Emarat Alyoum

فرص ومخاطر التورط الإسرائيلي في أزمة لبنان

التاريخ:: 29 نوفمبر 2017
المصدر: مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة - أبوظبي
فرص ومخاطر التورط الإسرائيلي في أزمة لبنان

تفاوتت التقديرات الإسرائيلية لتداعيات استقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، وتوجيهه اتهامات صريحة لإيران و«حزب الله» بمحاولة اغتياله. حيث أكدت بعض التقديرات وجود فرص يمكن استغلالها تمثلت في الضغط على إيران، وتحجيم الدور السياسي لـ«حزب الله»، وفي المقابل حذرت تقديرات أخرى من تصاعد الدور الإيراني في الشرق الأوسط، واحتمالات تفجر مواجهة عسكرية بين إسرائيل و«حزب الله»، والضغط على إسرائيل لتقديم تنازلات لإحياء عملية السلام.

حسابات الفرص

- لم تُرجِّح التحليلات الإسرائيلية سيناريو بعينه لتطور الأزمة الحالية في لبنان، لكنها تؤكد ضرورة التروي، وعدم التورط في أي مواقف رسمية في الوقت الحالي، وأن ينصبّ تركيز القيادة الإسرائيلية على متابعة التحركات الإيرانية في سورية، وتحركات «حزب الله» في لبنان.

- حذّر وزير الدفاع الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، من أن الجيش الإسرائيلي سيتعامل مع الأوضاع في سورية ولبنان وفق تقديراته الأمنية الخاصة، ولن يسمح للوجود الروسي والإيراني في سورية بمنعه من مواجهة ما يعتبره تهديداً للأمن الإسرائيلي.

أثارت استقالة الحريري ردود أفعال عدة في الداخل الإسرائيلي؛ حيث علق رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، على الاستقالة في بيان مقتضب أصدره خلال زيارته إلى العاصمة البريطانية لندن، اعتبر فيه أن «استقالة الحريري جرس إنذار للمجتمع الدولي كله، للتحرك بخطوات عملية ضد السياسة العدوانية الإيرانية، التي تحاول تحويل سورية إلى لبنان ثانٍ، وأن هذه السياسة لا تشكل خطراً على إسرائيل وحدها، وإنما على الشرق الأوسط بأكمله».

وفي هذا الإطار، رأى بعض المحللين الإسرائيليين أن الأزمة اللبنانية تتضمن فرصاً لإسرائيل للتخلص من تهديدات «حزب الله» وإيران، وهو ما يمكن توضيحه في ما يلي:

1- الضغط على إيران:

يمكن أن تؤدي الأزمة الحالية إلى تصعيد الضغوط الدولية على إيران، لإجبارها على الدخول في مفاوضات تستهدف وضع قيود على تجاربها الصاروخية، حيث تحاول إسرائيل استثمار التصعيد ضد إيران و«حزب الله» في الوقت الراهن، لمعالجة ما وصفته بالأخطاء التي وقعت فيها الدول الكبرى حينما عقدت اتفاقاً مع إيران قبل عامين، يقضي بوضع قيود على البرنامج النووي الإيراني، وترى إسرائيل أن هذا الاتفاق لم يتضمن وضع قيود مماثلة على التجارب الصاروخية الإيرانية، رغم أنها تدخل في إطار العناصر اللوجستية المتضمنة في البرنامج النووي الإيراني.

واستغلت إسرائيل قيام الحوثيين المدعومين من إيران بإطلاق صاروخ على المملكة العربية السعودية، بالتزامن مع استقالة الحريري، لتؤكد ضرورة وضع قيود على التجارب الصاروخية الإيرانية، باعتبارها تهديداً ليس لإسرائيل وحدها بل للعالم كله، كما أن سعي إيران لوضع قواعد عسكرية في سورية وإقامة بنية لصناعات عسكرية متطورة على الأراضي اللبنانية، يبرهن على سعيها لاستغلال التوازنات الأمنية الهشة في الشرق الأوسط. وفي هذا الإطار، تفضل إسرائيل اللجوء إلى التعاون الدولي للتغلب على التهديد الإيراني، بدلاً من التعامل معه بمفردها، ما قد يؤدي إلى حرب إقليمية واسعة النطاق.

2- إقصاء «حزب الله»

تتوقع إسرائيل أن الأزمة ستُمكِّنها من عزل «حزب الله» داخلياً في لبنان، فالاتهامات الموجهة إلى «حزب الله» بمحاولة اغتيال الحريري سوف تؤدي إلى اتجاه الطائفة السنية لرفض مشاركة «حزب الله» في الحكومات المقبلة، سواء برئاسة الحريري أو أي شخص آخر من أبناء الطائفة.

تقديرات المخاطر:

من جانب آخر، تتخوف بعض التحليلات من أن تؤدي هذه الأزمة إلى تأثير عكسي، وتقوم بزيادة نفوذ حزب الله وإيران، كما أنه من الممكن أن تؤدي إلى توجيه ضربات عسكرية إلى إسرائيل، وقد تضطر إسرائيل لمحاولة إيجاد حلفاء إقليميين لها، ما قد يضطرها للجلوس إلى طاولة المفاوضات مجدداً، وهو ما يمكن توضيحه في ما يلي:

1- دعم الدور الإيراني:

قد تُتيح الضغوط الاقتصادية والسياسية على لبنان، من أجل تحجيم حزب الله، الفرصة لزيادة الدور الإيراني تحت زعم أنها تقوم بتعويض لبنان اقتصادياً، الأمر الذي من شأنه تعزيز مكانة حزب الله في المعادلة اللبنانية، بدلاً من إقصائه أو تحجيمه، ما يُشكِّل خطراً كبيراً على إسرائيل، وقد يدفعها للدخول في حرب استباقية مع حزب الله لمواجهة هذا الخطر.

2- تفجُّر مواجهة عسكرية:

يمكن أن يستغل حزب الله هذه الأزمة، ويقوم بمحاولة تشتيت الانتباه عن الاتهامات الموجهة له من خلال توجيه ضربة عسكرية لإسرائيل، خصوصاً أن حزب الله يسعى لاستعادة ما فقده من رصيد شعبي عربي وإسلامي، بسبب تحوُّله من حركة مقاومة ضد إسرائيل - كما يزعم - إلى ذراع عسكرية لإيران ضمن المواجهة الطائفية المحتدمة بين السنة والشيعة في العالم الإسلامي، وهو ما أكده تقدير موقف كتبه المحللان الإسرائيليان: إلداد شافيت (Eldad Shavit)، ويوئيل جوزانسكي (Yoel Guzansky)، في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، حيث رأى الكاتبان أن محاولة إخراج حزب الله من معادلة الحكم في لبنان، عبر الاتهامات المباشرة له، بتحقيق هدف إيران بزعزعة استقرار المنطقة، ربما تأتي بنتيجة عكسية.

3- تصاعد الضغوط الخارجية

إن محاولة إسرائيل القيام بالتعاون مع بعض دول الإقليم لمواجهة التهديدات الإيرانية، ستؤدي إلى فتح الحديث مجدداً عن ضرورة تعامل إسرائيل بإيجابية مع المبادرة العربية للسلام، والتي تقضي بانسحاب إسرائيل بشكل كامل إلى حدود 1967، مقابل السلام والتطبيع الشامل مع العرب.

ولما كانت حكومة نتنياهو غير راغبة في إنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية للحفاظ على أمنها، وقوة نفوذ الجماعات الاستيطانية داخلها؛ فإن الثمن الذي ستتم مطالبة إسرائيل به لقاء أي تفاهم معها حول سبل مواجهة الخطر الإيراني، لن يكون أقل من تفعيل المبادرة العربية أولاً، وهو ما يمكن أن يهدد استقرار الحكومة الإسرائيلية الحالية، بل يمكن أيضاً أن يزيد الضغوط الأميركية على إسرائيل للاستجابة للمبادرة العربية، تحت مسمى أنها الخطوة الضرورية لتوحيد الجهود ضد إيران.

4- تزايد التعقيدات الإقليمية:

يمكن لتطورات غير مباشرة في المنطقة أن تتضافر مع الأزمة الحالية، وأن تجد إسرائيل نفسها في مأزق سياسي وعسكري، فهناك أولاً تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في نوفمبر الجاري، بأن بلاده لم تتعهد بضمان انسحاب القوات الموالية لإيران من سورية، معتبراً أن وجود إيران في سورية «شرعي»، وقد وصف محلل الشؤون الأمنية في صحيفة «معاريف»، يوسي ميلمان، إعلان وزير الخارجية الروسي بالقنبلة التي سقطت على القيادة السياسية والعسكرية لإسرائيل.

5- تهديدات العمليات الانتقامية:

قد تحاول حركة «الجهاد» الفلسطينية استغلال التوتر في المنطقة، لتوجيه ضربة انتقامية إلى إسرائيل، رداً على حادث النفق الذي فجرته القوات الإسرائيلية نهاية أكتوبر الماضي، ما أدى إلى مقتل 12 شخصاً من الحركة، وفي حالة حدوث هذا الأمر، فمن المتوقع أن تقوم إسرائيل بالرد بعنف داخل قطاع غزة، وقد تتطور الأوضاع إلى حرب واسعة مع «حماس»، وحتى مع السلطة الفلسطينية نفسها، الأمر الذي سيجلب على إسرائيل إدانة دولية واسعة، تُمكِّن إيران وحزب الله من تخفيف الضغوط الواقعة عليهما في الوقت الراهن بسبب الأزمة الحالية، وهو ما يقضي على الفرصة التي لاحت لمواجهة التهديدات الصاروخية الإيرانية لإسرائيل.

ثمن دون مقابل:

لم تُرجِّح التحليلات الإسرائيلية سيناريو بعينه لتطور الأزمة الحالية في لبنان، لكنها تؤكد ضرورة ،التروي وعدم التورط في أي مواقف رسمية في الوقت الحالي، وأن ينصب تركيز القيادة الإسرائيلية على متابعة التحركات الإيرانية في سورية، وتحركات حزب الله في لبنان، للتأكد من عدم إقامة أي قواعد عسكرية إيرانية داخل الأراضي السورية، أو إقامة بنية لصناعات عسكرية لحزب الله داخل لبنان.

وفِي هذا الصدد، حذّر وزير الدفاع الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، من أن الجيش الإسرائيلي سيتعامل مع الأوضاع في سورية ولبنان وفق تقديراته الأمنية الخاصة، ولن يسمح للوجود الروسي والإيراني في سورية بمنعه من مواجهة ما يعتبره تهديداً للأمن الإسرائيلي.