5 دقائق

أبواب السعادة الخفية

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

السعادة لها مفهوم واسع، فهي كما يقول علماء المنطق والفلسفة: «كُلِّيٌّ يدخل تحته جزئيات كثيرة»، ولست اليوم بصدد جزئياتها المألوفة، التي هي من زينة الحياة الدنيا ومتاعها الحلال، والتي تسعى حكومتنا الرشيدة لتوفيرها لكل مواطن ومقيم وزائر، حتى تكون السعادة مُشِعَّةً في دولة الإمارات، أرضاً وإنساناً، بحيث يكون مؤشر السعادة هو الأول عالمياً، وليس 21 كما أعلن عنه.

وسأبين في هذا المقال الوجيز بعض أبوابها، التي توجد مفاتيحها بيد كل إنسان، فما عليه إلا أن يفتح الباب ليلج إلى واحة السعادة في الدنيا الموصلة إلى سعادة الآخرة، فيكون من الذين سُعدوا، وليس من الذين شَقوا، وهذه الأبواب هي:

1- معرفة الله تعالى من خلال آياته المتلوة، والمنظورة في لوح الكون، فإن هذه المعرفة تجعل المرء يعيش في عالم الملكوت، متعلقاً بربه سبحانه، تعظيماً ومحبة ورغبة ورهبة، فيعرف معنى العبودية الحقَّة التي لا يجد لذة سواها، كما قال الناظم:

ومما زادني شرفا وتِيها وكدتُ بأخمصي أطأ الثريا

دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيَّرت أحمد لي نبيا

فإن النظر إذا جال في هذا الكون الجميل الفسيح، سيستدل به على عظمة الله، وبديع صنعه، وكمال قدرته سبحانه، ويعلم أنه عابدٌ لله فطرة، كما أخبر الله عنه في غير ما آية، وأنه مسخر لهذا الإنسان المستخلف فيه، وهو يملكه، ومخلوق لأجله، وهو يتمتع بخيراته، فيحبه ويحب ما فيه، فضلاً عن محبته لصانعه سبحانه.

2- أن يستشعر هاديه إلى معبوده، وهو الحبيب المصطفى، صلى الله عليه وسلم، فيتعرف عليه من خلال قراءة سيرته وسنته، فيزداد له توقيراً وإعزازاً، ويعرف معنى الكمال الإنساني، ويترقى فيه بالقدوة والتأسي، فيعيش مغتبطاً بدينه، متمسكاً به، مستشعراً معنى القيم الإسلامية العظيمة، ومعنى الإخاء الإنساني، محبة ورحمة وكرماً وحلماً، وغير ذلك.

3- أن يتعرف إلى حقيقة الدنيا، فيعلم أنها متاع زائل، لكنها مزرعة الآخرة، التي هي الحياة المستقرة الدائمة، والتي لا يمس السعداء فيها {نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ}، وبذلك يعيش الإنسان قانعاً بما آتاه الله، فيكون هو ومن يملك الدنيا سواء.

4- أن يجعل الكتاب والقراءة منهجاً لحياته، فيرى عقول الحكماء، وعلم العلماء، ولسان الأدباء، وبلاغة البلغاء، ويضيف إلى عمره عمر من مضى، ويطوي الأزمان الماضية بعصره، ويستشرف المستقبل بنور العلم وهدي الحكمة، لاسيما الكتب التي عُنيت ببيان السعادة، كمفتاح دار السعادة لابن القيم، وكيمياء السعادة للغزالي، وتأملات في السعادة والإيجابية لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، حفظه الله، غيرها كثير.

5- أن يعرف معنى الإخاء الإنساني، بأن يعلم أن أخاه الإنسان هو عون له في هذه الحياة، فيستفيد من سعيه وعلمه وجهده، ويعلم أن كل واحد من بني الإنسان هو مكمل للآخر، فأخوه الإنسان هو الذي صنع له الصناعات التي يعيش بها ويتمتع بها ويسعد بها، فيحبه لأنه أخوه، ولأنه أسعده، ولأنه مستخلف في الأرض مثله، ولأنه لا يقدر أن يعيش بدونه، كما قال ابن خلدون في نظريته الاجتماعية: «الإنسان مدني بالطبع»، فلا يسعى للإضرار به، فضلاً عن أن يسعى لفنائه.

6- أن يعرف معنى الانتماء للوطن، واستقراره وأمنه ورخاءه ، فيسعى ليكون جندياً في خدمته، يحميه ويبنيه ويحبه ويحب راعيه وبانيه، لأنه لولا هذا الوطن المحفوظ لما سعد في رخاء ولا طمأنينة، لاسيما وهو يرى كثيراً ممن لا وطن له ولا مأوى، فيسعد بنعمة الله عليه، ويدعو لإخوانه بالأمن والسعادة.

كل هذه الأمور وغيرها كثير هي مفاتيح للسعادة الذاتية وجالبة لها، وهي تجعل للحياة قيمة، وللعمر معنى، وللمستقبل هدفاً، وللإنسانية كرامة.

وهي بيدك أيها الإنسان، عليك أن تسعى جاهداً لتحصيلها، ولا يمكن أن تُجلب لك فتوضع أمامك لتأخذها.

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر