Emarat Alyoum

اقتصاد إيران منهك حتى قبـــــل العقوبات الأميركية الجديدة

التاريخ:: 11 أغسطس 2018
المصدر: ترجمة: مكي معمري عن «ذي أتلانتك»
اقتصاد إيران منهك حتى قبـــــل العقوبات الأميركية الجديدة

دخلت المجموعة الأولى من العقوبات الأميركية على إيران، التي جاءت في أعقاب انسحاب إدارة الرئيس دونالد ترامب في مايو الماضي من الاتفاقية النووية، حيز التنفيذ الاثنين الماضي، ما يزيد من الضغوط على الاقتصاد الإيراني المتعثر بالفعل. وتستهدف العقوبات العناصر المهمة للاقتصاد الإيراني، لكنها أقل تأثيراً من القيود التي تدخل حيز التنفيذ في الرابع من نوفمبر المقبل، وتستهدف هذه العقوبات صناعة النفط في البلاد، التي يعتمد عليها اقتصاد إيران بشكل كبير.

إن إعادة فرض العقوبات يشكل إضفاء الطابع الرسمي على انسحاب الولايات المتحدة من الصفقة الإيرانية، التي بموجبها وافقت إيران على كبح برنامجها النووي مقابل تخفيف العقوبات. ولكن إذا كان من المفترض أن يساعد تخفيف العقوبات في علاج اقتصاد إيران، فإنه لم ينجح في ذلك، فقد تعرضت البلاد لضغوط اقتصادية حادة حتى من دون فرض العقوبات، التي من المؤكد أنها ستجعل الوضع أسوأ.

وقال مسؤول كبير في الإدارة الأميركية، الاثنين الماضي خلال مؤتمر مع الصحافيين «كان الاقتصاد الإيراني في هبوط قبل أن يتخذ الرئيس قراره وهذا نتيجة السياسات التي تبنتها إيران منذ فترة»، وتابع: «لكن ما من شك في أن هذه العقوبات المالية ستستمر في جلب ضغوط كبيرة».

وتغطي المجموعة الأولى من العقوبات التعاملات الإيرانية بالدولار الأميركي وتجارة الذهب والمعادن النفيسة الأخرى وبعض المعدات الصناعية، والأهم من ذلك، أنها ستستهدف أيضاً المعاملات التي تشمل الريال الإيراني وإصدار الديون السيادية الإيرانية، ما يزيد من زعزعة استقرار الريال الذي فقد أكثر من نصف قيمته مقابل الدولار الأميركي في الأشهر الأخيرة.

ويتعين الانتهاء من اتفاقات إيران، التي تبلغ قيمتها مليارات عدة من الدولارات، مع شركتي «بوينغ» و«إيرباص» لشراء طائرات لأسطولها الجوي المتقادم، أو مواجهة عقوبات، وكلتا الشركتين تقول إنها سوف تمتثل.

لكن قطاع السيارات في إيران هو الأكثر تضرراً من العقوبات، وفي ذلك يقول نائب المنسق السابق لسياسة العقوبات في وزارة الخارجية الأميركية، ريتشارد نيفيو، إن «قطاع السيارات هو واحد من أكبر قطاعات التصنيع في إيران». وقالت شركات صناعة السيارات الأوروبية، مثل «رينو» التي تعمل في إيران، إنها تبحث عن بدائل أخرى «لتعويض الفرص الضائعة في إيران».

وقال نيفيو إن العقوبات الأخيرة «ستكون بمثابة إعلان أكثر وضوحاً للجهات الفاعلة في السوق، والاقتصاد الإيراني، وأوروبا، وغيرها من الجهات في وقت تعتزم هذه الإدارة المضي قدماً في قرار الانسحاب من خطة العمل المشتركة الشاملة، كما تعرف الصفقة الإيرانية رسمياً». وأضاف «أن أحد الأشياء التي سمعت عنها الكثير خلال الشهرين الماضيين هو التكهن بأن كل هذا يعتبر مناورة تهدف إلى تجديد العملية الدبلوماسية التي كانت متوقفة»، ويعتقد المسؤول الأميركي أن الكثير من تكهنات كهذه ستتلاشى عندما تدخل هذه العقوبات حيز التنفيذ.

وعندما تعود هذه العقوبات إلى مكانها الصحيح، سيكون الأثر في الاقتصاد الإيراني وفي الحد الأدنى لأي شركة دولية تتحدى الجزاءات ملموساً. وهذا لا يعني أن اقتصاد طهران كان يحلق عالياً حتى الآن، لقد تضاعفت مشكلاتها الاقتصادية بسبب تراجع قيمة عملتها (الريال).

وألقى بنك إيران المركزي باللوم على «مؤامرة من جانب أعداء البلاد بهدف تفاقم المشكلات الاقتصادية والتسبب في قلق عام»، لكن المشكلات بالكاد هي خطأ جهات خارجية. إن تصرفات إيران منذ توقيع خطة العمل المشتركة في يوليو 2015، لم تساعد في أي شيء، فطهران تخوض حرباً باهظة الثمن في سورية، وحرباً بالوكالة في اليمن، وتمول ميليشيا «حزب الله» اللبناني بالأسلحة، وكذلك حركة حماس، وغيرها من الجماعات المسلحة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وهذا النشاط له ثمن. وتشير التقديرات إلى أن طهران أنفقت عشرات المليارات من الدولارات على هذه الجهود، وهو الإنفاق الذي دفع المتظاهرين المناهضين للحكومة إلى الهتاف أخيراً «ليس غزة، ولا لبنان، حياتي من أجل إيران».

وأدى سوء إدارة الاقتصاد الإيراني، والفساد المستشري، وارتفاع معدلات التضخم إلى احتجاجات منتظمة على مستوى الدولة ضد الحكومة، فضلاً عن المؤسسة الدينية لرجال الدين الشيعة الذين يتمتعون بسلطة مطلقة في البلاد.

وقال مسؤول آخر رفيع المستوى في الإدارة الأميركية في المؤتمر نفسه، «إن سوء إدارة النظام بشكل منتظم لاقتصاده، وقراره بإعطاء الأولوية لجدول أعمال ثوري على حساب رفاهية شعبه، قد وضعا إيران في أزمة اقتصادية طويلة المدى»، وتابع: «الفساد الحكومي الواسع النطاق والتدخل المكثف في الاقتصاد من قبل الحرس الثوري يجعلان من العمل في هذا البلد خياراً خاسراً. المستثمرون الأجانب المباشرون لا يعرفون أبداً ما إذا كانوا يسهلون التجارة أو يدعمون الإرهاب».

ولم يكن الأمر كذلك، لقد وقعت إيران على خطة العمل المشتركة مع بلدين هما الصين واليابان، وهما أكبر المشترين للنفط الإيراني، إضافة إلى فرنسا وروسيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة وألمانيا والاتحاد الأوروبي.

لقد شلت العقوبات في عهد أوباما، التي انضم إليها المجتمع الدولي، الاقتصاد الإيراني. وفي مقابل منافع سياسية واقتصادية ملموسة، وافقت طهران على التخلي عن برنامجها النووي، وكانت النتائج غير واضحة، حيث ارتفعت صادرات النفط في أعقاب الاتفاق النووي، ولكن النمو الاقتصادي الفعلي لم يتحقق فعلاً.

والعقوبات الأميركية الأخيرة، بالإضافة إلى الإجراءات التي تدخل حيز التنفيذ في نوفمبر، هي إجراءات أحادية الجانب، لكن أكبر الشركات في العالم ستتماشى معها، حتى لو بقي أطراف خطة العمل المشتركة في الاتفاقية.

أمّا الأطراف الأخرى فستبقى لأن إيران تواصل الامتثال لشروط الصفقة، ولكن طهران تقول إنها ستستمر في الالتزام بالاتفاقية طالما أن هناك فوائد اقتصادية من خطة العمل المشتركة. وما قاله منسق وزارة الخارجية الأميركية للاتفاق النووي، غاريت بلان، إن ما يمكن أن يقدمه الأوروبيون وغيرهم لإيران في غياب الولايات المتحدة «لن يكون كافياً لمواجهة أي تأثير اقتصادي معاكس في إيران»، موضحاً «في أحسن الأحوال، قد يكونون قادرين على الحد من التأثير في الاقتصاد المحلي بشكل لا يعيده إلى ما قبل التوقيع على الاتفاقية».

وأضاف بلان أن الأطراف الأخرى في خطة العمل المشتركة قد تستمر في تقديم منافع سياسية لإيران، بما في ذلك مواصلة التعاون النووي المدني وبعض الفوائد الاقتصادية، وأعرب عن اعتقاده أن «الأمر يتلخص في حقيقة ما إن كانت إيران قادرة على الحفاظ على ما يكفي من التجارة للبقاء خارج الركود في حين لا ترى الشركات الكبيرة، التي لها صلات بالولايات المتحدة، الفائدة في المخاطر». وتقول الصين، التي تنخرط في نزاع تجاري مع الولايات المتحدة، إنها لن تقلل من كمية النفط الذي تستورده من إيران، وقد يكون ذلك بحد ذاته كافياً لتعويض آثار أشد العقوبات قسوة.

• أدى سوء إدارة الاقتصاد الإيراني، والفساد المستشري، وارتفاع معدلات التضخم إلى احتجاجات منتظمة على مستوى الدولة ضد الحكومة، فضلاً عن المؤسسة الدينية لرجال الدين الشيعة الذين يتمتعون بسلطة مطلقة في البلاد.

• الصين، التي تنخرط في نزاع تجاري مع الولايات المتحدة، تقول إنها لن تقلل من كمية النفط الذي تستورده من إيران. وقد يكون ذلك في حد ذاته كافياً لتعويض آثار أشد العقوبات قسوة.

• العقوبات الأميركية الأخيرة، بالإضافة إلى الإجراءات التي تدخل حيز التنفيذ في نوفمبر، هي إجراءات أحادية الجانب، لكن أكبر الشركات في العالم ستتماشى معها، حتى لو بقيت أطراف خطة العمل المشتركة في الاتفاقية.

كرشناديف كلامور - كاتب ومحلل سياسي