رغم التراجع العالمي الكبير بسبب «الجائحة»

نجاح السياسة المالية المتوازنة لدبي والتعامل الرشيد مع الأزمة في تخفيف تبعات «كورونا»

صورة

أفاد مركز دبي للإحصاء بأنه رغم الركود العالمي الناجم عن جائحة فيروس «كوفيد-19»، والذي يُعد الأسوأ على مدار الثمانين عاماً الماضية، وفق تقديرات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي اللذين توقعا أن يصل تراجع الناتج المحلي العالمي إلى 4.9%، و5.2% خلال عام 2020 على التوالي؛ تمكنت إمارة دبي من تقليص حجم التراجع إلى أدنى مستويات ممكنة خلال العام الجاري.

وأوضح المركز، في بيان أمس، أن اقتصاد دبي بعد أن حقق نمواً قدره 2.2% خلال عام 2019، فإن الظروف الاستثنائية بالغة الصعوبة التي يمر بها العالم جراء الأزمة الطاحنة التي أصابت مفاصل الاقتصاد العالمي بشبه الشلل التام، وكانت بداياتها مع مطلع العام الجاري، والتي ما لبثت أن أخذت في تداعياتها الصحية والاقتصادية في التصاعد على مدار الأشهر الماضية؛ تسببت في تراجع الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي (بالأسعار الثابتة) لإمارة دبي بنسبة 3.5% خلال الربع الأول من 2020، إذ تمكنت دبي بفضل سياساتها المالية المتوازنة والتعامل الرشيد مع الأزمة بمختلف أبعادها من التخفيف إلى حد كبير من التبعات الثقيلة التي خلفتها الجائحة على العالم بسبب الإجراءات الاحترازية الصارمة وغير المسبوقة التي أدت إلى إغلاق غالبية دول العالم لحدودها ومنافذها الجوية والبحرية والبرية، ومن ثم تقييد حركة التجارة العالمية، وكذلك التأثير السلبي على معظم الأنشطة الأساسية، مثل حركة السفر والسياحة، ما أثر بصورة سلبية وبدرجة لم يعهدها العالم منذ «الكساد الكبير» الذي ضرب الاقتصاد العالمي عام 1929.

الأداء الاقتصادي

وقال المدير التنفيذي لمركز دبي للإحصاء، عارف المهيري، إن «ما جاء عليه الأداء الاقتصادي المحلي خلال الربع الأول من العام الجاري هو نتيجة طبيعية لتوقف دولاب العمل حول العالم وتأثر غالبية القطاعات الاقتصادية بالتدابير الوقائية التي سارعت دول العالم إلى تبنّيها، والتي استوجبت تعليق أنشطة تعد من الموارد الأساسية للاقتصاد العالمي، من أهمها التجارة والسياحة والسفر، وهي القطاعات التي تمثل ركائز أساسية لاقتصاد دبي، كونها نقطة ربط أساسية لتدفقات التجارة العالمية، وكذلك حركة المسافرين حول العالم، فضلاً عن كون قطاع السياحة يمثل أحد مصادرها الرئيسة للدخل، إلا أنه على الرغم من صعوبة الأزمة التي أفضت إلى تحقيق أكبر اقتصادات العالم لنتائج سلبية ضخمة خلال الربع الأول من 2020، استطاعت دبي بفضل مرونة اقتصادها وقدرتها على التعاطي بكفاءة مع المتغيرات كافة؛ التعامل بنجاح مع هذه الأزمة العالمية بتقليل أثرها إلى الحد الأدنى مقارنة بالاقتصادات الأخرى.

أداء جيد

وكان صندوق النقد الدولي قد كشف عن توقعاته بتراجع الاقتصادات المتقدمة بنسبة 8% والاقتصادات النامية بنسبة 3% في عام 2020، فيما كانت قد حققت نمواً مقداره 1.7% و3.7% في عام 2019 على التوالي.

وفي حين توقع الصندوق تراجع اقتصادات الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بنسبة 4.7% في عام 2020 بعد نمو بلغ 1% في عام 2019 الأمر الذي يبين أنه عند استقراء واقع الاقتصاد العالمي لعام 2019 وللربع الأول من العام الجاري؛ فإنه يبين أن الأداء الاقتصادي لإمارة دبي يتبع النهج نفسه في كلتا الفترتين، وذلك قياساً بأداء وظروف الاقتصاد الإقليمي والعالمي مع تحقيق اقتصاد الإمارة نمواً إيجابياً عام 2019، إذ بلغ الناتج المحلي الإجمالي للإمارة 407.42 مليارات درهم محققاً نمواً بنسبة 2.2% مقارنة بعام 2018.

وكشف عن التأثر السلبي في أداء كل من نشاط التجارة ونشاط النقل والتخزين في الربع الأول من عام 2020 مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، إذ تراجع نشاط التجارة بنسبة 7.5%، وعلى الرغم من ذلك التراجع فإن نشاط التجارة استمر في المحافظة على نسبة المساهمة الأكبر في اقتصاد الإمارة، حيث أسهم بمقدار 23% في مجمل الاقتصاد، كما تراجع نشاط النقل والتخزين بنسبة 5.5% ودفع مجمل اقتصاد الإمارة نحو التراجع بمقدار 0.67% فقط، مستفيداً من الخفض الكبير في تكاليف التشغيل، خصوصاً وقود الطيران الذي كان تراجعه أعلى من تراجع الإيرادات، ما قيد بشكل كبير تراجع أداء النشاط وتأثيره السلبي على القيمة المضافة الحقيقية لنشاط النقل والتخزين وتحجيم الأثر السلبي على مجمل النمو في الاقتصاد مقارنة بالأثر الإيجابي العالي لهذا النشاط في عام 2019.

واستمر كذلك نشاط النقل والتخزين في نسبة المساهمة العالية في اقتصاد الإمارة، إذ أسهم بنسبة 12.1% وجاء ثانياً من حيث المساهمة.

الناتج المحلي

وكشف عن أن نمو الناتج المحلي الإجمالي لعام 2019 جاء مدفوعاً بأداء نشاط التجارة الذي حقق نمواً بنسبة 2.7% مقارنة بعام 2018، مُقدماً ما نسبته 26.6% من مجمل الأداء الاقتصادي ومساهماً بنحو 32% من مجمل النمو الاقتصادي المحقق، وتعتبر تلك نتيجة طبيعية نظراً لما يمثله نشاط التجارة من أهمية استراتيجية تاريخية في اقتصاد دبي وما توليه الإمارة من اهتمام بالغ، وما يتمتع به من سياسات داعمة وخدمات نوعية لها أثرها في تعزيز أدائه الإيجابي المستمر والاستحواذ على النسبة الأكبر من اقتصاد الإمارة، تلاه نشاط النقل والتخزين الذي حقق نمواً بنسبة 5.9%، وأسهم في ما يقارب 12.8% في إجمالي الناتج المحلي وبنحو 33% من مجمل النمو المتحقق خلال العام.

وأظهر تقرير مركز دبي للإحصاء، أن نشاط خدمات الإقامة والطعام (الفنادق والمطاعم) كان أيضاً من أكثر الأنشطة الاقتصادية المتأثرة بتداعيات جائحة (كوفيد-19) خلال الربع الأول من عام 2020، إذ تراجع النشاط خلال تلك الفترة بنسبة 14.8% مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2019، وقد أسهم النشاط بنسبة 5.1% في مجمل اقتصاد الإمارة دافعاً إياه للتراجع بمقدار 0.85%، وهو تراجع متوقع في ظل التوقف التام لحركة السياحة الخارجية والداخلية والإجراءات واتخاذ المنشآت العاملة في هذا المجال إجراءات صارمة وصلت أحياناً إلى حد الإغلاق، للحد من انتشار الوباء، وتأثر هذا النشاط بشكل كبير في جميع دول العالم بسبب الدواعي الوقائية.

أما في عام 2019، فقد كان أداء نشاط خدمات الإقامة والطعام مخالفاً لما جاء عليه في الربع الأول من العام الجاري، إذ حقق نمواً حقيقياً بنسبة 3.6% في عام 2019 مقارنة بعام 2018، حيث أسهم هذا النشاط بما نسبته 5.1% في مجمل اقتصاد الإمارة وأسهم بدعم النمو الاقتصادي المحقق إيجابياً خلال العام بما نسبته 8.20%، وقد مثلت الأنشطة المبتكرة والعروض الترويجية والفعاليات والمهرجانات التي تتميز بها الإمارة حافزاً لجذب الزوار وقضاء فترات إقامة أطول.

النشاط العقاري

وحقق النشاط العقاري نمواً إيجابياً بنسبة 3.7% في الربع الأول من عام 2020 مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وقد أسهم بنسبة 8% في اقتصاد الإمارة خلال الربع الأول، دافعاً إياه نحو الإيجاب بمقدار 0.27%، ما أسهم في تخفيف حدة أثر الأزمة العالمية على اقتصاد الإمارة، ويقاس أداء القطاع على أساس الاستحقاق للفترة بقياس القيمة المضافة المتحققة خلال الربع من إيرادات الإيجارات المستحقة من العقود السارية، إذ لم تتأثر تلك العقود بتداعيات الأزمة العالمية.

كما تراجع نمو نشاط الصحة بنسبة 3.7% خلال الربع الأول من عام 2020 في ظل توجيه معظم الإمكانات الصحية لإجراءات مكافحة جائحة كوفيد-19، والتي أثبتت نجاعتها، في حين نما نشاط التعليم بنسبة 1.1% خلال الفترة نفسها نتيجة استمرار العملية التعليمية من خلال وسائل التعليم عن بعد.

ونمت الأنشطة الإنتاجية (الزراعة، التعدين، الصناعة، التشييد، الكهرباء) بنسبة محدودة بلغت 0.34 % في عام 2019، مقارنة بالعام الذي سبقه، وحققت مساهمة إيجابية في إجمالي النمو المتحقق بنسبة 3.1%، وقابل هذا النمو تراجع ضئيل في الربع الأول من عام 2020 حيث تراجعت الأنشطة الإنتاجية بنسبة 0.5%، وأسهمت الأنشطة الإنتاجية مجتمعة بنسبة 20.9% في مجمل اقتصاد الإمارة في الربع الأول من العام الجاري، وأثرت سلباً على مجمل الأداء الاقتصادي بمقدار 0.10%، ويأتي هذا التراجع للأنشطة الإنتاجية ضئيلاً كونها صنفت كقطاعات حيوية، وكان تأثير الإجراءات الوقائية عليها في حده الأدنى، وذلك لضرورة بقاء هذه الأنشطة فاعلة لتأمين احتياجات المجتمع واستدامة الحياة للسكان والمنشآت في ظل إدارة الإجراءات الاحترازية بتوازن كبير بين الوقاية واستمرارية عمل المنشآت الحيوية.

وحقق قطاع الأنشطة المالية وأنشطة التأمين اتجاهاً إيجابياً، إذ نما بنسبة طفيفة بلغت 0.3% رغم الظروف الاقتصادية العالمية، وذلك كونه جزءاً من القطاعات الحيوية الضرورية لاستمرارية الحياة ولما يتمتع به من ممكنات تقنية، أسهمت في تحجيم أثر الجائحة، إذ مكنت من تشغيل القطاعات وتقديم الخدمات عن بعد ودون ضرورة التواصل المباشر بين طالبي الخدمة ومقدميها خلال فترات الحظر التي شهدها الربع الأول من العام، وقد أسهم بدفع الاقتصاد الكلي للإمارة إيجاباً بمقدار 0.04% لترتفع بذلك مساهمته في مجمل اقتصاد الإمارة خلال الربع الأول من العام الجاري إلى 11.6%.


ائتمان المقيمين

أظهرت بيانات المصرف المركزي أن حجم ائتمان القطاع المصرفي للمقيمين في الدولة نما في الربع الأول من عام 2020 بنسبة 4% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2019، وقد استمر التوزيع النسبي للائتمان حسب النشاط الاقتصادي بالتركيبة نفسها التي كان عليها في عام 2019 تقريباً، إضافة إلى الإجراءات والتسهيلات التي قدمت من البنوك إلى الأفراد والشركات وفقاً للتوجيهات الحكومية، ما أسهم في تخفيف أعباء الأزمة العالمية عن الأسر والمؤسسات، ومكنها بشكل جيد من تغطية التأثر الناجم عن الأزمة العالمية خلال تلك الفترة.

قطاع الحكومة العامة

قال المدير التنفيذي لمركز دبي للإحصاء، عارف المهيري، إن قطاع الحكومة العامة حقق نمواً بنسبة 0.6% خلال الربع الأول من العام الجاري مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، مساهماً بنسبة 5.1% من إجمالي الناتج المحلي الحقيقي للإمارة، ودافعاً اقتصادها بمقدار 0.028%، ما أسهم في تخفيف أثر التراجع الاقتصادي في تلك الفترة. أما في عام 2019 فقد بلغ نمو القطاع 0.2% مقارنة بالعام الذي سبقه، ليسهم بنسبة 5% من إجمالي الناتج المحلي الحقيقي للإمارة، نظراً لزيادة في النفقات الجارية للحكومة خلال عام 2019.

استمرار نمو الأنشطة العقارية والمالية والصناعة التحويلية وقطاع الحكومة رغم التحديات العالمية.

تراجع الناتج المحلي الإجمالي لدبي بنسبة 3.5% خلال الربع الأول.

تويتر