير بين تحالف ضمني بين الرسمي والشعبي.
 
ومن أجل عدم تحمّل كلفة الكتابة في شؤون بالغة الحساسية بالنسبة للدول والمجتمعات نجد كاتباً سياسياً يتحدث عن ضرر التدخين، وآخر عن التلوث البيئي، وثالث عن الأشياء اليومية هروباً من مواجهة واقع عام لا يأبه كثيراً بالمعرفة، ولا بالتغيير، ويريد أن يقرأ لك ما يحبه أو يعجبه، وإذا اختلفت عنه أو معه لا يرحمك أبداً، ويأخذك بالظن.

ولا يقبلك إلا إذا كنت مثله، لا مثل غيره، ولا مثل نفسك أيضاً! لا بأس، فهذا شأنٌ يمكن التعايش معه، فالكاتب يريد أن يعيش مثل سائر البشر، ويحصل على راتب في نهاية الشهر، ويذهب أولاده إلى المدارس، وعليه في العالم العربي أن يتكيّف مع الأنماط الفكرية السائدة، ومع حساسيات الناس.
 
أو يتخذ له مهنةً أخرى.  لكن أسوأ ما يواجهه الكاتب هو تأويل مقاله ومقولاته على غير ما أراد، وعلى غير ما يفرضه السياق العام للنص، فالقارئ ينتقي من المقال عبارة أو مفردة ويلجأ إلى تأويل مقاصدها، وفق مرجعياته الثقافية والاجتماعية، وأحياناً يفترض سوء المغزى، فيجد الكاتب نفسه في مأزق التأويل ومخاطره، إلى أن يأخذه الإحباط للصمت أو للكتابة عن مخاطر التدخين.. مثلاً!   
 
 baselraf@gmail.com
تويتر