Emarat Alyoum

القمة الأميركية الكورية الشمالية ستحطم آخر قلاع الحرب الباردة

التاريخ:: 13 يونيو 2018
المصدر: ترجمة: عوض خيري عن موقع «سي إن إن»
القمة الأميركية الكورية الشمالية ستحطم آخر قلاع الحرب الباردة

ظل الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الكوري الشمالي كيم جونغ أون على طرفي نقيض، لكن القدر ألقى بهما في مواجهة بعضهما بعضاً، وهي فرصة تاريخية نادرة من أجل تغيير العالم للأفضل. وهذه القمة التي عقدت أمس في سنغافورة، والتي بدأت باجتماع الرجلين جنباً إلى جنب مع مترجمين، تمثل انفتاحاً ظل العالم ينتظره منذ 70 عاماً. وهذا الوضع الجديد لم يكن أحد يتصوره قبل أشهر قليلة فقط عندما كان الزعيمان يتبادلان الشتائم التي أثارت المخاوف من الانزلاق إلى حرب نووية.

«الوضع الجديد بين ترامب وكيم لم يكن أحد يتصوره

قبل أشهر قليلة فقط، عندما كان الزعيمان يتبادلان

الشتائم التي أثارت المخاوف من الانزلاق إلى

حرب نووية».

ويمكن أن تحطم هذه القمة آخر قلاع الحرب الباردة في العالم والدخول في سلام دائم لإنهاء النزاع في شبه الجزيرة الكورية، الذي تفجر بين 1950-1953، والذي أعاد تشكيل الجغرافيا السياسية لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ. ومن المؤمل أن تساعد هذه القمة على إنقاذ أرواح الملايين من الكوريين الشماليين الذين يعانون المجاعة والعزلة.

وفي حال نجاح تنفيذ ما تمخضت عنه القمة بين الرجلين فستكون أهميتها موازية لرحلة الرئيس الراحل ريتشارد نيكسون لمقابلة الرئيس الصيني السابق ماوتسي تونغ، ومحادثات القوى العظمى بين الرئيس الراحل رونالد ريغان ونظيره السوفييتي ميخائيل غورباتشوف، والتي عجلت بنهاية الاتحاد السوفييتي، إلا أن فشلها يمثل أيضاً مخاطرة هائلة، لأن القمة الفاشلة قد تدمر الجهود الدبلوماسية وتقرب البلدين من صراع عسكري كارثي.

وذكرت وكالة الأنباء الكورية الشمالية الرسمية أن كيم منفتح على الحديث في كل ما يدور حول «نزع الأسلحة النووية» و«السلام الدائم». وذكر ترامب أن كيم لديه «فرصة واحدة» ليصنع التاريخ. وأضاف: «أشعر أن كيم جونغ أون يريد أن يفعل شيئاً رائعاً لشعبه».

ويعد أول لقاء مباشر بين زعيمي الولايات المتحدة وكوريا الشمالية في حد ذاته ذا قيمة عالية بعد سنوات من التوتر، واختبارات نووية وصاروخية لكوريا الشمالية، ومحاولات دبلوماسية محبطة شاركت فيها الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان والصين في محاولة لاحتواء تهديد كوريا الشمالية.

فهذه القمة تجمع بين نجم سابق في مجال العقارات ونجم في تلفزيون الواقع مع ديكتاتور عديم الرحمة يبلغ عمره نصف عمر نظيره، والذي كان ينظر إليه في الماضي على أنه رجل مجنون، لكنه بدا الآن كقائد حصيف ودبلوماسي ذكي.

وربما ما يبعث على التفاؤل هو أن الرئيس الأميركي يعد أفضل صانع صفقات في العالم، ويسعى إلى تحقيق إنجاز في هذا المجال، جنباً إلى جنب مع الرئيس الكوري الجنوبي ذائع الصيت، مون جاي - إن، الذي مهد لحوار في المنطقة المنزوعة السلاح، وكيم، الذي يأمل تفادي مصير الكثير من الأوتوقراطيين المخلوعين، ويسعى لتكريس حكمه لعقود.

ويبدو أن الوضع أصبح الآن أكثر إلحاحاً بعد تجارب نووية وصاروخية عدة العام الماضي، والتي مهدت للكوريين الشماليين الاقتراب بالفعل (أو النجاح) من صناعة صاروخ باليستي نووي عابر للقارات يمكن أن يصل إلى البر الأميركي. وجعلت هذه الحقيقة الجديدة ترامب في مواجهة خيار مصيري لاتخاذ إجراء عسكري ضد الدولة المارقة التي يمكن أن تشعل حرباً تقتل الآلاف، أو حتى الملايين من الناس، في شبه الجزيرة الكورية، أو إطلاق محاولة دبلوماسية جريئة للتفاوض على نزع السلاح النووي.

التاريخ الطويل للدبلوماسية الفاشلة بين الإدارات الأميركية وكوريا الشمالية جعل العديد من المتشككين يتساءلون عما إذا كان أي شيء تغير. وأشار وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إلى هذا التاريخ المتقلب بين البلدين، قائلاً إن الولايات المتحدة «خُدعت من قبل». وأضاف: «لكن يجب على البلدين أن يجتمعا وأن تتوافر لديهما ثقة كافية في بعضهما بعضاً للتوصل إلى اتفاق».

وأوضح أن رؤساء عدة وقّعوا في السابق على أوراق «ليجدوا أن الكوريين الشماليين إما لم يفوا بما وعدونا به، أو أنهم نكثوا بوعودهم». وعلى المدى القصير، تقدم القمة إلى كيم إمكانية تخفيف العقوبات القاسية. وعلى المدى الطويل، فإنها تمكنه من جذب الاستثمارات الأميركية لتحقيق مزيد من الازدهار للدولة مع احتفاظه بحكمه القمعي، ربما على غرار الصين أو فيتنام.

ويواجه ترامب مسؤولية خطرة تتمثل في التعامل مع مهددات للأمن القومي، والتي يمكن أن تعرض حياة عشرات الملايين من الأميركيين للخطر، ويمكن أن تكون القمة لحظة توحيد نادرة للأميركيين في فترة رئاسة أحدثت أكبر انقسام بينهم في التاريخ. ويبدو أن فرصة الفوز بجائزة نوبل للسلام بدأت تداعب خيال ترامب بالفعل، وأن القضاء على التهديد النووي لكوريا الشمالية سيصنف بلا منازع ضمن أكبر انتصارات أميركا الدبلوماسية منذ الحرب العالمية الثانية. كما أن النجاح في سنغافورة واقترانه بالاقتصاد الأميركي المزدهر من شأنه أن يمنح ترامب فرصة قوية للفوز في الانتخابات النصفية الصعبة. وقد يبرر المؤيدون له أن التحقيق الذي يجريه المحقق الخاص روبرت مولر، بشأن تدخل روسيا في الانتخابات الأميركية، إنما هو أداة لتحويل انتباه الإدارة عن أمور في غاية الأهمية.

وليس ترامب وحده وإنما كيم أيضاً يمكنه أن يحصد المكافآت، وسيحقق اجتماعه مع الرئيس الأميركي أحد الأهداف الرئيسة لكوريا الشمالية، وهو تقاسم مسرح الأحداث مع أكبر قوة عظمى في العالم. هذا الاعتراف الأميركي بكوريا الشمالية والجلوس مع رئيسها هو في حد ذاته اعتراف واقعي بأن الولايات المتحدة تحترم بالفعل بيونغ يانغ، لأنها أصبحت الآن قوة نووية فعلية. وبغض النظر عن إطلاق سراح ثلاثة من السجناء الأميركيين لدى كوريا الشمالية، وادعائها تفكيك موقع للتجارب النووية، فإن كيم لم يقدم أي تنازلات ذات مغزى. لا أحد ممن يفهم كوريا الشمالية يعتقد أن كيم سيتخلى بسهولة عن أسلحته النووية. وقالت السفيرة الأميركية السابقة لدى كوريا الجنوبية، كاثلين ستيفنز: «إحساسي الخاص يقول لي إنه سيكون مستعداً فقط (لنزع سلاحه تماماً) في نهاية عملية طويلة جداً، وإن هدفه في الوقت الحالي هو الحفاظ على قوته النووية مع التخفيف في الواقع من الشعور بالقلق والتهديد لكي يبدأ في تطوير اقتصاده». وأضافت: «لا أعتقد أنه جاد بشأن رغبته في جعل كوريا الشمالية تبدو دولة طبيعية مثل جيرانها الذين يديرون اقتصاداً آسيوياً ناجحاً».

وسيعتمد الأمر على ما إذا كان كيم قد اتخذ خياراً استراتيجياً لاستخدام ترسانته النووية كوسيلة ضغط في مقابل ضمانات أمنية واستثمارات من الولايات المتحدة، أو ما إذا كانت كوريا الشمالية تلعب لعبة مألوفة تطالب من خلالها بتنازلات مقابل المخادعة في نزع سلاحها. ويشير العديد من المحللين إلى أن الأسلحة النووية تمثل شبكة الأمان النهائية لكيم، وأن أي صفقة مع الولايات المتحدة ستتطلب عمليات تفتيش دقيقة من قبل فرق التقييم الأجنبية على مدى سنوات، ما يجدها مستحيلة القبول.

وقال المسؤول الكبير السابق بوزارة الخارجية الأميركية، إيفانز ريفير، الذي يتمتع بخبرة طويلة في التفاوض مع كوريا الشمالية: «جميع تصريحات كيم جونغ أون لم تعكس تلميحاً واحداً عن ميله إلى نزع السلاح النووي».

لكن ريفير أكد أنه يوجد سبب ما للأمل. وأضاف أن «الكوريين الشماليين، لأسباب مختلفة، أقرب إلى الاستعداد لتجميد أو حتى التخلي عن برنامجهم النووي أكثر من أي وقت مضى، وهذا ليس أمراً سيئاً». وترى كوريا الشمالية أن نزع الأسلحة النووية يستلزم خروج القوات الأميركية من شبه الجزيرة الكورية، وسحب المظلة النووية التي توفرها لكوريا الجنوبية واليابان.