5 دقائق

أزمة الأمة

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

كثير هم المشخصون لأزمة الأمة العربية والإسلامية في وقتنا الحاضر؛ فمن مُشخِّص لها بالدين وآخر بشح الموارد وثالث بالتعليم ورابع بهيمنة الغرب.. وكلها قد تكون ضرباً من التَّخَرُّص والظنون؛ لأنها غير واردة من خبير عليم، فلا نعول عليها كثيراً، فإذا جاء التشخيص من الخبير الماهر، والعليم بأحوال الناس والسياسة والاقتصاد والسلم والحرب فإن تشخيصه يكون حقيقياً يمكِّن أولي الأيدي والأبصار أن يضعوا الدواء مكان الداء؛ ذلكم المشخص هو صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، حيث قال: «لا توجد أزمة طاقة ولا أزمة تعليم ولا أزمة صحة في منطقتنا العربية؛ لدينا أزمة إدارة».

فالأزمة إذاً تشخصت في إدارة الأمة وثرواتها وتوجهاتها وثقافتها، فإذا فشلت الإدارة في تسيير هذه الأمور على الوجه المنشود سرى الفشل للفرد والمجتمع، وحكم على الأمة كلها بسبب سوء تلك الإدارة بالفشل، والدليل على ذلك ما بينه سموه بقوله: «نحن أمة تملك موارد عظيمة، وتضم كفاءات عظيمة، لكننا نفتقد من يدير الموارد والكفاءات لصناعة أمة عظيمة».

فأمة تملك موارد عظيمة في خزائن الأرض التي تعيش عليها ولا تحسن استخراجها، وإذا استخرجتها لم تحسن استغلالها ببناء الإنسان وتنظيم العمران وإقامة النظام، تعتبر في نظر الناس أمة فاشلة.

وإذا كانت لديها كفاءات علمية وعقلية، وتراكم خبرات مشهودة تقدر على أن تدير أمور الأمة وثرواتها وحاجاتها، ثم لا تستفيد من هذه الكفاءات، فإن ذلك يعتبر سوء إدارة، فإن الكفاءات إذا غيبت حل محلها من يخطط للفشل، وذلك ما فطن له نبي الله يوسف، عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، حينما رأى أن الأمة ستغرق في الفقر والمجاعة، وأنه لابد من قيادة كفؤة تنهض بها، طلب من عزيز مصر أن يوليه خزائن الأرض ﴿قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾، لا طمعاً في الدنيا والمسؤولية، ولكن لترتيب وضع الأمة التي سيلحقها الضرر الكبير إن لم يقم الكفؤ بمهمة إدارة مواردها، وبين كفاءته متحدثاً بنعمة الله عليه بأنه «حفيظ»، يعني أمين على ما يتولاه، «عليم» بكيفية إدارة الأزمة القادمة، والخروج منها بأقل الأضرار الممكنة، فكان ذلك بفضل الله تعالى على تلك الأمة بوجود هذا النبي الكريم، الذي أنقذها من أزمة كانت ستقضي عليها.

وهكذا فعل خالد بن الوليد، رضي الله عنه، في غزوة مُؤْتة، فإنه لما رأى الجيش سيهلك بفقد قادته الثلاثة، رضي الله عنهم، ورأى من نفسه الكفاءة لإخراج الجيش من تلك الأزمة التي كان قد أُعد لها قيادات مُحنكة، ولكن مفاجأة الحرب كانت فوق ذلك، فلم يتردد سيف الله خالد بن الوليد، رضي الله عنه، في إدارة الحرب من غير إمارة، تفادياً للضرر الكبير على الجيش بفقد القيادات الكُفؤة.

وهكذا هي دولة الإمارات العربية المتحدة، التي امتن الله تعالى عليها بقيادة كفؤة، أخرجت الأمة من وضع معيشي غير محسود عليه، إلى وضع محسود، بتطور مشهود، ونظام محكم، وعدالة راقية، وسعادة فائقة، حيث استخرجت الموارد واستغلتها استغلالاً حكيماً في بناء الإنسان، وتطور الوطن، وتشييد حضارة اقتصادية وعمرانية وعلمية وعدلية وأمنية وفكرية رائدة، حتى غدت شامة بين الدول، ومقصداً لمبتغي التطور والرقي.

إن القيادة الناجحة هي التي تصنع الشعوب وتبني الأوطان وتحقق مبتغى الإنسان في كل مكان، والدليل على ذلك، ذلكم الإخفاق الذي وصلت إليه شعوب المنطقة العربية على وجه الخصوص، بسبب أزمة القيادات، وكان الأجدر بهذه الشعوب أن تخرج من أزماتها المتوالية بتفجير طاقات الشباب وتأهيلهم تأهيلاً علمياً وفكرياً وصحياً، لهذا الزمان الذي لم يعد زمان التخلف التقني أو العلمي، فإن ركب الحياة يسير بسرعة البرق، فمن منافس في السباق لعله يحظى بظفَر وإن قل، ومن متقاعس متفرج يجني ثماراً مُرة من ندم التخلف.

فجزى الله هذا القائد الفذ الهمام، الذي يهتم بشعبه وأمته وينير طريق التقدم والازدهار، ليسلكه من يريد لنفسه وأمته الخير والرشاد..

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

 

 

تويتر