Emarat Alyoum

سياسة إدارة ترامب سلبية تجاه استراتيجية التوسع الإيرانية

التاريخ:: 22 نوفمبر 2017
المصدر: ترجمة: مكي معمري عن «ذي أتلانتك»
سياسة إدارة ترامب سلبية تجاه استراتيجية التوسع الإيرانية

تَلخص ردّ فعل إسرائيل على خطاب الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، حول إيران، الشهر الماضي، في تعليق مسؤول كبير سابق في تل أبيب، قائلاً «يبدو لطيفاً جداً، وأنا أحب ذلك كثيراً، لكن ما الخطوة التالية؟»، ما سمعناه الشهر الماضي في إسرائيل بشأن إيران كان أقل تركيزاً على مصير الاتفاق النووي، وأكثر قلقاً بشأن الثغرات الصارخة في استراتيجية الولايات المتحدة لردع أعمال زعزعة الاستقرار التي تقوم بها طهران، ودعم الجماعات الإرهابية في الشرق الأوسط.

سيكون من الخطأ بالنسبة لأميركا أن تبقى سلبية، وتسمح لشركائها بتشكيل جدول أعمال إقليمي.


أقوال قوية.. وأفعال ضعيفة

في بلد مثل إسرائيل، التي تتقاسم العديد من المصالح والقيم مع الولايات المتحدة، فإن بعض أصدقاء أميركا المقربين يشعرون بالقلق إزاء مدى استقرار وثبات إدارة ترامب في تنفيذ سياستها. إن النبرة الجديدة من الدفء والدعم لإسرائيل، التي توقع ترامب أن تكون موضع ترحيب واسع النطاق هناك، إضافة إلى انتقاداته المتزايدة للخصوم مثل إيران، لا تسعفها الأفعال. وبعد مرور شهر تقريباً على خطاب ترامب حول إيران، لايزال العديد من كبار المسؤولين الأمنيين في إسرائيل يتساءلون: هل تهتم الولايات المتحدة بالمنطقة؟ وهل لديها خطة؟

وإذا كانت إدارة ترامب تعالج هذه الثغرات في استراتيجيتها الإقليمية، فإن ذلك سيكون له انعكاسات على أمن أميركا وحلفائها لسنوات مقبلة، وما سمعناه في إسرائيل هو قلق متزايد من أن ترامب يفتقر إلى أي خطة قابلة للتنفيذ، على الإطلاق، في ما يخص إيران.

تاريخياً، اتسمت سياسة إيران الخارجية والإقليمية بالانتهازية، وعلى مدى عقود، منذ ثورة 1979، عمل النظام الإيراني على تحويل المتغيرات السياسية في البلدان الرئيسة في أنحاء المنطقة لمصلحته. وعلى مدى السنوات الـ15 الماضية، سعت طهران إلى الاستفادة بسرعة من التحولات الإقليمية وتوجيهها لمصلحتها. وقد ألغت الحروب في أفغانستان والعراق اثنين من أكبر خصوم إيران؛ نظامَي «طالبان» وصدام حسين. وشعرت إيران بانعدام الأمان، وتطويقها من قبل الجيش الأميركي في أعقاب هاتين الحربين مباشرة، وقامت بتكييف وبناء شبكات جديدة من الوكلاء والحلفاء السياسيين مع تغير موازين القوة في منطقتها المباشرة.

والواقع أن السنوات الـ10 الماضية شهدت توسعاً تاريخياً للنفوذ الإيراني في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وفي البلدان العربية كان النهج الإقليمي الإيراني أقرب إلى الـ«جوجيتسو» (فن الدفاع عن النفس الذي يقوم على تحييد الخصم باستخدام قوة وطاقة الخصم ضده). وقد مكنت هذه الاستراتيجية طهران من بناء العلاقات السياسية وتعزيزها مع مرور الوقت، وتعميق نفوذها في لبنان والعراق وسورية. وبحلول بداية هذا العام، حققت إيران مكاسب في الشرق الأوسط، تفوق ما حققه أي بلد آخر في المنطقة منذ عام 2011، عندما هزت الانتفاضات الشعبية العديد من البلدان العربية. ويرجع ذلك إلى حد كبير للكسور والانقسامات العميقة داخل البلدان العربية. وكما قال لنا أحد الأكاديميين البارزين في إسرائيل: «لم يكن الأمر يتعلق كثيراً بالقوة الكامنة لإيران، بل كان يتعلق بنقاط الضعف الكثيرة في الدول العربية».

ازدراء واضح

وتزدهر السياسة الخارجية الإيرانية في ظل الحكم الضعيف وضعف المؤسسات، إضافة إلى الاستقطاب السياسي. لكن إيران تظل في نواحٍ كثيرة، أكثر عرضة للمخاطر وأكثر ضعفاً إقليمياً بسبب الكيفية التي تزيد بها نفوذها. ورغم أنها استفادت من الانقسام الحاد والفساد المستشري بين جيرانها، إلا أنها لم تعالج هذه المشكلات عندها، لذلك فإن ثمة مجالاً مهماً، بالنسبة للولايات المتحدة وشركائها، أمام السكان المحليين في بلدين مثل العراق ولبنان، لمواجهتها بذكاء والتنافس مع نفوذها. لكن ذلك يتطلب دبلوماسية ماهرة، وبناء تحالفات واستثمارات طويلة الأجل في علاقات تبدو بعيدة عن متناول إدارة ترامب، وازدرائها الواضح للتخطيط الاستراتيجي المتماسك، والاستثمارات في الأدوات الرئيسة للسلطة الأميركية مثل الدبلوماسية. وما زاد الأمور سوءاً أن ترامب وسياسته الخارجية غير المتماسكة، قد همّشا شركاء أميركا ومزقا صدقية الولايات المتحدة زعيماً عالمياً جديراً بالثقة.

وببساطة، فإن سياسة إدارة ترامب غير الواضحة والمفككة تجاه الشرق الأوسط، خيبت آمال الحلفاء الرئيسين مثل إسرائيل، بينما أعطت التحالف الناشئ بين روسيا وإيران وسورية و«حزب الله» الضوء الأخضر. وقد شعر العديد من الإسرائيليين بالإحباط في وقت سابق من هذا الأسبوع عندما ذكر وزير الخارجية الروسي، سيرغى لافروف، أن وجود إيران في سورية كان مشروعاً، وأن الروس لن يجبروا الميليشيات الشيعية الموالية لإيران على الانسحاب من المواقع القريبة من الحدود السورية مع إسرائيل.

كما أن سياسة البيت الأبيض السلبية وغير المتماسكة في الشرق الأوسط، عززت أيضاً الخطر الأخلاقي عند بعض أقرب شركائنا في المنطقة. وفي غياب نهج أكثر تماسكاً من جانب الولايات المتحدة، ستواصل القوى الرئيسة في الشرق الأوسط اختبار حدود قوتها.

ويعتبر استفتاء كردستان العراق، في خريف هذا العام، مثالاً على ذلك. ويمكن لتحالفات جديدة أن تظهر وتتعمق بين دول لديها مصلحة مشتركة في التصدي للتهديدات التي يرون أنها تأتي من إيران.

نفوذ محتمل

لكن سيكون من الخطأ بالنسبة لأميركا أن تبقى سلبية، وتسمح لشركائها بتشكيل جدول أعمال إقليمي. وتحتاج واشنطن إلى القيام بدور أكثر نشاطاً واستخدام نفوذها الكبير لتشكيل إجراءات الشركاء الأميركيين والخصوم.

ولا تعني قوة الإسقاط، الذهاب إلى الحرب ضد إيران، لكن هذا يعني الظهور في الأماكن التي تكون فيها السلطة والنفوذ أكثر أهمية. ففي نظر الكثيرين في إسرائيل، فإن سوء إدارة ترامب لاستفتاء كردستان العراق، تعد مثالاً رئيساً على الطريقة التي شتت بها الولايات المتحدة نفوذها المتوقع مع الشركاء، وفشلت في الوقوف في وجه الخصوم.

الاختبار العاجل الذي لايزال أمام الولايات المتحدة اليوم، هو الصراع السوري المستمر. ومنذ قدومها للبيت الأبيض، تبنت إدارة ترامب نهجاً أكثر سلبية من سابقتها. وعلى الرغم من أن أميركا لاتزال تشارك في دعم الأكراد السوريين في الحملة المناهضة لتنظيم «داعش»، إلا أن هذا التركيز على مكافحة الإرهاب، سمح لإيران وروسيا بوضع شروط سلام مستقبلي في سورية من خلال مبادرات مثل وقف إطلاق النار في ما يسمى «مناطق خفض التوتر». الحلفاء، مثل إسرائيل والأردن، غير راضين عن التوجهات في سورية، لكنهما يتجنبان الانتقادات العلنية والقوية لإدارة ترامب، خوفاً من تنفير رئيس أميركي غير منتظم ومتقلب.

خلال العام الماضي، كان السؤال المهم بالنسبة للولايات المتحدة وشركائها في الشرق الأوسط، ليس متعلقاً ببرنامج إيران النووي، الذي لايزال تحت المراقبة بفضل الاتفاقية النووية حتى الآن، لكن ما إذا كانت واشنطن وحلفاؤها قادرين على تحويل نشاط وزخم طهران ضدها، أم لا.

معظم التحركات المحتملة لمواجهة إيران ستكون دبلوماسية وسياسية واقتصادية، مثل تحرك وزير الخارجية، ريكس تيلرسون، الأخير، لتشجيع التقارب الناشئ بين العراق والسعودية. وقد تكون بعض التحركات العسكرية ضرورية، على سبيل المثال، إرسال إشارة عزم على دعم الشركاء الأميركيين من خلال تمارين عسكرية تهدف إلى ضمان حرية الملاحة في مياه المنطقة، ومن خلال نقاط الانسداد الاستراتيجية. لكن العبء يقع على عاتق إدارة ترامب لصياغة استراتيجية إقليمية متماسكة تُطمئن حلفاء الولايات المتحدة وترسل رسالة قوة واضحة إلى خصومها. وهنا يكمن التحدي الأكبر للولايات المتحدة، والأشهر الـ10 الماضية من عمر إدارة ترامب لم تكن ناجحة، إذ إنها تعيش أزمة صدقية لاحظها أقرب أصدقاء أميركا في الفجوة بين لغة الخطاب والإجراءات على أرض الواقع.

وفي الوقت الذي يركز الكونغرس على مسألة مهمة تتعلق بمصير الاتفاق النووي، تشعر المنطقة بالقلق إزاء النهج العام لإدارة ترامب في الشرق الأوسط. ويذكر أن الكونغرس لديه مهلة حتى 12 ديسمبر، لكي يتخذ قراراً حول ما إذا كان سيعرض مشروع قانون لإعادة النظر بسرعة في فرض عقوبات على إيران، بعد قرار ترامب سحب الثقة من الاتفاق النووي، لكن المناقشة الحالية في المنطقة تتعلق بما تقوم به طهران في دول إقليمية عدة وليس في الداخل الإيراني.

براين كاتوليس ويورام شويتزر : خبيران في مركز «أميركان بروجرس» متخصصان في القضايا الأمنية.