5 دقائق

النظرية في التطبيق

عبدالله القمزي

يحدث أحياناً أننا ندخل اجتماعاً غير متحضرين فنطلب رؤوس أقلام، أو حتى معلومات مفصلة مطبوعة على ورقة، ونظللها، ثم نقرأها قراءة سريعة، ظناً منا أننا أحطنا بالموضوع بشكل كامل. وعندما ندخل الاجتماع نفاجأ بتفاصيل لم ترد في ورقة التحضير، وعندما نخرج من الاجتماع فإن معظم المعلومات تكون قد تبخرت من العقل، رغم أنها مهمة.

سنثير الجدل لو قلنا إن تلك الطريقة ليست فاعلة ولا نافعة في تعلم أي شيء، ومن الخطأ بناء قراراتنا عليها، والسبب الوحيد الذي يجعلنا نثق بها هو أنها تجعلنا نفسياً نشعر بالأمان. سألت صديقاً مطلعاً يقرأ الأخبار: ما هي عاصمة كندا؟ فلم يعرف الإجابة، رغم أن كندا هي ثاني أكبر دولة في العالم، بعد روسيا وقبل الولايات المتحدة الأميركية!

وعندما ضغطت عليه لتخمين الإجابة، قال: تورونتو. ولم يستطع تسمية أي مدينة كندية أخرى، وعندما عجز تماماً قلت له: أوتاوا، ومنذ ذلك الحين وهو يتذكرها ويقول لي إنه لن ينساها.

الفرق بين الحالتين أن الأولى يحاول فيها الشخص التعلم وهو في منطقة الأمان، بينما في الثانية أخرجت ذلك الصديق من منطقة الأمان ووضعته في منطقة التحدي، وأعطيته الإجابة فيها، ثم أعدته إلى منطقة الأمان. وعندما تعلم شيئاً جديداً خارج منطقة الأمان، قال إنه لن ينساه لأن المعلومة رسخت في ذهنه.

• المنظّر له رؤية مثالية، عادة، لكنه يعجز عن وصفها لمن أمامه.. أما التطبيقي فيقول لك لو فعلت كذا فستصل إلى كذا.

هذا هو الفرق بالضبط بين التعلم بالطريقة النظرية والتعلم بالطريقة العملية أو التطبيقية. المنظّر عادة شخص يفهم ما يقوله، لكنه لم يجربه على أرض الواقع. ولو وضع تحت التجربة فالأرجح أنه سيخفق، أما الشخص الذي تعلم بالتطبيق، فيعرف طريقه بالتجربة والخطأ، وهذه تسمى الخبرة.

المنظّر له رؤية مثالية، عادة، لكنه يعجز عن وصفها لمن أمامه. وغالباً يطلب تنفيذ العمل بهذا الشكل أو بذلك الاتجاه دون تقديم وصف دقيق للاتجاه أو الطريقة المطلوبة، أي يشوب رؤيته الغموض. أما العملي أو التطبيقي فيقول لك لو فعلت كذا فستصل إلى كذا، ولو فعلت ذلك فتلك ستكون النتيجة، أي يعلم بالضبط اتجاهه.

الشخص التطبيقي له ميزة إضافية، هي قدرته على حل المشكلات عن بُعْد، فموظفو تقنية المعلومات مثلاً يستطيعون حل المشكلة دون رؤية الشاشة، فقط صف لهم المكتوب على الشاشة، وسيخبرونك بما يجب فعله. بالتوازي ميكانيكي السيارة سيرشدك إلى ما يجب فعله، إذا اتصلت به وأخبرته بما تراه أو تسمعه في السيارة.

مسك الختام: سألت صديقاً متقاعداً منذ 11 عاماً، عما إذا كان يتذكر تفاصيل طريقة أدائه على جهاز يتطلب مهارة استخدام خاصة، فقال إنه نسيه تماماً.

وسألت صديقاً آخر في الوظيفة نفسها، تقاعد منذ ثلاثة أعوام، عما إذا كان يتذكر التفاصيل، فقال: ربما. رغم أن الاثنين يعلمان نظرياً الصح والخطأ في أداء ذلك العمل، وهذا يدل على أننا ننسى بمعدل منتظم، لكننا نثق بحواسنا ونسيء تقدير حقيقة أننا ننسى كثيراً.

اليوم من الصعب قبول خط فاصل بين النظرية والتطبيق، فأفضل طريقة للتعلم هي التطبيق والوقوع في الخطأ، والجدل المتعلق بـ«النظرية مقابل التطبيق» أصبح عتيقاً، فالحل الأمثل هو دمج النظرية (العلم) في التطبيق (التجربة).

Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر