كـل يــوم

«كلهم في الهوا سوا»!

سامي الريامي

لم يكن ذلك المستشفى الخاص ليتجرأ على المجتمع وتقاليده، من خلال إعلان «مقزز» استفز كثيرين، لولا وجود قناعة لدى القائمين عليه بأن هذا النموذج من هذه الفئة وهذه النوعية من البشر، أصبح مقبولاً ولا شيء يمنع ظهوره «إعلانياً»، وهذه القناعة لم تأتِ من فراغ، بل من وجود العديد من الأفراد، والشركات، وحتى الجهات الحكومية، يستخدمون هذه الفئة من البشر تحديداً، للإعلان عن خدماتهم، والترويج لهم، فلماذا نرفض الآن هذا الكائن الغريب، ونقبل الآخرين الذين هم على شاكلته، مع أنهم «كلهم في الهوا سوا»!!

بالتأكيد لا أحد، عاقل على الأقل، يقبل شكل وطريقة وغرض ذلك الإعلان، فهو يندرج عرفاً تحت مسمى «قلة أدب»، وقانوناً أيضاً يمكن تجريمه تحت بنود عدة من لائحة قانون العقوبات، أما شعبياً ومجتمعياً فهو مرفوض ومستهجن، ويدعو إلى التأفف والغضب، ولكن ما أريد أن أصل إليه، هو أن السكوت عن ممارسات شبيهة سابقة، بل منحها «الشرعية» من خلال تهافت الناس على حسابات هؤلاء، ومتابعتهم الدائمة لهم، واستخدامهم بغرض الإعلان، والدفع لهم بسخاء غير طبيعي، هو من شجع غيرهم على الظهور، وهو الذي سيجعلنا نشاهد نماذج أسوأ مستقبلاً، خصوصاً أننا نتحدث عن أموال إعلانية عالية جداً، قادرة على إغراء كثيرين من هذه الفئة، تُدفع لهم من شركات خاصة، وشركات عقارية شبه حكومية، بل بعض الجهات «الحكومية» أيضاً، فكيف نريد القضاء على ظاهرة سيئة، وهناك «جهات ومؤسسات» خاصة وشبه حكومية تدعمها وتروج لها وتمنحها الشرعية المناسبة للاستمرار وتضفي عليها القبول؟ أليس في ذلك منتهى التناقض بين المرفوض مجتمعياً والمقبول إعلانياً؟!

ما نراه اليوم، وما سنراه مستقبلاً من نماذج سيئة تسيء لنا ولسمعتنا ومكانتنا، هو نتاج ما صنعه بعضنا، بقصد أو من غير قصد، حينما تم تحويل «أنصاف الرجال» إلى «قدوة»، وحينما أعطاهم بعضنا، قدراً ومكانة ومالاً، لا تتناسب أبداً مع حجمهم ومكانتهم وقدرهم الطبيعي، وأصبحوا بين يوم وليلة، وفي غفلة من الجميع، «مؤثرين» في المجتمع، ليس فقط في وسائل التواصل، بل خرجوا منها ليتصدروا المجالس، ويُدعوا إلى المناسبات المجتمعية، ويتسابق أولياء الأمور لتصوير أبنائهم الصغار معهم، ما جعلهم «يتورمون» و«يتضخمون» على المجتمع وتقاليده، فلا يكترثون بنتائج أفعالهم، ولا يهتمون بنوعية كلماتهم، ولا يسيطرون على طريقة وأسلوب تمايلهم وميوعتهم، لأنهم يدركون تماماً أن زلاتهم مغفورة، ومؤيديهم كثر!

لذلك فلا نستغرب ما يحدث، لأنه وبكل بساطة من أمن العقوبة، لاشك أبداً في أنه سيسيء الأدب، فما بالكم بمن وجد في «ضياع الأدب» مكتسبات ومكانة لم يكن يحلم في نصفها يوماً ما؟!

كثيرون ألقوا باللوم الشديد على الجهات المختصة، وطالبوا بإجراءات صارمة ضد من نشر ذلك الإعلان المستفِز، وضد من شارك فيه، وهذا أمر طبيعي، نظراً لفكرته وطريقته المنحطة، ولكن قبل أن نحمّل الحكومة عبئاً إضافياً قد يتسبب لنا في تداعيات سلبية عالمية معظمنا يعرف تبعاتها، علينا أن ندرك أن محاربة ومكافحة هذه الظاهرة تحديداً تبدأ من الناس أنفسهم، تبدأ من الأسرة، و«الفريج»، والمدرسة، والمجتمع، وأساس المكافحة يبدأ من رفض هذه الشخصيات وهذه الأعمال، وهذه السلوكيات، ولابد من توعية الصغار مبكراً بخطورة هذه النماذج على الفكر والأخلاق، لا أن نكيل بمكيالين نرفضهم ثم نتسابق لتصوير أبنائنا معهم! نكره سلوكياتهم ونتابعهم بحجة الضحك عليهم! نغضب لظهورهم في إعلان مصوّر وندفع لهم الملايين ليروجوا ويعلنوا ويتحدثوا بلغتهم السقيمة عن مشروعات شبه حكومية! قبل أن نطالب أحداً باتخاذ إجراءات على كل منّا أن يبدأ بإجراءاته على المستوى الشخصي، فالرفض العام لهم سيحجّمهم، ولن يشجع غيرهم على الظهور، وهذا ما نريده حفظاً لمجتمعنا ومكانتنا.

twitter@samialreyami

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر