حصدت أرواح 21 طفلاً منذ 2010

أزمة كهرباء غزة تتسبب في قتل الشقيقين عمر وخالد

صورة

بينما كانت أم عمر الهبيل تعد طعام العشاء لطفليها اللذين كانا يلعبان في غرفتهما على أضواء الشموع، فوجئت بدخان كثيف يخرج من الغرفة، لكن خطواتها السريعة لم تسعفها بالدخول لإنقاذ ولديها، فالنيران طالت كل شيء، وحرقت جسدهما الغض، وحولتهما إلى جثث متفحمة داخل خزانة ملابسهما التي لاذا بها ظناً منهما أنها ستحميهما من اللهب.

فأزمة انقطاع التيار الكهربائي المتفاقمة في غزة نتيجة الخلافات السياسية الداخلية هي ما دفع عمر (5 سنوات)، وخالد (3 سنوات)، لمطالبة والدتهما بأن تضيء لهما شمعة، خوفاً من الظلمة التي تخنق غرفتهما، لكن هذه الشمعة بقدر ما هي بسيطة حولت حياة عائلة الهبيل إلى جحيم، وتسببت في كارثة سترافقها آثارها مدى الحياة.

ففي ليلة يوم السبت الماضي، كانت عائلة الهبيل على موعد مع فجيعة لن تنساها ذاكرتها، إذ إن نار الشمعة أحرقت أثاث الغرفة التي كان يلعب فيها الطفلان، ليختنقا قبل أن تحول النار جسديهما إلى جثتين متفحمتين، وتشوه ملامحهما.

«الإمارات اليوم» حضرت في غرفة الأطفال، حيث تبين أن النيران طالت كل شيء، ألعابهما وملابسهما وحقيبتيهما الدراسيتين بكل ما فيهما.

حاولنا الالتقاء بوالد الطفلين، لكن تبين أنه يرقد في مستشفى الشفاء جراء إصابته الحرجة أثناء محاولته إطفاء الحريق، الذي اشتعل داخل منزله، أما الوالدة فتعيش في صدمة نفسية منعتها من الدخول إلى منزلها الذي احترق فيه طفلاها.

وتمكنا من الحديث معها بصعوبة نتيجة الحالة التي تمر بها، حيث تقول وهي تنهمر في البكاء: «إن الجهات المسؤولة في غزة لا تشعر بنا، ولا ترحم الأطفال الذين تحترق أجسادهم بفعل أزمة الكهرباء، فعلى الرغم من تلقيها دعماً وأموالاً كثيرة، إلا أنها تقطع الكهرباء، ما يتسبب في قتل أطفالنا، وحرق قلوبنا على فقدانهم».

ويقول أدهم الهبيل، عم الطفلين، لـ«الإمارات اليوم»، وهو يحمل قطعاً محترقة من الخبز والطعام الذي كانت تعده الوالدة لطفليها: «إن ما حدث هو مأساة بحد ذاتها، طفلان بعمر الزهور لم يتجاوزا سن السادسة، يحترقان دون أي ذنب اقترفاه، سوى أنهما كانا يلعبان في غرفتهما منتظرين والدتهما لتعد لهما طعام العشاء».

ويضيف «سمعنا صوت صراخ والدة الأطفال مستنجدة بإنقاذ طفليها وزوجها من الحريق، وعلى الفور صعدنا إلى البيت، لنفاجأ بشدة النيران والدخان، ومكثنا نحو نصف ساعة نبحث عن الطفلين، لنجدهما جثتين متفحمتين داخل الخزانة التي لجآ إليها بسبب شدة اشتعال النيران».

وتحمّل عائلة الهبيل شركة الكهرباء في غزة المسؤولية الكاملة عن افتعال أزمة قطع الكهرباء نحو 20 ساعة يومياً، كما حمّلتها مسؤولية الأسباب التي أدت إلى لجوء العائلات في غزة إلى استخدام الشموع من البداية، مطالبة بفتح تحقيق كامل عن ملابسات الحريق الذي أودى بحياة عمر وخالد.

ويقول عم الطفلين «لن نسمح بمرور هذه الحادثة التي أفجعتنا وحرقت قلوبنا من دون فتح تحقيق واضح وشامل، لمعرفة ملابسات الحريق بشكل مثبت، فالأم لا يمكن أن تحاسب على اضطرارها لإشعال شمعة تنير بها غرفة طفليها».

الحادثة التي شهدتها عائلة الهبيل لم تكن الأولى في قطاع غزة بسبب أزمة انقطاع التيار الكهربائي، فقد شهدت المحافظة الوسطى في القطاع قبل عامين حادثتين منفصلتين أحرقت الأولى أجساد ثلاثة أشقاء من عائلة بشير، أما الثانية فقد أودت بحياة أربعة أطفال أشقاء من عائلة برغوث، جراء اختناقهم من المولد الكهربائي، ليملأ الخوف قلوب أطفال غزة من أن تُحرق أجسادهم أو تُزهق أرواحهم بسبب شمعة أضاءوها لتنير عتمة ليلهم.

من جهته، كشف مركز الميزان لحقوق الإنسان في إحصائية أصدرها عقب احتراق طفلي عائلة الهبيل، عن وفاة 26 شخصاً جراء أزمة نقص الكهرباء في قطاع غزة، من بينهم 21 طفلاً منذ عام 2010، وذلك جراء انفجار مولدات الكهرباء، أو اختناقهم من عوادمه، وكذلك الأمر بفعل استخدام الشموع التي يلجأ إليها العدد الأكبر من المواطنين، الذين لا يقدرون على شراء بدائل باهظة الثمن كالمولدات وأجهزة الشحن الكبيرة.

وأكد مركز الميزان أن أزمة الكهرباء هي نتيجة مباشرة لغياب التوافق الفلسطيني، واستمرار المناكفات السياسية، محمّلاً الحكومة الفلسطينية وسلطة الطاقة المسؤولية عن هذه الأزمة.

واستهجن المركز الحقوقي القطع المتزايد للكهرباء عن المواطنين، على الرغم من أن خدمة الكهرباء مدفوعة الأجر من قبل المواطنين، فيما تلزم الشركة المواطنين بتسديد الفواتير المستحقة شهرياً من خلال فصل الخدمة على كل من يتأخر عن السداد، كما تقتطع الحكومة الفلسطينية قيمة الفواتير من رواتب موظفيها الشهرية بشكل مسبق.

من جهة أخرى، تؤكد الفصائل الفلسطينية أن أزمة الكهرباء التي يمر بها قطاع غزة مفتعلة، وهي جزء من المناكفات الحاصلة بين طرفي الانقسام.

وتقول الجبهة الشعبية في بيان لها تعقيباً على مصرع طفلي عائلة الهبيل «إن أزمة الكهرباء مفتعلة، ويدفع ثمنها شعبنا الفلسطيني، ويكمن حل هذه المشكلة في التمرد على الواقع، ومن خلال ضغط جماهيري علي طرفي الانقسام».

من جهتها، تقول حركة الجهاد الإسلامي في بيان لها «إن الجهات المسؤولة والمتنفذين ليسوا بمعزل عن هذه المسؤولية، ولا ينبغي التذرع بأية حجج يمكن أن يسوقها البعض لتكون مبرراً لإزهاق أرواح الناس، وعليهم أن يتقوا الله في أبناء شعبهم، فشعبنا ليس ألعوبة بيد أحد، وليس رهينة لسجالات السياسة بين هذا الفريق أو ذاك».

أما الجبهة الديمقراطية فقد تظاهر عناصرها أمام شركة الكهرباء بمحافظة خانيونس جنوب قطاع غزة، داعية الحكومة لحل أزمة الكهرباء ووضعها على سلم أولوياتها.

ويقول القيادي في الجبهة الديمقراطية طلال أبوظريفة لـ«الإمارات اليوم»: «آن الأوان لعلاج الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي الذي كان نتيجته استشهاد طفلين في مخيم الشاطئ، وذلك بسبب غياب مقومات الحياة لدى العائلة، واضطرارها لاستخدام بدائل رخيصة الثمن».

تويتر