Emarat Alyoum

مخلّفات الاحتلال و«شارع 90».. موت مؤجل يتربص بأهالي الأغوار الشمالية

التاريخ:: 05 نوفمبر 2017
المصدر: زهير دوله - الأغوار الشمالية
مخلّفات الاحتلال و«شارع 90».. موت مؤجل يتربص بأهالي الأغوار الشمالية

جرائم إسرائيل في ازدياد ملحوظ ضمن مسلسل انتهاكاتها واستهدافها التجمعات البدوية في منطقة الأغوار الفلسطينية، بهدف تهجير الأهالي والسيطرة الكاملة على أراضي المنطقة لتوسعة معسكرات جيشها.

جرائم ممنهجة ومتواصلة

لم تكتفِ إسرائيل بجرائم بناء المستوطنات على أراضي أهالي منطقة الأغوار الشمالية، ودفْع الفلسطينيين إلى ترك أملاكهم وخيامهم، فبين الفينة والأخرى تداهم الآليات والجرافات العسكرية، معززة بمئات الجنود، خِرَب وقرى الأغوار، إذ تنفذ بلا شفقة عمليات هدم واسعة ضد منازل الأهالي وخيامهم ومزارعهم، من دون أن تسمح لهم بأخذ ما يمكن إنقاذه من أثاث أو طعام للأطفال.

وتواصل إسرائيل جرائمها بوتيرة متصاعدة، إذ يظهر بوضوح توسع سلطات الاحتلال في محاولة الاستيلاء على الأرضي في الأغوار بصورة ممنهجة عبر وسائل تبدأ بمضايقة الأهالي لترك أراضيهم ولا تنتهي إلا بقتلهم.

فبالإضافة إلى إقامة المستوطنات وإجبار المواطنين على ترك منازلهم وخيامهم والتنقل إلى أماكن أخرى بسبب تدريبات الجنود داخل المعسكرات، تلحق إسرائيل بأفراد وأطفال عائلات الأغوار الموت، جراء إلقاء الجنود بين المنازل ووسط الأراضي مخلفاتهم والأجسام الخطرة والمشبوهة الناجمة عن التدريبات العسكرية التي تستخدم فيها أسلحة خفيفة وثقيلة وآليات عسكرية، وأحياناً طائرات حربية، بالإضافة إلى تعرضهم للدهس من قبل سيارات المستوطنين في الشارع الاستيطاني المعروف برقم 90، الذي يشغل مساحات واسعة من أراضي الأغوار الشمالية، إذ شهد العام الجاري استشهاد طفل وطفلة جراء ذلك.

«الإمارات اليوم» تجولت بين خِرَب الأغوار الشمالية، راصدة المآسي التي تنهك العائلات فيها بفعل جرائم إسرائيل المتصاعدة، إذ يظهر بشكل ملحوظ إمعان إسرائيل في السيطرة على جميع أراضي الأغوار، حيث تقسمها إلى نصفين، قسم تقيم فيه المستوطنات، والنصف الآخر يلتف حوله الجدار العازل، وفي المنتصف شارع 90 الاستيطاني، ومعسكرات الجيش الإسرائيلي.

ترويع الأهالي

في شهر يوليو من العام الجاري، كانت عائلة النواجعة على موعد مع فجيعة سترافقها طوال العمر، فعندما كان الطفل عدي (15 عاماً) يرعى الأغنام بالقرب من منزله في قرية بزيق، عثر على جسم مشبوه داخل أرضهم الزراعية، وفيما كان يحاول إخفاءه داخل جذع شجرة كي لا يصاب أحد بأذى انفجر فيه ذلك الجسم وحوله إلى أشلاء، ليسطر بدمائه حكاية موت بشعة تهدد الأهالي وأطفالهم على مدار الساعة.

ويقول والد الطفل الشهيد، عبدالعزيز النواجعة، لـ«الإمارات اليوم» بصوت مختنق: «إن آخر مشهد رأيت فيه ابني قبل استشهاده كان في الصباح، فقد كانت ابتسامته تعلو وجهه، وبعد أن تناول الإفطار توجه إلى أرضنا لرعي الغنم، وهذه هي اللحظة الأخيرة في حياته، التي مازالت أهون بها على نفسي بفعل مرارة فراقه».

ويضيف: «عندما انفجر الجسم المشبوه في طفلي شاهدنا مشهد الانفجار وأشلاء (عدي) وهي تتناثر، فأسرعت وعائلتي لمحاولة إنقاذه، لكننا لم نجد منها شيئاً، فبالكاد تمكنت من التعرف على ملامحه، إذ هشمت وجهه أكثر من 150 شظية اخترقت جسده وفقاً للتقارير الطبية».

ويوضح النواجعة أن مخلفات الجيش وتدريباته العسكرية تهدفان إلى تهجير أهالي الأغوار من أراضيهم، لافتاً إلى أن إسرائيل تمنع وتعرقل عمل المؤسسات الفلسطينية وحتى الدولية التي تسعى لإزالة تلك المخلفات.

ويؤكد المختص في ملف وشؤون الاستيطان في نابلس والأغوار الشمالية، خالد منصور، ما قاله والد الطفل الشهيد عدي النواجعة، مُقراً بعجز الجهات الرسمية الفلسطينية عن دخول تلك المناطق وإزالة مخلفات الجيش بسبب سيطرة إسرائيل الكاملة عليها ومنعها ذلك.

ويقول منصور إن السلطة الفلسطينية لا تملك القدرة على التفتيش وإزالة تلك المخلفات، لكنها استطاعت اللجوء إلى مؤسسات دولية، مثل «ذا هالو ترست»، لهذا الغرض، لكن المعضلة تكمن في العراقيل التي تفرضها إسرائيل على دخول تلك المناطق، إضافة إلى كثرة المخلفات المتناثرة في كل مكان وبين منازل المواطنين.

ويؤكد أن الاحتلال يترك عمداً تلك المخلفات أو حتى الأطعمة السامة عقب تدريباته العسكرية المتواصلة، بأشكال تجذب الأطفال، كالألعاب، لاستدراجهم إلى العبث بها، لافتاً إلى أن إسرائيل ترغب في سقوط أكبر عدد ممكن من الضحايا لترويع الأهالي وإجبارهم على ترك أراضيهم.

ويشير المختص في شؤون الاستيطان إلى أن إسرائيل تستولي على الجزء الأكبر من الأغوار الشمالية التي تمثل ثلثي مساحة فلسطين، من خلال السيطرة على أكثر من ثلثي أراضيها بإقامة سبعة معسكرات للجيش وتسع مستوطنات، وتصادر الأرض بتحويلها إلى مناطق عسكرية أو محميات طبيعية أوغير ذلك.

وقتلت مخلفات الجيش الإسرائيلي، بحسب منصور، 37 فلسطينياً منذ احتلالها للأغوار عام 1967، فيما أصيب 400 مواطن بإعاقات دائمة، وسجل الأطفال النسبة الأعلى في ضحايا تلك المخلفات التي تسببت عام 2015 في استشهاد ثلاثة فلسطينيين.

شارع الموت

يشكل شارع رقم 90، الذي يمر بأراضي قرية بزيق، خطراً قائماً على مدار الساعة، بسبب مركبات المستوطنين والجيش التي تعبره بسرعة فائقة، إذ أودت إحدى هذه المركبات، في نهاية شهر أغسطس الماضي، بحياة الطفلة أسيل أبوعون (ثمانية أعوام)، خلال عبورها الشارع، لتترك غصة لدى عائلتها.

ويسرد والد الطفلة (أسيل)، طارق أبوعون، تفاصيل دهس ابنته من قبل سيارة مسرعة يقودها مستوطن، حيث فجع لمصرعها أمام عينيه: «بينما كنت أعمل على جانب الشارع كانت طفلتي (أسيل) وشقيقتها (ليالي) معي، فطلبتا الذهاب إلى البقالة في الجهة المقابلة لتشتريا بعض الأشياء، وكان الطريق خالياً من المركبات، فقطعتا الشارع واشترتا أغراضهما، ولدى عودتهما ظهرت فجأة مركبة مسرعة صدمت (أسيل)، فيما نجت شقيقتها بأعجوبة».

ويضيف «من شدة سرعة المركبة، قذفت بجسد الطفلة (أسيل) في السماء قبل أن ترتطم بالأرض بعد مسافة كبيرة، وعلى الفور حاول المستوطن الفرار من المكان، لكنني استطعت بمساعدة الأهالي احتجازه، إلا أن القوات الإسرائيلية التي وصلت للمكان لم تفعل شيئاً لإنقاذ الطفلة التي كانت تصارع الموت، ولم يكن لديها أي اهتمام سوى إنقاذ المستوطن من أيدينا».

ويتابع بعد تنهيدة طويلة «بقيت طفلتي (أسيل) ساعة كاملة تصارع الموت، ولم تتمكن أي سيارة إسعاف فلسطينية من الوصول إليها بسبب إجراءات الاحتلال، وبعد ساعة ونصف الساعة وصلت سيارة إسعاف إسرائيلية لكن بعد فوات الأوان».

ويشير إلى أن ابنته الأخرى التي نجت من الحادث، تعاني حالياً من وضع نفسي صعب بعد أن رأت الموت بعينيها، وتحتاج إلى علاج نفسي.

ولم تكن هذه الحادثة هي الأولى التي يتعرض لها أفراد عائلة طارق أبوعون، فقبل سبع سنوات تعرض ابنه أمير (14 عاماً) لإصابة بحادث دهس مشابه، وهو الآن يعاني إعاقة في رجله ومشكلات في السمع.