«نساء التمر»..البحث عن طعم المال والحرية في الصحراء الكبرى

صورة

في قلب العواصف الرملية، وسط الصحراء الإفريقية الكبرى، ترتحل المخرجة الفرنسية ناتلي بورجاه رفقة نساء «التوبو»، في رحلتهن للبحث عن الحرية والاستقلالية المالية عن الرجل، حيث يقطعن كل سنة مسافة 15 ألف كيلومتر، لممارسة التجارة وبيع محصول التمر بعد جنيه، لشراء القليل من الملابس والمجوهرات، وإعالة أسرهن .

رحلة المال والحرية

في أقاصي الصحراء الكبرى، وفي دولة النيجر تحديداً، تعيش قبيلة «التوبو»، شعب يعتمد في بقائه على الرعي، خاضع لطقوس بسيطة وغير قابل للتغيير في التصرفات اليومية، فالرجال يمتهنون رعى الإبل، والنساء ربات بيوت يعتنين بأطفالهن وأزواجهن، لكن في أشهر الصيف من كل سنة تنقلب الأحوال، حيث تشرع نساء القبيلة (عجائز وفتيات في مقتبل العمر)، في مغامرة تحدٍّ شاقة تدوم أربعة أشهر على امتداد فضاء حار، مغبر، ووسط زوابع رملية في الصحراء الكبرى القاحلة، يرافقهن أطفالهن، يمشين على أقدامهن ثلاثة أيام نحو الشمال، متسلحات بخناجر، حيث توجد واحات من النخيل سخية الثمار، والتي يستغرق جنيها شهراً كاملاً، ثم يقمن بتجفيفه وتعليبه وحمله على ظهور الجمال ومواصلة وجهتهن نحو سوق «نقويقمي» على حدود تشاد ونيجيريا، ويمكثن شهراً إضافياً أو أكثر هناك لبيع غلتهم من التمور، حيث يسرن على الأقدام أكثر من 1500 كيلومتر بمنطقة هي الأكثر جفافاً في العالم.
وتعتبر الصحراء في مثل هذا الفصل من السنة أشد قسوة، خصوصاً مع ارتفاع درجة الحرارة، التي تصل إلى 50 درجة مئوية، حيث على النسوة أن يتحلين بالشجاعة، من أجل تحمل حر الرمال ولدغات العقارب والثعابين والعناكب، والعواصف الرعدية .

وتصف مخرجة الفيلم الوثائقي، ناتلي بورجاه، العلاقة بين الإنسان ومحيطه، وترسم يوميات النساء في عالم جاف مقفر، ورغم ذلك لديهن القدرة على إنماء شعورهن بالافتخار والاستقلالية تجاه الرجل، وابتكارهن استراتيجيتهن من أجل البقاء .

قبيلة التوبو


 
تعد «التوبو» واحدة من القبائل الرحالة، التي تسكن على ضفاف الصحراء الكبرى، ومعظمها مسلمون، وهي قبيلة مهمشة تقطن إلى جانب قبائل أخرى على مساحة مليون و300 ألف كيلومتر مربع، وتمتد أراضيها من ليبيا حتى النيجر وتشاد، وفي قلب بلد التوبو «تيبسي» يسكن نحو 650 ألف نسمة، معظمهم يعيشون في النيجر، ومن صفات «التوبو» أنهم أسياد التأقلم، والتضامن والاستقلالية، حيث تمكنوا من تحدي أشرس ظروف الطبيعة، التي يمكن تصورها في العالم، في بلد فقير للغاية، وهدفهم تخطي هاجس المجاعة، والصمود في وجه الموت.

طقوس الزواج

«يولومي»

وبعد مراسم الزواج، يقيم الزوجان ما لا يقل عن سنتين في قرية أهل الزوجة، وتسمى هذه الفترة «يولومي»، ويجب خلالها على الزوج العمل لصالح صهره (أبو زوجته)، ولحسابه إلى حين يقرر هذا الأخير منح الحرية لزوج ابنته، وذلك بمنحه قطيعاً من الغنم والجمال، لبناء أسرة مستقلة اقتصادياً، وفي هذه الفترة ترفض الزوجة معاشرة زوجها وطاعته، ويعتبر هذا التصرف في عادتهم يبرز شخصية المرأة وقدرتها على الصمود وترويض زوجها على احترام قراراتها .

إن الزواج لدى مجتمع التوبو يكون بترتيب والدي الرجل، حيث تكمن مهمتهما في البحث عن الفتاة المناسبة لابنهما، ويرجع القبول أو الرفض من جانب أهل البنت لوالديها دون سواهما، وغالباً يكون الزواج قصرياً، كما يحرم الزواج بين أبناء العمومة .

وإذا تمت الموافقة، فيتعين على والد العريس جمع المهر، ويكون في المتوسط 10 جمال، أو يقوم ببيع ما بين 20 إلى 30 رأس غنم في السوق، يستغل ثمنها في شراء السكر والشاي .

ويحدد والد الفتاة تاريخ العرس، بعدما يستلم المهر كاملاً، ويفضلون أن يكون في الفترة المطيرة بسبب وفرة الحليب، لكن يمكن لأهل العروس التراجع عن اختيارهم قبل الدخول، إذا تقدم شاب آخر إليها.

خطف العروسة

واحتمال فسخ الخطوبة بسبب تأخر دفع المهر يكون مبرراً كافياً للعريس لخطف عروسه، ولا يعد الفعل إجراماً لدى القبيلة، بل هو شائع في أوساطها، وذلك تحت إشراك ووطأة «الوسيطة» (سيدة من أقارب العروسة).

ويتجه العريس إلى أبعد قرية، ويطلب من رئيسها مباركته وتزويجه، ويتم الزواج، وتعترف به القبيلة ويعيشان في كنفها .

ولا يحق للمرأة في قبيلة التوبو اختيار زوجها، إلا في حالة واحدة، هي طلاقها !

ويكون للمرأة حقوق بمجرد زواجها، إذ يمكن لها احتساء الشاي مع الجميع، على أساس أنها سيدة البيت، ولها الحق في إبداء الرأي، وأخد القرارات المتعلقة بشؤون البيت .

 

تويتر