Emarat Alyoum

حاجز «أبوالريش».. مصيدة إسرائيل لاعتقال أطفال الخليل

التاريخ:: 02 ديسمبر 2017
المصدر: زهير دوله – الخليل
حاجز «أبوالريش».. مصيدة إسرائيل لاعتقال أطفال الخليل

لم يكمل الطفل محمد عمار دعنا يوم الخميس 23 نوفمبر 2017 طريقه الذي اعتاد عليه يومياً، فهو لم يذهب إلى مدرسته، ولم يجلس على كرسي الدراسة، بل أصبح متهماً أمام الجنود الإسرائيليين بعد أن اعتقلته قوة عسكرية متمركزة على حاجز «أبوالريش» العسكري في مدينة الخليل المحتلة، واقتادته إلى مراكز التحقيق دون أي ذنب اقترفه.

تعذيب

تستخدم القوات الإسرائيلية أبشع الوسائل خلال وبعد اعتقال الأطفال الفلسطينيين، فمنذ اللحظات الأولى لاعتقالهم يبدأ الجنود بتقييد أيدي الأطفال وتعصيب أعينهم، والاعتداء عليهم بأعقاب البنادق والركل والضرب في مسعى لخلق أجواء من الرهبة والخوف قبل بدء عملية التحقيق التي هي في حد ذاتها تجربة صعبة وقاسية بحق أطفال صغار، هذا ما يؤكده الباحث في قضايا حقوق الإنسان بالخليل، محمد عطا الله.

ويقول عطا الله: «إن 90% من هؤلاء الأطفال حسب إفادتهم تعرضوا للتنكيل وللضرب وللتعذيب للإذلال منذ لحظة اعتقالهم، حيث يتم اقتيادهم إلى مراكز تحقيق داخل المستوطنات الإسرائيلية لمدة 24 ساعة أو 96 ساعة، وهي مراكز غير رسمية للتحقيق، وهناك يمارس عليهم التعذيب والضرب والتهديد وانتزاع اعترافات منهم بالقوة».

ويضيف،«يحرم الأطفال من النوم لساعات طويلة، أو يتركون ينامون وهم واقفون وعيونهم معصوبة، لإحداث خلل في أنسجة العين وفي مدار الرؤية والتشويش على التركيز».

90 %

من الأطفال ــ حسب إفادتهم ــ تعرضوا للتنكيل والضرب والتعذيب والإذلال منذ لحظة اعتقالهم.

وببراءة تكشف وحشية أفراد القوة الإسرائيلية المعتقلة له ورتبهم العسكرية، سار الطفل دعنا وهو محاط بأربعة جنود مدججين بالسلاح إلى مصير مجهول، ولا يدري سبب اعتقاله بهذه الطريقة المخالفة للقوانين الدولية.

الطفل محمد عمار دعنا (9 أعوام)، هو طالب في الصف الخامس الابتدائي يدرس في مدرسة بالقرب من الحرم الإبراهيمي، ويجبر يومياً على التنقل عبر سبعة حواجز عسكرية تفصل أحياء البلدة القديمة في الخليل عن بعضها بعضاً، وتتحكم في حركة الأهالي.

ملاحقة واتهام

يروي الصحافي رائد أبورميلة لـ«الإمارات اليوم» تفاصيل عملية اعتقال الطفل دعنا، حيث كان متواجداً بالقرب من حاجز أبوالريش العسكري، موثقاً بعدسة كاميرته تلك اللحظات الأليمة في حياة الطفل وعائلته.

ويقول أبورميلة: «كنت متواجداً في المنطقة الجنوبية من مفترق المدارس في البلدة القديمة، وكان مجموعة من الجنود المتواجدين كعادتهم في كل صباح، والذين ينتشرون في أزقة حي المدارس، إذ يلاحقون الأطفال ويلقون عليهم الرصاص المطاطي وقنابل الغاز، وفوجئنا بالجنود يلاحقون الطفل محمد دعنا، من سكان منطقة جبل جوهر، لحظة تواجده مع مجموعة من الأطفال طلبة المدارس عند خروجه من منزله».

ويضيف: «كان الطفل دعنا ذاهباً إلى مدرسته وينتظر أمام بوابة الحاجز حتى يسمح له بالمرور، وفجأة حضر أربعة جنود ملثمين ومدججين بالسلاح، واعتقلوه بطريقة وحشية، واقتادوه عبر بوابة الحاجز إلى داخل غرفة الجيش ومن ثم اقتادوه في جيب عسكري إلى مركز التحقيق».

بعد اقتياد الطفل دعنا إلى مركز التوقيف تعرض للتحقيق كأنه شاب بالغ، أو متهم في قضية جنائية، ليفرج عنه في اليوم التالي بعد أن قضى يوماً كاملاً مليئاً بالإهانة والذل داخل مراكز التحقيق الإسرائيلية.

والتقت «الإمارات اليوم» الطفل محمد بعد الإفراج عنه، حيث يقول: «كنت متوجهاً من منزلي صباحاً إلى المدرسة مع زملائي، وفجأة طاردتنا قوة من الجيش الإسرائيلي وألقت علينا قنابل الغاز، فهربت بعيداً عن حاجز أبوالريش الذي يتواجد فيه الجنود، لكنهم لحقوا بي وأمسكوني، فاقتادوني إلى غرفة داخل الحاجز، وبعد ذلك نقلوني إلى مقر الارتباط الإسرائيلي داخل غرفة التحقيق».

ويضيف: «بعد ساعة استدعوا والدي وحضر إلى مركز التحقيق، واتهموني برشق الحجارة على الجنود وتقاضي مبالغ مالية من جهات مجهولة، وتحريضي من قبل المدرسين لإلقاء الحجارة على الجنود، وهذا كذب ولا أساس له من الصحة، فأنا كنت متوجهاً إلى المدرسة أمام الجميع، والجنود هم الذين طاردونا وألقوا القنابل علينا».

ويشير الطفل دعنا إلى أنه قضى يوماً كاملاً داخل غرفة التحقيق، حيث تعرض خلالها لضغط نفسي للاعتراف بإلقاء الحجارة، مضيفاً: «لكنني لم أقم بذلك، ولم أعترف بشيء لم يحدث، وفي اليوم التالي أفرجوا عني».

من جهته يقول والد الطفل محمد دعنا لـ«الإمارات اليوم»: «إن ابني طفل لا يوجد في ذهنه سوى الدراسة واللعب، لا يعرف إلقاء الحجارة، والجنود يكذبون لأنهم يريدون إلقاء الرعب والضغط النفسي في نفوسنا ونفوس أطفالنا، ويجبروننا على الرحيل بأي شكل، ونحن تعودنا على هذه الملاحقات والاعتقالات، فالجنود يعتقلون الأطفال بشكل يومي على حاجز أبوالريش».

اعتقالات متكررة

اعتقال الطفل دعنا على حاجز أبوالريش لم يكن الأول من نوعه، إذ تكرر القوات الإسرائيلية العملية ذاتها ضد الأطفال في الخليل على الحاجز نفسه، حيث يتعرض الأهالي للتفتيش المذل، والتنكيل بالشبان، ومنعهم من الوصول إلى المنطقة الجنوبية والمسجد الإبراهيمي في الخليل.

واعتقل الاحتلال في يوم 13 نوفمبر الماضي خمسة أطفال في أوقات متفرقة خلال عودتهم إلى منازلهم بعد انتهاء الدوام الدراسي ومرورهم عبر الحاجز، منهم علي غالب الرجبي (14 عاماً)، وسامر حسين نهنوش، وعثمان إبراهيم مراد، وعبدالرحيم عبدالعزيز.

«حواجز عسكرية إسرائيلية عدة نعبرها يومياً، نتعرض للتفتيش المذل، يرغموننا على خلع ملابسنا في كثير من الأحيان، حقائبنا لا تسلم من سطوتهم والتدقيق في محتوياتها».. هكذا وصف الطفل محمد رجائي السلايمة (12 عاماً) الذي يدرس في مدرسة المتنبي في الخليل ممارسات قوات الاحتلال ضد الأطفال، خلال تنقلهم عبر الحواجز العسكرية.

ويقول الطفل سلايمة: «أنا تعرضت للاعتقال والاحتجاز من قبل جنود الاحتلال مرات عدة عبر حاجز أبوالريش، والحواجز العسكرية الأخرى في الخليل، وفي مرات كثيرة ينجح نشطاء أجانب يعملون ضد الاستيطان في إخلاء سبيلي من بين أيديهم، وفي أوقات أخرى ينقلني الجنود إلى مراكز الاعتقال للتحقيق معي واتهامي بإلقاء الحجارة على المستوطنين والمستوطنات، ودوريات الجيش، وأتعرض للضرب والإهانة، ويطلق سراحي في اليوم التالي، وتتكرر هذه الصورة كل شهر تقريباً».

الأطفال الأسرى

وفقاً لمعطيات صدرت عن جمعية نادي الأسير الفلسطيني الحقوقية، ومركز أسرى فلسطين للدراسات، فإن إسرائيل تعتقل في سجونها 340 طفلاً فلسطينياً، بينهم 10 فتيات ونحو 100 قيد الاعتقال المنزلي، و8 في مراكز إسرائيلية خاصة بـ«الأحداث».

فيما اعتقلت القوات الإسرائيلية منذ بداية العام الجاري 1150 طفلاً من الضفة الغربية والقدس المحتلتين.

ويقول المتحدث الإعلامي باسم مركز أسرى فلسطين للدراسات رياض الأشقر: «إن إسرائيل صعّدت بشكل كبير من استهداف الأطفال بالاعتقال خلال الآونة الأخيرة، فيما تعرض جميع من اعتقل منهم للاعتداء بالضرب المبرح أثناء التحقيق والاحتجاز، وإقحامهم في ظروف قاسية داخل مراكز التوقيف والتحقيق، وقد مارست القوات بحقهم كل أشكال الانتهاك والتعذيب والضغط النفسي والجسدي».

ويشير إلى أن ارتفاع أعداد الأطفال الأسرى داخل السجون الإسرائيلية إلى 340 طفلاً دفع إسرائيل إلى افتتاح أقسام جديدة لهم في سجني مجدو وعوفر، بينما يتواجد عدد منهم في مراكز التحقيق والتوقيف في ظروف قاسية للغاية.

وبرزت في الشهور الأخيرة ــ بحسب الأشقر ــ ظاهرة فرض الاعتقال الإداري ضد الأطفال القاصرين، إذ لا يزال ثلاثة منهم رهن الاعتقال الإداري دون تهمة تذكر، كما اعتقلت القوات الإسرائيلية أطفالاً قاصرين لا تتجاوز أعمارهم سن العاشرة.