مواطن يتهم بنكاً بالتسبب في خسارته 50 مليون درهم

نظرت محكمة النقض أبوظبي، طعنين تقدم بهما "مواطن"، وأحد المصارف العاملة في الدولة، حيث طالب الأول بإلزام المصرف بأن يؤدي له مبلغ 60 مليون درهم، كتعويض عن الأضرار المادية التي لحقت به والتي قدرها بـ 50 مليون درهم بالإضافة إلى خسارته الأدبية والإضرار بسمعته،  فيما طالب المصرف بإلغاء حكم محكمة الاستئناف لمخالفته للقانون، وكان حكم محكمة الاستئناف قضى بإلزام المصرف بأن يؤدي للطاعن الأول مبلغ 500 ألف درهم كتعويض عن الأضرار الادبية التي لحقت به من جراء خطأ المصرف من عدم صرف قيمة شيك بحجة عدم تطابق توقيع الساحب للشيك.

وتعود تفاصيل القضية إلى أن الطاعن الأول (صاحب الشيك) أقام دعوى بطلب الحكم بإلزام أحد المصارف العاملة في الدولة بأن يؤدي مبلغ 60 مليون درهم كتعويض عن الأضرار المادية والأدبية التي لحقت به، على سند من القول، انه تم إبرام عقد بيع بين الطاعن وبين شخص آخر، باع بموجبه الأخير إليه قطعة أرض بمبلغ إجمالي 24 مليون درهم تم سداد مبلغ 10 ملايين درهم من قيمتها كعربون وقت التوقيع على العقد بموجب شيك بنكي مقبول الدفع مسحوب من حسابه لدى المصرف المشكو في حقه.

وأشارت أوراق القضية، إلى أنه حال تقديم البائع لذلك الشيك لتحصيل قيمته لدى المصرف المسحوب عليه امتنع عن صرفه بحجة أن التوقيع غير مطابق فعاود المشتري (الطاعن) التوقيع على الشيك وامتنع المصرف عن الصرف مرة أخرى لذات السبب بما يدل عن خطأ البنك الجسيم وحسن نية الطاعن، والذي أقام البائع عليه قضية جزائية لإصداره شيك بتوقيع غير مطابق وفور علم المشتري بتلك القضية سارع وأودع قيمة ذلك الشيك لدى المحكمة بموجب ايصال قبض امانات.

وأوضحت أوراق القضية أن الطاعن طلب إحالة أوراق الدعوى الجزائية إلى المختبر الجنائي لإثبات صحة ذلك التوقيع عليه ليقينه بأن التوقيع المذيل به الشيك هو توقيعه، وقد أودعت لجنة خبرة ثلاثية من المختبر الجنائي تقريرها في هذا الشأن والذي أثبت أن كافة التوقيعات التي يحملها الشيك المذكور مطابقة وتتفق ونموذج التوقيع المعتمد لدى المصرف غير أن المحكمة اصدرت حكما في تلك الدعوى الجزائية بانقضائها للسداد.

واستأنف المشتري حكم المحكمة الجزائية للحصول على حكم بالبراءة وليس بانقضاء الدعوى بالتصالح استناداً لتقرير الخبرة فصدر الحكم بالتأييد، فطعن عليه لذات السبب بطريق النقض لدى المحكمة الاتحادية العليا حيث نقضت المحكمة الحكم الجزائي المطعون فيه وأحالت القضية إلى محكمة الاستئناف لنظرها مجدداً فقضت بإلغاء الحكم المستأنف وبراءة الطاعن (المشتري) وبرفض الدعوى المدنية، حيث أصبح هذا القضاء باتاً بعدم الطعن عليه.

وأشارت أوراق القضية إلى أن فعل المصرف وعدم مراعاة أصول العمل المصرفي ترتب عليه أضراراً بالغة، منها عدم تنفيذ البائع لعقد بيع الأرض، لعدم صرف قيمة الشيك مما اضطر الطاعن لإقامة العديد من القضايا ضد ذلك البائع لإلزامه بتنفيذ عقد البيع، وقد سدد عن  رسوما قضائية لهذه الدعاوى قدرها 750 ألف درهم، غير أن كل تلك الدعاوى قضي فيها بالرفض على سند من أن المشتري قصر في التزامه  بصرف قيمة الشيك المذكور رغم أن كل التقصير الذي يصل إلى حد الإهمال الجسيم ينسب إلى المصرف الطاعن الذي رفض صرف قيمة الشيك مرتين رغم تطابق التوقيع المدون عليه لتوقيعه المعتمد بالإضافة إلى أن البائع حصل على حكم قضائي بالحجز التحفظي على المبلغ المودع في خزينة المحكمة على ذمة القضية الجزائية بقيمة 5 مليون درهم تنفيذاً للشرط الجزائي الوارد بعقد البيع.

وتضمنت أوراق القضية أن الطاعن الأول (المشتري) باع العديد من العقارات بغرض البناء على قطعة الأرض محل التعاقد وكان يتوقع أرباحاً من شراء تلك الارض واستثمارها بما أصابه بأضرار مادية يقدرها بمبلغ 50 مليون درهم بخلاف الأضرار الأدبية التي لحقت به بعد المساس بسمعته وذلك بإهمال من المصرف (الطاعن الثاني)، فأقام الدعوى تعويض، فيما دفع المصرف بعدم سماع الدعوى بمرور الزمان وفقاً لنص المادة 298 من قانون المعاملات المدنية وبانتفاء الخطأ من جانبه، فيما حكمت المحكمة بعد رفض الدفع بعدم سماع الدعوى لمرور الزمان بإلزام المصرف (الطاعن الثاني)  بأن يؤدي للطاعن الأول (صاحب الشيك) مبلغ مليون درهم ورفضت ما عدا ذلك من طلبات.

ولم يجد الحكم قبولاً لدى الخصمين، فاستأنف الطاعن الأول الحكم كما استأنفه المصرف (الطاعن الثاني) وقضت المحكمة بتعديل الحكم المستأنف وإلزام المصرف بأن يؤدي للطاعن الأول مبلغ 500 ألف درهم بدلاً من المبلغ المحكوم به ابتدائياً، وطعن الطرفان على حكم محكمة الاستئناف وأودع كل من المطعون ضدهما في كلا الطعنين مذكرة التمس فيها رفض الطعن، وإذ عرض الطعنان على هذه المحكمة في غرفة مشورة رأت أنهما جديران بالنظر فحددت جلسة لنظرهما.

وأشار حكم المحكمة  فيما يخص طعن البنك إلى أن الأضرار الأدبية التي لحقت بالمطعون ضده (صاحب الشيك) من جراء خطأ المصرف (الطاعن)  بعدم صرف قيمة الشيك محل النزاع للمستفيد منه بحجة عدم مطابقة التوقيع المنسوب للساحب رغم صحة ذلك التوقيع ومطابقته لنماذج توقيع الساحب بما يثبت خطأ المصرف وما تسبب فيه هذا الخطأ من ضرر أدبي تمثل في الزج بالمطعون ضده في أروقة المحاكم كمتهم بإصدار شيك لا يقابله رصيد ومعاناته النفسية حتى حصل على البراءة من ذلك الاتهام بعد أن خضع لإجراء المضاهاة على توقيعه لدى المختبر الجنائي بما أصابه بشعور الحزن والإهانة والمساس بكرامته وسمعته لدى أقرانه من جرم تسبب فيه المصرف الطاعن، وكان ذلك من الحكم استخلاصاً سائغاً وله سنده من واقع الاوراق والمستندات المقدمة في الدعوى وفي حدود سلطة محكمة الموضوع في تقدير التعويض الجابر للضرر بعد أن بينت عناصره من خطأ وضرر وعلاقة سببية ووجه أحقية المطعون ضده فيه ، ومن ثم يضحى النعي مجرد جدل في سلطة محكمة الموضوع في تقدير التعويض الأدبي الجابر للضرر الذي لحق بالمطعون ضده نتيجة خطأ المصرف الطاعن بما لا يجوز اثارته أمام محكمة النقض ويتعين معه رفض الطعن .

ولفت حكم المحكمة في الطعن المقدم من صاحب الشيك، إلى أن عدم تنفيذ البائع (صاحب قطعة الأرض)  لعقد البيع ليست ناشئة عن خطأ المصرف المطعون ضده لكون الحكم الصادر في الاستئناف قد انتهى إلى بطلان عقد البيع المبرم بين الطاعن (صاحب الشيك) والبائع له قطعة الأرض موضوع الشيك محل النزاع لعدم توافر الشروط الشكلية الخاصة بإتمام إجراء البيع أمام دائرة الشؤون البلدية بإمارة أبو ظبي، وليس نتيجة عدم صرف قيمة الشيك المذكور وأن الطاعن باعتباره أحد طرفي عقد البيع قد اسهم بخطأ منه في ذلك البطلان بتحريره لذلك العقد دون اتخاذ الإجراءات الشكلية ومن ثم يضحى الطعن على غير سند من القانون خليقاً بالرفض، وقضت المحكمة في الطعنين برفضهما وألزمت كل طاعن برسوم ومصروفات طعنه وأمرت بالمقاصة في اتعاب المحاماة وبمصادرة التأمين في كلا الطعنين.

تويتر