Emarat Alyoum

تحولات «الإرهاب» بعد 16 عاماً من أحـداث سبتمبر

التاريخ:: 16 سبتمبر 2017
المصدر: عن مركز المستقبل للابحاث والدراسات المتقدمة - أبوظبي
تحولات «الإرهاب» بعد 16 عاماً من أحـداث سبتمبر

على الرغم من نجاح الولايات المتحدة في منع وقوع هجوم إرهابي على أراضيها، كالذي تعرضت له في 11 سبتمبر 2001، حيث استهدف تنظيم «القاعدة» قوتها الاقتصادية (مركز التجارة العالمي)، والعسكرية (وزارة الدفاع)، إلا أنه بعد مرور 16 عاماً على هذا الحادث، والحرب الدولية على الإرهاب التي قادتها واشنطن، ومليارات الدولارات التي أنفقتها هي والدول الغربية على منظومتها الأمنية، واغتيال الزعيم السابق لتنظيم القاعدة (أسامة بن لادن) في مايو 2011، والعديد من قيادات التنظيمات الإرهابية، باستخدام الطائرات بدون طيار، لاتزال قضية «الإرهاب العالمي» على أولويات الأجندة الدولية، مع تزايد عدد التنظيمات الإرهابية، وتنوع تكتيكاتها، واتساع نطاق عملياتها، لتشمل الدول المحصنة أمنيّاً.

وتتزايد خطورة ظاهرة «الإرهاب العالمي»، كونها لم تعد يُنظر إليها على أنها تهديد أمني فقط للدول الغربية، بل أضحت مولِّدة لأزمات سياسية واقتصادية واجتماعية، مع تزايد موجات اللاجئين من الدول التي تنشط فيها التنظيمات الإرهابية، إلى الدول الغربية، الأمر الذي يفرض أعباء إضافية على الدول الكبرى في النظام الدولي للتعامل معها، والبحث عن حلول لها، بجانب جهودها العسكرية لمكافحة الإرهاب عالميّاً. فضلاً عن تعقد الظاهرة الإرهابية، لتنوع تكتيكات وأدوات التنظيمات الإرهابية في تنفيذ عملياتها الإرهابية، لتؤدي إلى خسائر بشرية ومالية كبيرة، وغير متوقعة في كثير من الأحيان، بالإضافة إلى استفادة تلك التنظيمات من الثورة التكنولوجية في تجنيد أتباع جدد، وتعزيز جاذبية تنفيذ عمليات إرهابية لدى الكثير من الأفراد والمجموعات الإرهابية الصغيرة، الأمر الذي يزيد من مخاطر الإرهاب غير التقليدي.

ويواكب تزايد الهجمات الإرهابية التي تنفذها تنظيمات كـ«القاعدة» و«داعش» في الدول الغربية في الآونة الأخيرة، تنامي الهجمات ضد تجمعات المسلمين في المجتمعات الأوروبية، التي ترتبط بموجة التطرف المتصاعد داخلها خلال السنوات الماضية، التي أنتجت مجموعة من المحفزات والفاعلين الذين يتبنون خطاباً راديكاليّاً تجاه التجمعات المسلمة، وهو الخطاب الذي سرعان ما تحول إلى ممارسات إرهابية، تستهدف المسلمين والمساحات التي تُعبِّر عن هويتهم.

ولن تنجح الحرب الدولية على الإرهاب إذا استمر تركيزها بصورة كبيرة على القوة العسكرية، واستهداف قيادات التنظيمات الإرهابية، وتجفيف منابع تمويلها؛ لأن الحرب ضد الإرهاب - في أحد أبعادها - حرب أفكار وأيديولوجيات. وعلى الرغم من أن تلك الحرب ليست سهلة، إلا أنها غير مستحيلة، وضرورة خوضها أمر لا مفر منه، لأن استمرار جاذبية الأفكار الإرهابية مع القضاء على التنظيمات الإرهابية المركزية المعروفة حاليّاً، سيولِّد جيلاً جديداً من الإرهابيين والتنظيمات، ولذا فنجاح الحرب على الإرهاب العالمية يرتبط بعدم التركيز فقط على المواجهة الأمنية، والانتقال من محاربة أعراض التطرف إلى التعامل مع جذوره الأصلية.

ومع الذكرى الـ16 لأحداث 11 سبتمبر، يركز هذا الملف على ملامح تعقد «الإرهاب العالمي»، وتطور تكتيكات التنظيمات الإرهابية في تنفيذ عملياتها، واتساع نطاق نشاطها ونفوذها في أنحاء العالم كافة، بالإضافة إلى تقييم الاستراتيجيات الدولية لمحاربة الإرهاب، والتوصيات التي من شأنها إنجاح تلك الاستراتيجيات، بعد الإخفاقات المتتالية في التعامل مع تنامي عدد التنظيمات الإرهابية، وعملياتها غير التقليدية.


مزيد من العنف:

تحولات ظاهرة الإرهاب بعد هزائم «داعش»

آليات أخرى

حرص تنظيم «داعش» على إبراز علامات بربرية خلال فترة ازدهاره في الرقة والموصل، عبر بثّ مشاهد الذبح، باعتبارها إحدى الآليات التي سعى من خلالها إلى الترويج لأفكاره، وتجنيد مزيد من العناصر القريبة من توجهاته. لكن ربما لا يمكن استبعاد أن يتجه التنظيم إلى تطوير تلك الآليات، كجزء من محاولاته التعامل مع المعطيات الجديدة، التي فرضتها هزائمه في كل من العراق وسورية، والضربات التي يتعرض لها في مناطق أخرى بالشرق الأوسط والعالم، وهو ما تكشف عنه التحقيقات التي جرت بعد وقوع العمليات الأخيرة في بعض الدول الأوروبية.

ومن دون شك، فإن ذلك يفرض على القوى المعنية بالحرب ضد «داعش» إعادة تطوير خططها الأمنية، ورفع مستوى التنسيق الأمني والاستخباراتي في ما بينها، للتعامل مع تلك الاحتمالات مستقبلاً.


- لا تمثل العمليات الإرهابية الأخيرة، التي وقعت في بعض الدول الأوروبية وروسيا، أنماطاً جديدة على مستوى آليات التنفيذ، حيث إنها تمت إما عبر الدهس القاتل بالشاحنات، أو من خلال الطعن، وهي أنماط تقليدية، سبق أن شهدتها بعض الدول الأوروبية، ويمكن أن يطلق عليها «إرهاب الممكن».

- يحاول تنظيم «داعش» توسيع مساحة المناطق وقائمة الدول المستهدفة من عملياته الإرهابية، حيث تعد إسبانيا ساحة جديدة في هذا السياق، رغم أن عملية برشلونة كانت، في الغالب، على صلة بالعمليات السابقة التي شهدتها دول أوروبية أخرى.

شهدت ثلاث دول أوروبية وروسيا ست عمليات إرهابية في غضون خمسة أيام متتالية، خلال شهر أغسطس الماضي، في مشهد يبدو أن العنوان الرئيس له هو توجيه ضربات قوية ومتتالية لتلك الدول، رداً على الخسائر البشرية والمادية التي مُني بها تنظيم «داعش» في كل من سورية والعراق، عقب انسحابه من مدينة الموصل العراقية، وتراجعه في مدينة الرقة السورية. ويبدو من القواسم المشتركة لتلك العمليات، لاسيما ما يتعلق بتشابه الأنماط والوسائل والأهداف، وتقارب هوية المنفذين في بعضها، أن التنظيم يحاول التعامل مع الظروف الجديدة التي فرضتها هذه التطورات، وربما يسعى إلى تطوير الآليات التي يستند إليها في هذا السياق، وهو ما تكشف عنه التحقيقات الخاصة بعملية برشلونة، التي وقعت في 17 أغسطس الجاري.

استعداد مسبق

تشير تحقيقات برشلونة إلى أن الخلية كانت تستعد للعملية الرئيسة منذ عام تقريباً، حيث كانت تقوم بتخزين أسلحة وأسطوانات غاز ومتفجرات يطلق عليها «أم الشيطان». كما أن الشريط الذي بثّه تنظيم «داعش» عبر وكالة «فرات ميديا»، التابعة له، وزعم أنه لمنفذ عملية الطعن في «سورغوت» مسعود السورغوتي، الذي تقول السلطات الروسية إنه يدعى ارتور حاجييف، وعمره 19 عاماً، يكشف - في حالة ثبوت صحته - أن الإرهابي استعد بشكل مسبق لهذه العملية أيضاً.

وفي السياق نفسه، فإن تزامن العمليات الإرهابية في فنلندا وروسيا وألمانيا وإسبانيا، يمثل مؤشراً على اتجاه التنظيم إلى تصعيد وتكثيف هذا النمط من العمليات، وهو ما يطرح فرضيتين على مستوى المسارات المستقبلية المحتملة للتنظيم، تتعلق الأولى، بـبناء «شبكات داعشية» مختلفة في أوروبا وروسيا، بحسب البيان الأخير للتنظيم، الذي جاء تحت عنوان «الخيل المسوّمة»، سواء من «العائدين» أو «المنتمين عن بُعد للتنظيم»، تقوم بتنفيذ عمليات إرهابية متتالية، على أن تكون إشارة البدء هي العملية الأولى التي تدفع الشبكات الأخرى، إلى تنفيذ عملياتها بشكل متوالٍ.

فيما تنصرف الثانية، إلى «التشبيك»، الذي يقوم على تلاقي الأفكار والمصالح والقواسم المشتركة بين تلك الشبكات، التي لا توجد بينها صلات تنظيمية. ومن دون شك، فإن ذلك لا يعني أن التنظيم بدأ في استبعاد النمط التقليدي الذي استخدمه في عملياته السابقة، وهو «الذئاب المنفردة»، الذي يبقى إحدى الآليات الرئيسة التي يستند إليها التنظيم في محاولاته الرد على الضربات والخسائر التي يتعرض لها في الشرق الأوسط ومناطق أخرى من العالم.

تطور محتمل

لا تمثل العمليات الإرهابية الأخيرة التي وقعت في بعض الدول الأوروبية وروسيا أنماطاً جديدة على مستوى آليات التنفيذ، حيث إنها تمت إما عبر عمليات الدهس القاتل بالشاحنات، أو من خلال الطعن، وهي أنماط تقليدية سبق أن شهدتها بعض الدول الأوروبية، ويمكن أن يطلق عليها «إرهاب الممكن»، بالنظر إلى سهولة الحصول على الأدوات، وسهولة التنفيذ في مسرح العمليات.

فعلى سبيل المثال، شهدت فرنسا من قبل في هجوم نيس، في يوليو 2016، عمليات دهس تكررت في الهجوم الذي وقع خارج ثكنة عسكرية في ليفالو بيريه في أغسطس الجاري. وينطبق ذلك أيضاً على عمليات الطعن، على غرار ما شهدته ألمانيا في مايو ويوليو 2016.

لكن هذا السياق لا ينفي أن هناك تطوراً محتملاً في مسار الظاهرة، ربما يكون أكثر عنفاً. ويدعم هذا الترجيح ما كشفت عنه التحقيقات في حادث برشلونة، الذي وقع في 17 أغسطس، حيث أعلنت شرطة كاتالونيا، بعد يومين من تنفيذ العملية، أن الخلية المسؤولة عن هجومي برشلونة وكامبرليس، قامت بالتحضير لتفجير أو أكثر في برشلونة عبر 120 أسطوانة غاز، عثر على آثارها في منزل بمنطقة ألكانار، لكن سوء تخزين تلك الأسطوانات إلى جانب عبوات ومواد متفجرة أخرى، أدى إلى انفجار المنزل، وكان ذلك دافعاً للانتقال للخطة البديلة التي تحتاج لإمكانات وتكلفة أقل وهي الدهس.

كما كشفت تقارير صحافية محلية أيضاً أن الخلية كانت تستهدف ثلاثة مواقع حيوية في البلاد هي كنيسة Sagrada Familia المصنّفة بين أهم 12 كنزاً تاريخياً وتراثياً في إسبانيا، وبين الأضخم في القارة الأوروبية، وميناء وشارع Las Lambras السياحي والتجاري وسط برشلونة.

ساحات جديدة

ويبدو أن تنظيم «داعش» يحاول توسيع مساحة المناطق وقائمة الدول المستهدفة في عملياته الإرهابية، حيث تعد إسبانيا ساحة جديدة في هذا السياق، رغم أن عملية برشلونة كانت، في الغالب، على صلة بالعمليات السابقة التي شهدتها دول أوروبية أخرى، وهو ما يكشف عنه إعلان الشرطة الإسبانية، في أبريل 2017، عن اعتقال خلية من ثمانية أشخاص ودهم 12 منزلاً في برشلونة، في إطار حملة على الإرهاب في البلاد، بعد ورود معلومات عن وجود عناصر على صلة بعمليات سابقة وقعت في أوروبا خاصة العمليات التي شهدتها بلجيكا. كذلك أعلن رئيس الوزراء الفنلندي يوها سيبيلا أن العملية التي شهدتها بلاده، في 18 أغسطس، هي أول هجوم إرهابي تتعرّض له.

ثغرات أمنية

وتظلّ الثغرات الأمنية في تتبع العناصر الإرهابية، وتنقلها عبر الحدود الأوروبية، قائمة رغم الإجراءات العديدة التي اتخذتها الحكومات الأوروبية في هذا الصدد، إلى جانب تراجع التنسيق بين الدول، وهو ما يبدو جلياً في تصريحات وزير الداخلية الفرنسي جيرار كولوم، التي أدلى بها لمحطة «بي.إف.إم»، في 22 أغسطس الجاري، وقال فيها إن «السلطات الفرنسية لم تكن على دراية بوجود الخلية التي نفذت هجمات في برشلونة وكامبرليس الأسبوع الماضي»، وأشار إلى تقارير إعلامية أكدت أن «السيارة التي نفذ بها الهجوم في كامبرليس رصدتها كاميرا مراقبة، وهي تسير بسرعة في منطقة باريس»، مضيفاً أن «السلطات لم تكن تعلم في هذه المرحلة سبب وجود تلك السيارة هناك».