عهود بنت خلفان الرومي

لماذا نحتاج السلامة الرقمية للطفل في دولة الإمارات؟

لم يشهد العالم في مراحل تطوره المختلفة ما يشهده عصرنا الحالي من تسارع التكنولوجيا الرقمية التي أصبحت علامة مميزة للقرن الواحد والعشرين، وعاملاً مؤثراً في تشكيل وعي وتوجهات جيل العصر الرقمي الذي يشكل أكثر من 50٪ من سكان دولة الإمارات، التي تحتل المرتبة الأولى عالمياً في استخدام الأفراد للإنترنت بنسبة 98٪.

في دولة الإمارات يقضي الفرد نحو 8 ساعات يومياً بين مواقع الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، التي أصبحت جزءاً من حياتنا اليومية، وفي ظل هذا الواقع ومع الجهود المتواصلة لتحسين جودة حياة أفراد المجتمع، يغدو التركيز على تحسين جودة الحياة الرقمية أمراً في غاية الأهمية، ما يتطلب تعزيز السلامة الرقمية التي تمثل العنصر الأساسي لجودة الحياة الرقمية.

تقدم تكنولوجي واعد، يحمل انتشاره السريع الكثير من الجوانب الإيجابية لدولة الإمارات، ويعزز ريادتها في قيادة الجهود العالمية لصناعة مستقبل أفضل.. مستقبل يعد بالكثير من الفرص خاصة لأطفالنا الذين تفتح لهم شبكة الإنترنت آفاق عالم واسع، وتساعدهم على التطور والتفاعل، والتواصل مع معلميهم وأقرانهم، وتعلم مهارات جديدة، تجعلهم أكثر شغفاً بالمعرفة وأكثر إبداعاً، وتجيب على أسئلتهم، وتمكنهم من خلال جولات افتراضية من التعرف على العالم، والانفتاح على ثقافات جديدة، وتجربة تطبيقات وألعاب توسع مداركهم وقدراتهم، وتبقيهم على تواصل مع الأصدقاء والعائلة.

ورغم الفرص الكبيرة التي توفرها هذه الحياة الرقمية، إلا أنها تنطوي على الكثير من التحديات التي تهدد السلامة الرقمية لأطفالنا، مثل التعرض لمحتوى غير لائق، أو التنمر عبر الإنترنت وتطبيقات التواصل الاجتماعي التي يتفاعل معها الأطفال، أو محاولات الحصول على معلوماتهم الشخصية، أو اختراق حساباتهم وأجهزتهم، فيما يشكل تعرض الأطفال المتواصل لألعاب عنيفة في العالم الرقمي تحدياً كبيراً ينطوي على احتمالات انعكاس المنظومة السلوكية التي يعايشونها رقمياً إلى أنماط سلوكية في حياتهم الواقعية.

هذه التحديات تجعل الآباء والأمهات حول العالم يشعرون بقلق متزايد من مشاركة أطفالهم معلومات شخصية مع غرباء عبر الإنترنت، إضافة إلى المخاطر المحتملة للإدمان على الألعاب الإلكترونية، وما تحمله من تبعات خطيرة وغير متوقعة، كما يبرز تحدي انعكاس هذه المخاطر على وعي الطفل وسلوكياته، وعلى مستقبل شخصيته كفرد وهويته الرقمية على حد سواء. هذه التطورات المتسارعة تفوق قدرة العديد من الآباء والأمهات على مواكبتها، ما تؤكده إحصائية حديثة أشارت إلى أن 34% من الآباء والأمهات في دولة الإمارات يتركون أطفالهم يستكشفون الإنترنت دون إشراف، فيما لا يضع 60٪ منهم أي ضوابط لتفاعل أطفالهم مع العالم الرقمي، ما قد يعني تركهم عرضة للخطر دون حماية أو إشراف.

هذه التحديات تتطلب تعزيز العمل الجماعي والشراكة الفاعلة بين مختلف المعنيين لتعزيز السلامة الرقمية للأطفال، بدءاً من الأطفال في المرحلة العمرية التي تسمح لهم باستخدام الإنترنت من خلال توعيتهم بأسس السلامة الرقمية، أما الأطفال الأصغر سناً فتقع على الأهالي مسؤولية متابعة أنشطتهم في العالم الرقمي بشكل مكثف ودائم من خلال تعزيز إجراءات الضبط والرقابة الإلكترونية على الأجهزة التي يستخدمونها. للآباء والأمهات الدور الأكبر بمتابعة ما يتعرض له أطفالهم في العالم الرقمي، والرقابة على استخدامهم لأدواته المختلفة، وبناء صيغة حوار مع أطفالهم، وتشكيل وعيهم على أسس سليمة لاستخدام آمن لشبكة الإنترنت والتطبيقات المرتبطة بها. السلامة وجودة الحياة الرقمية لأطفالنا عامل محوري في تشكيل المستقبل، وحكومة دولة الإمارات تكثف الجهود لتعزيزها من خلال مبادراتها التي تركز على الحياة الرقمية، ومن هنا جاء إطلاق مبادرة السلامة الرقمية للطفل بدعم من الفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، وبالتعاون بين البرنامج الوطني للسعادة وجودة الحياة ووزارة الداخلية، ليجسد توجيهات القيادة ويترجم محاور الأجندة الوطنية لجودة الحياة التي تركز على تعزيز جودة الحياة الرقمية للأفراد، وبناء المجتمعات الرقمية الإيجابية.

تحقيق السلامة الرقمية لأطفالنا من خلال تثقيفهم وتمكينهم ومساعدة الآباء والأمهات والمعلمين، وترسيخ مفاهيم السلامة وجودة الحياة الرقمية في أطفالنا منذ سن مبكرة، يتطلب تعزيز الشراكة الفاعلة بين الجهات الحكومية والمدارس وشركات التكنولوجيا ووسائل الإعلام، للوصول إلى الأطفال عبر الإنترنت، وفي المدارس والبيوت، لبناء وعيهم وتعليمهم كيفية الحفاظ على سلامتهم في العالم الرقمي، وغرس قيم الاحترام والتسامح وسلوكيات المواطنة الرقمية الإيجابية في نفوسهم.

أطفالنا مستقبلنا.. سلامتهم الرقمية وتعزيز جودة حياتهم هو استثمارنا الأهم في المستقبل.

وزيرة الدولة للسعادة وجودة الحياة

تويتر