Emarat Alyoum

«حماس» وإسرائيل تحاولان تفادي الحرب الشاملة

التاريخ:: 25 يوليو 2018
المصدر: ترجمة: مكي معمري عن «نيويورك تايمز»
«حماس» وإسرائيل تحاولان تفادي الحرب الشاملة

الجيش الإسرائيلي يسميها «حملة بين الحروب»، وهي عمليات قصيرة، ولكن متزايدة القسوة ضد حركة المقاومة الإسلامية «حماس» في غزة، بهدف تحذير الحركة المتشددة، ومن أجل تأجيل، إن لم يكن منع، الصدام الكبير المقبل.

المشكلة هي أن كل جولة من العنف المتصاعد قد تقرب من الحرب المقبلة. وللمرة الثانية خلال أسبوع، اشتبك الجنود الإسرائيليون مع الفلسطينيين، عبر حدود القطاع، يوم الجمعة الماضية. وقصفت طائرات حربية إسرائيلية نحو 60 موقعاً عسكرياً تابعاً لـ«حماس»، بعد أن أطلق مسلحون فلسطينيون من غزة النار على جندي إسرائيلي، وتراجع الجانبان بسرعة عن مواجهة كبيرة.

وقالت الحركة التي فقدت ثلاثة من أعضائها، السبت، إنها تستأنف وقف إطلاق النار الذي أنهى الحرب الأخيرة مع إسرائيل في عام 2014، بعد وساطة مكثفة من مصر والأمم المتحدة. وعاد الهدوء النسبي، لكنه تجدد مرة أخرى، نظراً إلى أنه لم يتم حل أي من القضايا الأساسية التي تثير التوترات، ما ترك الجانبين في شلل خطر.

وخاضت إسرائيل و«حماس» ثلاث حروب في العقد الأخير، ويعتقد كثيرون في الجانبين أن حرباً رابعة باتت أمراً لا مفر منه. ومع كل مخاطر سوء التقدير، يمكن للحوادث الأخيرة أن تتحول إلى حرب لا يريدها أي من الطرفين.

وفي أحدث تصعيد لهذا الصراع غير المتكافئ، قصفت القوة الجوية الإسرائيلية ذات التقنية العالية البنية التحتية العسكرية للحركة، لإيصال رسالة مفادها أنه يتوجب على «حماس» أن توقف تكتيكها الجديد، المتمثل في الطائرات الورقية الحارقة، والبالونات عبر الحدود مع إسرائيل. وتسببت الطائرات الورقية المشتعلة في إشعال مئات الحرائق في الغابات والمجمعات المدنية الإسرائيلية القريبة من غزة. وخلال هذا الشهر، فرضت إسرائيل أيضاً عقوبات اقتصادية إضافية على القطاع الفلسطيني المعزول.

ويقول مدير المشروع الإسرائيلي الفلسطيني في مجموعة الأزمات الدولية، ناثان ثيرال، معلقاً «المشكلة هي أن الرأي العام الإسرائيلي يطالب بفعل شيء لوقف الطائرات الورقية»، ويضيف مؤلف كتاب بعنوان «تفادي الحرب في غزة»، وهي دراسة جديدة أجرتها المجموعة «هناك اقتراح بأنه إذا أوقفت (حماس) الطائرات الورقية، فإن الوضع يمكن أن يعود إلى ما كان عليه قبل نصف عام»، متابعاً «المشكلة هي أن (حماس) لا تريد العودة إلى ما كانت عليه قبل نصف عام، أو قبل عام أو عامين».

سنوات الجمود

ويأتي تدهور الوضع في غزة على خلفية سنوات من الجمود في مفاوضات السلام الإسرائيلية الفلسطينية. لقد تحولت الحكومة الإسرائيلية إلى اليمين، وتعززت بصعود إدارة الرئيس دونالد ترامب، التي تمارس ضغوطاً أقل بكثير على إسرائيل، مقارنة بسابقاتها، لتقديم أي تنازلات للقيادة الفلسطينية المشتتة وغير الفعالة.

وفيما اعتبره الفلسطينيون ضربة أخرى، هذا العام، نقلت إدارة ترامب السفارة الأميركية من تل أبيب إلى مدينة القدس. وبدأت أعمال المقاومة في الارتفاع، أخيراً، عندما تعهدت «حماس» بالانتقام لمقتل أحد النشطاء الذي قتل جراء القصف الإسرائيلي على مدينة رفح، جنوب غزة. وأُطلق الرصاص على جندي إسرائيلي، يوم الجمعة، ليكون أول جندي يقتل في منطقة الحدود مع غزة منذ أن انتهت الحرب الأخيرة، قبل أربع سنوات، وكان الهجوم الإسرائيلي الأخير هو الأعنف منذ سنوات.

ويقول ثيرال «كانت (حماس) قلقة من أنها تواجه وضعاً جديداً، وأن قواعد اللعبة قد تغيرت، وأن إسرائيل يمكن أن تقصف من دون عقاب»، متابعاً «لذا أرادت (حماس) أن توضح أن ذلك غير مقبول، وأنها سترد». وقال إن ذلك كان «الديناميكية الأساسية ومصدر المواجهة الحالية».

هناك عنصر آخر حاسم في الصراع، وهو الفشل المتكرر لجهود المصالحة بين «حماس» التي تسيطر على غزة منذ 11 عاماً، والسلطة الفلسطينية المدعومة من الغرب، وهي هيئة أكثر اعتدالاً، تمارس سلطة محدودة على أجزاء من الضفة الغربية.

وتقول مجموعة الأزمات الدولية إن السبيل الوحيد لتفادي حرب شاملة أخرى، هو اتفاق المصالحة الذي سيسمح للسلطة الفلسطينية بالسيطرة على قطاع غزة. لكن ما يسمى «اتفاق الوحدة»، الذي تم التوصل إليه في الخريف الماضي، تعثر.

لا أحد يبدو أنه يريد مسؤولية إدارة مدينة يسكنها مليونا فلسطيني، يعيش أكثر من نصفهم تحت خط الفقر، ويواجهون نسبة بطالة تصل إلى نحو 50٪. ومن المرجح أن «حماس» ترغب في التخلي عن عبء الحكم، ولكن دون وضع أسلحتها. أما السلطة الفلسطينية، بقيادة خصوم الحركة، فلا تريد هذه المسؤولية، كما لا تريدها إسرائيل ومصر، اللتان تفرضان قيوداً مشددة على حركة الأشخاص والبضائع من وإلى القطاع، بذريعة الدواعي الأمنية، مثل منع تهريب المزيد من الأسلحة إلى غزة.

احتجاجات حاشدة

وتصاعدت التوترات على مدى الأشهر الثلاثة الماضية، منذ أن بدأت «حماس» في تنظيم احتجاجات حاشدة، وغالباً ما يتخللها العنف، على طول السياج الذي يفصل بين إسرائيل وغزة. وقتل القناصة الإسرائيليون أكثر من 140 فلسطينياً، معظمهم غير مسلحين، وفقاً لمسؤولين صحيين في غزة، في حين يقول الجيش إنه يتصدى لمحاولات اختراق الجدار، وصد الهجمات التي يشنها مسلحون من غزة.

لقد تحول هذا الاحتكاك إلى تصاعد في تبادل إطلاق قذائف الهاون والصواريخ الفلسطينية ضد المواقع العسكرية الإسرائيلية والمجمعات الحدودية المدنية، وإلى ضربات جوية إسرائيلية متكررة، في وقت يناور فيه كل جانب لمحاولة استعادة توازن الردع ضد الآخر.

وقال وزير الحرب الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، أثناء زيارة إلى منطقة الحدود مع غزة، يوم الجمعة «رأينا جميعاً أنه لا يمكن أن نذهب إلى الحرب بسبب طائرات ورقية وبعض الحرائق»، متابعاً: «نحن نعمل بمسؤولية وبضبط النفس، على الرغم من أن تغير المعادلة وما يتعلق بالشعور بالأمن لا يقل أهمية عن الأمن نفسه».

قبل وقت قصير من سريان مفعول وقف إطلاق النار الأخير، أصر المتحدث باسم «حماس»، فوزي برهوم، على حق الحركة في مواصلة المقاومة، «للدفاع عن أهالي غزة»، موضحاً «إنه واجب وطني، على المقاومة ردع الاحتلال الإسرائيلي من فرض قواعد الاشتباك الخاصة به على المدنيين الأبرياء».

وضع غير قابل للاستمرار

ويعتقد أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت في الضفة الغربية، غسان الخطيب، أن «المشكلة هنا هي أن الوضع في غزة غير قابل للاستمرار، وسينفجر بطريقة أو بأخرى»، متابعاً «تحاول (حماس) إدارة الوضع بطرق مختلفة، بما في ذلك محاولة توجيه الغضب إلى الخارج». ومن التعقيدات الأخرى بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية و«حماس» ومصر والمانحين الدوليين، مشكلة كيفية الحصول على مساعدات ضخمة ومشروعات إنمائية في غزة.

وتصر إسرائيل على أن تمر جميع المساعدات عبر السلطة الفلسطينية. وفي هذه الأثناء، تفرض السلطة عقوبات على الحركة، ولا تتطلع إلى تقديم شريان حياة لها. ويشعر المانحون بالقلق من تسليم المساعدات مباشرة إلى «حماس»، ويخشون تحويلها إلى أغراض عسكرية. وفي مقال نشر في صحيفة «واشنطن بوست»، قبل أيام، جادل فريق إدارة ترامب الذي يتعامل مع النزاع (غاريد كوشنر وجيسون غرينبلات وديفيد فريدمان)، بأن الوضع بالنسبة للغزيين سيتحسن بشكل كبير إذا قامت «حماس» بتغيير مسارها بشكل واضح.

وكتبوا: «إلى أن تتغير طريقة الحكم أو تعترف (حماس) بدولة إسرائيل، وتلتزم بالاتفاقيات السابقة وتنبذ العنف، لا يوجد خيار جيد». ورفض متحدث آخر باسم «حماس»، وهو سامي أبوزهري، ما قاله المسؤولون الثلاثة، باعتبارهم قد تبنوا الطرح الإسرائيلي، ووصف الإدارة الأميركية بـ«السخيفة».

• 60 موقعاً عسكرياً تابعاً لـ«حماس» قصفته الطائرات الحربية الإسرائيلية بعد أن أطلق مسلحون فلسطينيون النار على جندي إسرائيلي.

• يأتي تدهور الوضع في غزة على خلفية سنوات من الجمود في مفاوضات السلام الإسرائيلية الفلسطينية، إذ تحولت الحكومة الإسرائيلية إلى اليمين، وتعززت بصعود إدارة الرئيس دونالد ترامب، التي تمارس ضغوطاً أقل بكثير على إسرائيل، مقارنة بسابقاتها، لتقديم أي تنازلات للقيادة الفلسطينية المشتتة وغير الفعالة.

• تصاعدت التوترات على مدى الأشهر الثلاثة الماضية منذ أن بدأت «حماس» في تنظيم احتجاجات حاشدة، وغالباً ما يتخللها العنف، على طول السياج الذي يفصل بين إسرائيل وغزة.