أزمة انقطاع التيار تعطّل عدداً من الأجهزة الطبية وتلاحق الخدّج في الحضّانات

مرضى غزة على قيد الكهرباء

صورة

عندما يتوقف جهاز غسيل الكلى عن الدوران، تدور عجلة الحياة ثقيلة على جسد الطفل، رأفت السطري، المنهك مرضاً، فهو يغسل كليتيه باستمرار داخل مستشفى الرنتيسي للأطفال بمدينة غزة، بوساطة أجهزة تتطلب توافر التيار الكهربائي لساعات طويلة.

ويزداد وضع الطفل رأفت خطورة مع اشتداد أزمة انقطاع التيار الكهربائي التي تشهدها غزة حالياً منذ شهر مضى، حيث تصل الكهرباء في أفضل حالاتها إلى أربع ساعات فقط، وفي غالب الأوقات تتقلص إلى ثلاث ساعات، فيما تغيب عن منازل المواطنين والمستشفيات 21 ساعة متواصلة.

ما يعانيه الطفل السطري داخل قسم غسيل الكلى في مستشفى الرنتيسي، يتجرع مرارته نحو 25 طفلاً مصابين بمرض الفشل الكلوي، حيث تراوح أعمارهم بين أشهر و14 عاماً، كما تطال المعاناة ذاتها كل مرضى غزة داخل 13 مستشفى حكومياً، و54 مركزاً للرعاية الأولية، تخدم مليوني مواطن، نتيجة استمرار أزمة الكهرباء.

وكانت سلطة الطاقة في غزة قد أعلنت، في 16 أبريل الماضي، عن توقف محطة توليد الكهرباء الوحيدة في القطاع عن العمل، وأرجعت السبب إلى الضرائب التي تفرضها حكومة الوفاق الوطني على الوقود الخاص بالمحطة.

ومنذ ذلك الوقت لم يدخل الوقود إلى محطة التوليد في غزة بعد انتهاء منح الوقود التركية والقطرية، وإعادة فرض الحكومة الضرائب على الوقود، ما يرفع سعره إلى ثلاثة أضعاف، فيما ترفض سلطة الطاقة شراءه بهذا السعر الذي يتم تحميله ضرائب إضافية.

وتتفاقم معاناة المرضى تزامناً مع تحذير مؤسسات دولية عاملة في القطاع من تأثير اشتداد أزمة الكهرباء على حياتهم، فهذا التحذير اللافت لا يصدر إلا عندما تبلغ الأزمات ذروتها في غزة.

مخاوف

العديد من الأجهزة الطبية أصيب بأعطال عدة نتيجة الانقطاع المتكرر، وعدم ثبات جدول وصل التيار وقطعه، كما تواجه وزارة الصحة مشكلة في توفير قطع غيار لها بسبب عدم توافرها في السوق المحلية.


أزمة حادة

يعاني سكان القطاع منذ 11 عاماً من أزمة كهرباء حادة، حيث تحتاج غزة إلى نحو 400 ميغاواط من الكهرباء على مدار الساعة، بينما لا يتوافر حالياً إلا 212 ميغاواط، توفر إسرائيل منها 120 ميغاواط، ومصر 32 ميغاواط، وشركة توليد الكهرباء الوحيدة في غزة، المتوقفة منذ منتصف أبريل الماضي، 60 ميغاواط.

«الإمارات اليوم» التقت الطفل (رأفت - تسعة أعوام) داخل قسم الكلى الصناعية في مستشفى الرنتيسي للأطفال، الذي يضم مئات الأطفال المصابين بالأمراض المزمنة والخطرة، حيث كان ينتظر، هو وعشرات المرضى، تشغيل أجهزة غسيل الكلى على المولدات الكهربائية البديلة، لتخف معها الآلام التي أنهكت براءته.

ويقول والد الطفل السطري الذي يرافقه في رحلته العلاجية، لـ«الإمارات اليوم»، بنبرة حزينة: «إن ابني يعالج في المستشفى منذ أكثر من ثلاثة أعوام، ويغسل الكلى بشكل مجاني، فيما أتكلف أنا مصروفات أدوية شهرية له تقدر بـ1000 شيكل، ولا أمتلك الإمكانات اللازمة لأسافر به للعلاج في الخارج في حال توقفت أجهزة قسم غسيل الكلى الوحيد للأطفال في غزة، هذا إلى جانب إغلاق المعابر الذي يجعل من ذلك الأمر مستحيلاً».

ويضيف: «مصير أطفالنا معرّض للخطر، وقد يفقدون حياتهم في كل لحظة، لاعتمادهم الكامل على الأجهزة التي تعمل على الكهرباء، ولقد أصبحت حياتنا مرتبطة بساعات وصل وقطع التيار، وهذا يجعلنا في حالة طوارئ دائمة لتوفير البدائل، التي أصبحت صعبة مع تفاقم أزمة الوقود الذي يستخدم في تشغيل المولدات البديلة».

وبالانتقال إلى قسم الكلى الصناعية في مجمع الشفاء الطبي بمدينة غزة، يرقد الحاج الستيني أبورائد غزال، المصاب بالفشل الكلوي، مراقباً جهاز غسيل الكلى، خشية توقفه نتيجة أزمة انقطاع الكهرباء الحادة التي تعصف بسكان القطاع.

ويخشى غزال، بالإضافة إلى 850 مريضاً مصابين بالفشل الكلوي في مدينة غزة، من تأثير انقطاع الكهرباء في تلقيهم حقهم الأساسي في العلاج، ما يجعلهم في قلق دائم على أوضاعهم الصحية من تعرضها للخطر.

ويقول الحاج أبورائد ممتعضاً «إن مخاوفي من تأثير أزمة الكهرباء في صحتي ترافقني كل لحظة، فعندما أحضر إلى المستشفى من منزلي يساورني الشك والخوف، وأستحضر تساؤلات عدة عن مصيري خلال الأيام المقبلة، وعن مدى توافر مستلزمات عملية غسيل الكلى نتيجة اشتداد الأزمات».

ويوضح غزال، الذي يغسل الكلى ثلاث مرات أسبوعياً، أن عمل أجهزة غسيل الكلى مرتبط بوجود الكهرباء وانقطاعها المتكرر، مشيراً إلا أن ذلك يتسبب في حدوث مشكلات بعملية الغسيل للمريض، وبالجهاز أيضاً.

تقليص

مستشفيات ومرافق وزارة الصحة الرئيسة في القطاع، أكبرها مستشفى الشفاء الذي يضم كل الأقسام الرئيسة، كالولادة وحضّانات حديثي الولادة، وهذه المرافق تحتاج إلى 2000 لتر يومياً من الوقود لتشغيل المولدات الكهربائية البديلة لانقطاع التيار نتيجة اشتداد الأزمة، وذلك بحسب الناطق باسم وزارة الصحة في غزة، أشرف القدرة.

ويقول القدرة «إن وزارة الصحة تدخل مرحلة قاسية جراء أزمة الكهرباء والوقود، ما اضطرها إلى تقليص عدد من الخدمات التشخيصية والمساندة، بفعل النقص الحاد في الوقود اللازم لتشغيل مولدات الكهرباء الخاصة بالمستشفيات».

ويضيف أن «أزمة نفاد الوقود داخل مولدات مجمع الشفاء الطبي، تشكّل خطراً كبيراً على حياة السيدات في مستشفى الولادة، التابع للمجمع، خصوصاً أن انقطاع الكهرباء يؤدي إلى وقف وتلف الأجهزة الطبية، خصوصاً أجهزة التخدير والتعقيم التي تسبق إجراء أي عملية جراحية، وأيضاً أجهزة المونيتور الخاصة بمراقبة الأجنة أثناء الولادة».

ويستقبل مستشفى الولادة في مجمع الشفاء، بحسب القدرة، أكثر من 50 حالة ولادة يومياً، فيما تُحول إليه أغلب الحالات الخطرة والمتعسرة.

ويشير الناطق باسم وزارة الصحة في غزة إلى أن العديد من الأجهزة الطبية أصيب بأعطال عدة نتيجة الانقطاع المتكرر، وعدم ثبات جدول وصل التيار وقطعه، كما تواجه وزارة الصحة مشكلة في توفير قطع غيار لها بسبب عدم توافرها في السوق المحلية.

من جهة أخرى، تحذر المتحدثة باسم منظمة الصليب الأحمر الدولي في قطاع غزة، سهير زقوت، من تعرض النظام الصحي والمرضى في غزة للخطر، نتيجة اشتداد أزمة الكهرباء.

وتقول زقوت: «إن انقطاع التيار الكهربائي، وانقطاع تمويل الوقود، ووصول الكميات المتوافرة منه إلى مراحل حرجة، تعرّض نظام الرعاية الصحية بأكمله للخطر، وتضع حياة المرضى على المحك، ما سيضع السلطات في غزة أمام خيارين، إما إيقاف الخدمات الفرعية، أو الخدمات الأساسية، وفي كلتا الحالتين الأمر سيئ للمرضى».

وتضيف: «نحن في سباق مع الزمن، إن لم يتم التحرك الجاد والسريع من قبل الممولين لسد هذه الفجوة الماثلة في محطة توليد الكهرباء الوحيدة، سيكون هناك خطر محدق بحياة المرضى، خصوصاً من هم داخل أقسام العناية المكثفة».

الأطفال الخدج

ما يعيشه المرضى داخل أقسام الكلى الصناعية في مستشفى الرنتيسي للأطفال ومجمع الشفاء، يتجرع مرارته كل مريض يرقد داخل الأقسام الأخرى، فأصوات صفير الأجهزة الطبية داخل العناية المكثفة في المجمع الطبي لم تعد السمة الحاضرة داخل هذا القسم، حيث تتوقف هذه الأجهزة عن العمل بشكل فجائي نتيجة انقطاع الكهرباء، ونقص الوقود داخل المولدات الكهربائية، ما يدفع الأطباء إلى استخدام الأجهزة اليدوية، كجهاز التنفس.

وبالانتقال إلى قسم حضّانات الأطفال الخدج في مستشفى الشفاء، تبدو صورة المعاناة أكثر وضوحاً، فهم ينقلون إلى هذا القسم لعل هذه الأجهزة الطبية تنقذ حياتهم وتدخل الفرحة إلى قلوب آبائهم وأمهاتهم.

وتخشى كل العائلات التي يرقد أطفالها الخدج داخل الحضانات، من استمرار أزمة الكهرباء والوقود، الأمر الذي يعرض فلذات أكبادهم للخطر وفقدانهم الحياة.

ويقول رئيس قسم الحضّانة في مجمع الشفاء الطبي، علام أبوحامدة: «إن الانقطاع المتواصل للتيار الكهربائي، وأزمة الوقود، ينذران بكارثة حقيقية ستصيب الحضانة، إذا لم يتم تدارك الأمر في أقرب وقت».

ويضيف أن «الخدج حالات حساسة جداً تحتاج إلى الرعاية التامة، والمراقبة الحثيثة، حيث إن جميع الأجهزة داخل الحضّانة، تعتمد على التيار الكهربائي بشكل متواصل على مدار الساعة».

ويحذر أبوحامدة من وفاة بعض الأطفال الخدج الموجودين داخل قسم الحضانات في حال استمرار أزمتَي الكهرباء والوقود.

ويضم قسم الحضانة، الذي يخدم كل مستشفيات القطاع، 30 سريراً، بالإضافة إلى خمسة أسرّة استقبال، فيما يبلغ معدل الدخول للحضانة 200 حالة شهرياً، جميعهم يعانون مشكلات صحية مختلفة في التنفس أو مشكلات خلقية، وبعض الحالات تحتاج إلى جراحة أطفال أو أعصاب، وذلك بحسب مدير قسم الحضانة في مستشفى الشفاء.

تويتر