تقرير أممي يرفض «تبريرات العدوان»

فلسطينية تبكي قريباً لها استشهد أمام مستشفى الشفاء. أ.ف.ب

أصدر المقرر الخاص للأمم المتحدة للأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 1967 ريتشارد فولك تقريراً بشأن الوضع المأساوي الإنساني الذي يتعرض له 1.5 مليون شخص في قطاع غزة منذ 27 من ديسمبر 2008 تحت الحملة العسكرية الإسرائيلية. ويمس هذا التقرير الالتزامات المنوطة بإسرائيل حيال القطاع بموجب القانون الدولي بوصفها قوة محتلة، لاسيما تلك المضمّنة في اتفاقية جنيف الرابعة عام 1949 ويشير التقرير أيضاً الى انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي. ويقوّم الادعاءات الإسرائيلية بأن الحرب على غزة إنما هي عمليات «دفاعية» تتماشى مع ميثاق الأمم المتحدة، وانه «لا توجد أزمة إنسانية».

تكشف ظروف إعداد التقرير عن ارتباطها بالظروف التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في غزة وممارسات الاحتلال الاسرائيلي.

فقد تأثر التقرير سلباً كما تقول فقرته الافتتاحية - بسبب نقص المعلومات الضرورية عن الوضع الإنساني في غزة قبل الغزو، حيث منعت إسرائيل ريتشارد فالك من جمع المعلومات المناسبة لكتابة التقرير لتقديمه للجلسة العادية لمجلس حقوق الإنسان المقرر عقدها في مارس المقبل، واحتجزته لدى دخول اسرائيل في زنزانة توقيف بمطار بنغوريون الدولي لتطرده في اليوم التالي.

ويكشف التقرير أن الحظر المفروض على قطاع غزة والذي ظل على ما هو عليه قبل وبعد الغزو الاسرائيلي للقطاع شمل أيضاً حظر رجال الصحافة العالمية من الدخول إلى القطاع للاطلاع على الحالة الانسانية للسكان مع أن إسرائيل سمحت في الوقت نفسه للصحافيين بمعاينة ما تسببه الصواريخ (الفلسطينية) من أذى للمدنيين في إسرائيل، ومنعت إسرائيل حتى لجنة الصليب الاحمر الدولي من التحقق من الانتهاكات الإنسانية التي يتعرض لها سكان غزة، لاسيما زيارة موقع عمليات عسكري في مدينة زيتان للتحقق من واقعة قتل فيها 60 فرداً من عائلة السموني من بينهم العديد من الأطفال. وهذه الزيارة تعتبر من صميم عمل المقرر الخاص، حيث من المفترض ان يطلع مجلس حقوق الإنسان بوجه خاص والأمم المتحدة بوجه عام على هذا الوضع.

وتكمن الاهمية للجلسة المقررة في مارس في اثبات وجود ازمة انسانية ملحة في غزة حيث تدعي وزيرة الخارجية الاسرائيلية، تسيبي ليفني، انه لا حاجة «لهدنة انسانية» لأنه لا توجد في الأصل أزمة إنسانية. وتدعي ليفني أيضاً أن إسرائيل سمحت بإمدادات الطعام والدواء بالوصول لغزة، إلا انه وطبقاً لملاحظات موظفي وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين (أونروا) فإن هذه الشحنات لا تكفي لسد رمق السكان او احتياجاتهم الدوائية إلا إذا سمح الوضع الصعب بتوزيع الإمدادات. ومن المستحيل تحت الظروف الحربية التي تسود كل القطاع ان يتحقق هذا التوزيع.

ويرصد التقرير بعض الحقائق التي ينبغي ذكرها خلف الأزمة الإنسانية الجارية في غزة حيث إن 75٪ من السكان ليس بإمكانهم الحصول على المياه الصحية او الطاقة الكهربائية، وهذه الظروف أدت إلى تدهور الصحة الجسمانية والعقلية للسكان ووضعهم الغذائي، ونتج عن الأزمة أيضاً تعرض 45٪ من اطفال غزة لسوء التغذية الحادة. وان 80٪ من سكان غزة حالياً أصبحوا يعيشون تحت خط الفقر، وان البطالة تفشت بينهم لنسبة تقترب من 75٪، وان النظام الصحي على وشك الانهيار. ويقر التقرير بأنه لا يوجد مبرر قانوني أو أخلاقي لإطلاق الصواريخ (الفلسطينية) على أهداف مدنية (إسرائيلية)، وان مثل هذا السلوك يعتبر انتهاكاً لحقوق الإنسان وحقه في العيش كما انه يعتبر جريمة حرب. لكنه في الوقت نفسه شدد على أنه ينبغي تقويم طبيعة العدوان في إطار ظروف حدوثه بما في ذلك علاقته بوقف إطلاق النار المؤقت الذي كان يمتد منذ يونيو2008 الى ان خرقته إسرائيل بهجومها المميت على الميليشيات الفلسطينية في غزة في الرابع من نوفمبر 2008 حيث إنه خلال الفترة السابقة للسابع والعشرين من ديسمبر لم يتعرض إسرائيلي واحد للموت بسبب تلك الصواريخ. يضاف لذلك انه ومنذ يونيو 2008 ان كلا الطرفين التزما بوقف إطلاق النار على الرغم من حدوث بعض الاحتكاكات، وخلال تلك الفترة كان من المفترض على إسرائيل رفع او على الأقل تخفيف الحصار الذي فرضته على غزة والذي تسبب في عنت شديد للسكان لاسيما في ما يتعلق بإمدادات الطعام والدواء والمعدات الطبية والوقود، إلا أن إسرائيل فشلت في ذلك.

هذا الحصار والذي استمر 18 شهراً غير قانوني ويعتبر عقوبة جماعية للسكان وانتهاكاً صريحاً للمادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة، وأيضاً انتهاكاً للمادة 55 والتي تلزم القوة المحتلة بتوفير إمدادات كافية من الطعام للسكان المدنيين وتوفير الاحتياجات الصحية لهم. هذا الحصار لم يغير طبيعة الهجمات الصاروخية غير المبررة، إلا انه يحدد نتيجتين مهمتين من منظور قانوني: اولاً ان الاذى الذي لحق بالمدنيين بسبب السلوك الاسرائيلي اكبر من ذلك الذي الحقه الفلسطينيون بالجانب الاسرائيلي المدني.

ويخلص التقرير إلى أنه أيضاً بموجب القانون الدولي يجب ان نحدد مستوى القوة المطلوب استخدامها والتي ينبغي ان تتناسب مع حجم الاستفزازات الامنية التي تحدث.

ويشير التقرير إلى أن هناك شهادات لمراقبين دوليين مؤهلين تؤكد ان اسرائيل تتخذ اهدافاً غير مقبولة قانونياً وبأسلحة تسبب «معاناة غير ضرورية» مما يشكل انتهاكاً للقانون الدولي العرفي، ومن بين تلك الأهداف الجامعة الاسلامية، المدارس، المساجد، المنشآت الطبية، وسيارات الاسعاف. ومن تلك الاسلحة الغاز الفسفوري والصواريخ التي تحرق اللحم والعظم، والقذائف التي تمزق الضحية إرباً إرباً، ومن المحتمل ان تتسبب هذه الذخائر في امراض كالسرطان للأحياء، واستخدام اليورانيوم المنضب في ضرب أنفاق غزة. ومن المحتمل ان تسبب هذه الذخائر في إشعاعات لمن يتعرض لها خلال قرون من الزمان.

تويتر