5 دقائق

الطموح غير المتناهي

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

ورد في الحديث أن النابغة الجعدي، رضي الله عنه، أنشد النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم قصيدة طويلة، فلما بلغ قوله:

- كثير من الناس هم في غفلة عما تسعى له القيادة الرشيدة.

بلغنا السماءَ مجدنا وجدُودَنا * وإنا لنبغي فوق ذلك مَظهرا

- أي مرتقى وعُلُوّاً - قال له النبي عليه الصلاة والسلام: «إلى أين يا أبا ليلى؟»، قال: إلى الجنة، قال: «نعم. إن شاء الله»، لا يفضض الله فاك، فكان أحسن الناس شِعراً، وتعمر طويلاً.

فكان هذا إقراراً منه، صلى الله عليه وسلم، على مثل هذا الطموح العالي والهمة القعساء، مع أن الرجل قالها بعفوية العزة العربية التي نشأ عليها في بيئته الصحراوية كراً وفراً وعزة ومَنَعَة..

الشاهد من ذلك أن طموح النفس إلى المعالي هو دأب الكرام من الناس، الذين لا يرضون إلا بمعالي الأمور، فإنه «لا يشبع المؤمن خيراً حتى يكون منتهاه الجنة»، كما ورد في الحديث، وسواء أكان ذلك الخير علماً أو مالاً أو تطوراً حضارياً أو تقنياً.. أو غيره، فهو شامل لكل ما ينتفع به الناس، وقد سمى الله تعالى المال خيراً، كما في قوله سبحانه: {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ}.

وهذا ما ينطبق على طموح شيوخنا الحكام، حرسهم الله بعين عنايته، الذين لهم كل يوم طموح يتجدد للرُّقي بالأمة إلى أوج العزة الذي لا يبارى، فيضعون البرامج والخطط والسياسات لبلوغ الغاية المنشودة من الرقي غير المتناهي، فوثيقة الخمسين العام الماضي، ووثيقة يناير هذا العام، اللتان أطلقهما صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، حفظه الله، تُعتبران الطموح العالي بالرُّقي بالإمارة والدولة إلى أوج العلا الممكن وصوله لأحد من البشر؛ فقد وضعتا الخطوط الرئيسة للسير بالإمارة والدولة والشعب نحو تلك الأهداف بنور وبصيرة، حتى يكون العام 71 تمام المائة عام لقيام الاتحاد متوجاً بتحقيق كل الخطط التي وضعت للرقي بالإنسان والوطن إلى الأوَّلِيَّة المنشودة..

إن هذه الخطط المدروسة هي في الحقيقة همُّ القيادة الرشيدة، التي سهرت على إعدادها وتسهر على تحقيقها، وكثير من الناس هم في غفلة عما تسعى له القيادة الرشيدة، التي ترى في شعبها أحقية الوصول إلى الممكن الذي وصل إليه الآخرون، ثم السبق عليهم، لما لدى الشعب من المقومات المؤهلة لتحقيق ذلكم الطموح العالي.

وإذا كنا قبل عام قد غزونا الفضاء بوضع أول قمر اصطناعي إماراتي، بأيد إماراتية 100%، ثم ريادة الفضاء بإرسال أول رائد فضاء إماراتي – هزاع المنصوري – ها هي اليوم تضع اللمسات الأخيرة للوصول إلى المريخ من خلال مسبار الأمل الذي صنع بأيد إماراتية 100%، والذي وقَّع في الأمس القريب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، حفظهما الله تعالى، على القطعة الأخيرة منه، لتدخل الدولة بذلك السباق العالمي لاستكشاف الفضاء الخارجي، فتكون واحدة من بين تسع دول فقط تطمح لاستكشاف هذا الكوكب، الذي لا شك أن استكشافه سينقل العالم إلى وضع آخر، لعله يكون أفضل مما عليه عالم اليوم.

وما هذه الإنجازات الكبيرة إلا ثمرة يانعة من ذلكم الطموح الذي يسعى لتحقيقه شيوخنا، حفظهم الله تعالى، لتفانيهم في خدمة الإنسان الإماراتي خاصة والعربي عامة، وإعادة مجده التليد الذي أضاء العالم معارف وحضارة راقية، ليكون دليلاً واضحاً جلياً على محبة هذه القيادة للشعب والأمة، وتفانيها في تحقيق مصالح الحاضر والمستقبل، وحتى يكون نموذجاً وضَّاء لمن أراد أن ينفع الأمة، لا من يريد فناءها.

وما هذا كله إلا غيض من فيض لما يُراد لهذه الأمة الإماراتية خصوصاً والعربية عموماً من عِزة ورُقي، فإن ما تخبئه الأيام من مفاجآت لعله يكون أكثر وأكبر.

هذا ما تقدمه القيادة الرشيدة للناس، فما الذي يقدمه الناس لأنفسهم؟ إنه الالتفاف حول هذه القيادة، والعمل معها بإخلاص وتفان ونكران للذات، بحيث يكون كل واحد يستشعر أنه المقصود بالعمل، وإليه يعود نفعه، فإن ذلك من النصح لولي الأمر الذي هو الدين كله، كما قال عليه الصلاة والسلام: «الدين النصيحة...».

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه

 

تويتر