الإنترنت يدمر بيتي

 
قضيت سنوات طويلة أنتظر فارس أحلامي، الذي يخطفني فوق حصانه الأبيض، لنعيش أحلى أيام العمر، عرسان كثيرون دقوا باب أسرتي يطلبون يدي، لكنني لم أوافق أبداً، ورفضت أن أرفع راية الاستسلام أمام ضغوط أسرتي، لأتزوج من أحدهم، وعندما زاد حصارهم لي، خرجت الكلمات من فمي مثل طلقات الرصاص «صدقوني قلبي ليس في يدي، حتى أسلمه لأي عابر سبيل، أريد شاباً يقدر مشاعري». 


تتابع «س.ع» قصتها: يقولون إن الزواج قسمة ونصيب، لذا فإن المصادفات هي التي أخذتني نحو هذا القدر، وهي التي جعلتني أتعرف إلى زوجي، على الرغم من، أنني كنت أعيش في لبنان، وهو يعيش في الإمارات،  تعرف  أخي عليه من خلال شبكة الانترنت، إذ كان يقضي معه ساعات متواصلة يحكون ويكتبون عن أشياء كثيرة، فدخلت أنا على الخط نفسه، وبدأت أتواصل مع  صديق أخي من خلال شبكة الانترنت، ورغم بعد المسافة اكتشفت أن أصوله  من المدينة نفسها التي أنا منها، وربما كان هذا سبباًفي تطور العلاقة .


شعرت أنه الشخص الذي انتظرته منذ سنوات، استطاع خلال فترة بسيطة أن يتربع على عرش قلبي، ويحول صحراءه الجرداء، إلى حقول خضراء، بعدها لم أجد مشكلة في الاعتراف بقصة حبي لأسرتي، وجاء العريس إلى لبنان وتزوجنا في ليلة رقص فيها الجميع على أنغام فؤادي، لأجد نفسي بعد ذلك في عش الزوجية مع الشخص الذي اختارته مشاعري قبل عقلي ، بعد أن كان الانترنت  صلة الوصل بيننا.


مضت أيام السعادة سريعاً، واليوم أشعر أن الانترنت يدمر بيتي ويقضي على قصة حبنا،  التي بدأت بكتابة الرسائل، ومحوها لنكتب شيئا آخر جديداً، فبعد مرور أربع سنوات على زواجنا الذي أثمر عن طفلين جميلين أصبحت أشعر أن اهتمام زوجي فقط بالانترنت، وكأنه العالم السحري الذي لا يستطيع مفارقته، لدرجة أنه أصبح يقضي عطلة نهاية الأسبوع حتى الصباح على هذه الشاشة، يتواصل مع أقاربه الموجودين في قارات مختلفة، هذا في أمريكا، وذاك في أستراليا، وثالث في «جنوب إفريقيا»، وكأنه في حالة غربه عن أسرته التي حوله. 


بدأت أشعر بالتمرد على هذه الحياة، التي أصبحت تخلو من طعم الحب، وهذاما جعلني أفكر بتركه، سافرت عند أهلي، ثم عدت بعد أن سمعت ألف مثل عن أهمية استمرار الزواج، من النساء المسنات، لذا فقد عدت إلى بيتي على الرغم من أن الأمر لايزال كما هو، وهذا ما جعلني أشعر بحالة نفسية وعصبية سيئة انعكست على  طفليّ، لأنني أصبحت أصرخ وأشتم دون شعور، وبدأت أشعر بالنفور الكامل منه، وحياتي معه أشبه بالانتحار، ولم يعد هذا البيت يشكل لي أكثر من مساحة القبر، ومشكلتي  انعكست على الطفلين، لا سيما الصغير الذي بات يعبر عن قلقه بعدم النوم، بل أصبح يشد لي شعري  بعصبية لافتة، وأصبحنا في حال يرثى لها.


 أيام رتيبة ومتشابهة، بيت وعمل، أما زوجي فإنه يقضي معظم وقته بعد عودته من العمل أمام الكمبيوتر، لذا تأتي عطلة نهاية الأسبوع ليتواصل مع أصدقائه وأقاربه من خلال شاشة وكاميرا معلقة، مرات كثيرة نبهته إلى أنه أب وزوج، فكان يرد «ما الذي ينقصك» ويدير ظهره لنا، متجاهلا كل من حوله، يضحك ويحرك يديه على الطاولة، ليواصل رحلته مع الكمبيوتر إلى عالم الخيال الذي يعيش فيه.


في بعض الأحيان ينتابني شعور بالرغبة في الانتحار، أو البكاء،  فمتى سينفد صبري، لأصرخ في وجه هذه الشاشة خذيه وأريحيني، بت لا أدري ماذا أفعل، هل أستمر أم أدير ظهري لشيء اسمه الأسرة، إذ لم أعد أرى أي مبرر لاستمرارنا  سوى هذين الطفلين، فهل يعقل أن يقضي الإنسان حياته مع رجل لا يملك حساسية تجاه الآخرين،  فقط من أجل استمرار الأسرة، وهل يجوز المضي نحو أيام مقبلة دون أن نلتفت  لأنفسنا لنعيد تقويم حياتنا؟.

تويتر