بلطجية وبلاطجة وشبيحة.. الأيــدي الضاربة في زمن الربيع العربي
يضم جيش القمع العربي كتائب ومجموعات لا نظير لها في العالم، فهناك الحرس الجمهوري والأمن العام والأمن المركزي ومسميات شتى لأمن النظام، محمية بجحافل المخبرين والمرشدين، وهناك جيوش للديكتاتور الحاكم موازية عددا وعدة كل جيوش الوطن مجتمعة، لكن مخيلة الاستبداد العربي، التي لا آخر لها، لم تقف عند هذا الحد، فقد ابتدعت كتائب بطش شعبية تفتك بالبلاد والعباد، من دون أن تبدو القوات الرسمية متورطة في جرائمها ، وبحيث يبدو الصراع بين طرفين مدنيين، من هؤلاء جيوش البلطجية في مصر، والبلاطجة في اليمن، والشبيحة في سورية، علاوة على تسميات أخرى لمجموعة شبيهة في بلدان عدة، مثل الشماكرية في المغرب، وميليشيا النظام في تونس، والمرتزقة في ليبيا.
البلطجي.. حامل البلطة
البلطجي هو لفظ دارج يعود أصله إلى اللغة التركية، ويتكون من مقطعين «بلطة» و«جي»، وهي مثل ياء النسب في العربية، أي حامل البلطة، و«البلطة» كما هو معروف أداة للقطع والذبح، وبالتالي فأصل الكلمة غريب عن العربية.
وفي عهد الدولة العثمانية كان الجنود البلطجية، وهم الذين يحملون البلطة، يتقدمون القوات الغازية لقطع الأشجار بها ويشقون طريقا أمام القوات المتقدمة وكانوا أيضا يفتحون بها الجدر والقلاع والحصون التى تستعصى عليهم لتسهيل اقتحامها، وفى عصر محمد علي كانت قوات نظامية تحمل اسم «قوات البلطجية»، ربما تتساوى تماما مع قوات الأمن المركزى الحالى في مصر، وبالتالي فكلمة بلطجى ليست كما يتصورها البعض سيئة في أصلها، إلا أنها تطورت دلالياً، وأخذت معاني سلبية في ما بعد، إذ أصبحت مرادفة للتنمر وفرض الرأي بالقوة، والسيطرة على الآخرين ونهبهم وقتلهم، وإرهابهم والتنكيل بهم.
ترتبط شخصية البلطجي في مصر راهنا بالنظام السابق وأجهزته الأمنية المختلفة، التي تستعمل مجرمين سابقين، بائعي ومستهلكي المخدرات، أو مرتزقة من أجل القيام بأعمال شغب ضد المتظاهرين والمعارضة، في الساحات العامة وحتى داخل الجامعات، والنيل من الخصوم السياسيين، وذلك مقابل مبالغ مالية.
وحسب بعض التقديرات، يبلغ عدد البلطجية فى مصر 450 ألف بلطجي، وكان نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك يستخدمهم فى انهاء أية موضوعات تهمه من تزوير انتخابات مجلس الشعب والشوري، أو ترويج المخدرات، أو متابعة اية موضوعات لإشعال فتيل الفتنة بين الأقباط والمسلمين، أو تهديد أية شخصية مقلقة للنظام أو حتى للشهادة فى المحاكم لمصلحة أصحاب الحظوة من المقربين للنظام، كما كان يتم استخدامهم للحراسة الخاصة لبعض الشخصيات العامة.
وقد كانت خريطة هؤلاء البلطجية معلومة لدى جميع ضباط «جهاز مباحث أمن الدولة» على مستوى مصر، بالاسم والصوت والصورة والعنوان.
وتزايدت الاتهامات، أخيرا، ضد فلول النظام السابق بالاستمرار في استخدام البلطجية في ما عرف بـ«الثورة المضادة»، ضمن ما اعتبره البعض مخططات لإجهاض الثورة المصرية، وذلك من خلال افتعال اشتباكات بين الثوار والأمن المصري، وحرق مؤسسات الدولة وإلصاق التهمة بالثوار، وعادت هذه الاتهامات بقوة مع المجزرة التي وقعت بعد مباراة الناديين الأهلي والمصري في مدينة بورسعيد، التي راح ضحيتها 74 قتيلاً ومئات الجرحى، إذ اتهم العديد من القوى السياسية فلول النظام السابق بتدبير المجزرة.
الشبيحة.. مخرّبون
الشبيحة مصطلح سوري من قبل اندلاع الثورة، أطلق على عصابات التهريب التابعة لأحد أفراد عائلة الرئيس بشار الأسد في اللاذقية، وجاءت التسمية لأنهم كانوا مشهورين بقيادة سيارات «مرسيدس» من النوع الذي نسميه في العامّية «الشبح»، وكانت تتمّيز بأنها كانت بمقعد واحد، الذي هو مقعد السائق لتتسع لأكبر كمية ممكنة من المهربات القادمة من لبنان.
وكانوا يهربون كل ما هو ممنوع، من البسكويت الأجنبي المنشأ إلى الأسلحة (في زمن ادّعى فيه الكيان الأسدي أنه يطبق سياسة الاكتفاء الذاتي وحرم السوريين حينها من كل متع الحياة حتى المناديل الورقية)، ليأتي الشبيحة ليسدوا النقص في السوق ويفتحوا طاقة تنفس نستنشق منها أنفاسنا. وظلت الحال على ما هي عليه حتى خروج الكيان الأسدي من لبنان، فبات الشبيحة عاطلين عن العمل وأصبحت حياتهم كلها في السهر واللهو لينشروا ثقافتهم المتدنية في ربوع سورية، فظهر لدينا اللون الساحلي كما يدّعون (علماً بأن اللون الساحلي أغنى من الفن الهابط الذي خرج)، ليرتبط بالسهرات الماجنة، وانتشرت ثقافة التشبيح بشكل مخيف وأغانيهم الساقطة ونمط حياتهم حتى بات البعض يتصنع اللهجة الساحلية ليتمسح بثقافتهم.
لكن بعد اشتعال فتيل الثورة كان واجبهم حماية مصالح النظام، الذي صنعهم بالأساس وجعل لهم وزناً وقيمة من مخربين ومهربين إلى ثقافة عامّة في المجتمع وقدوة لكل تافه وصغير، فتحولوا إلى ميليشيات مسلّحة وأصبح حينها السوريون يطلقون كلمة «شبّيح» على كل شخص يبطش ويضرب ويتكلم نيابةً عن النظام الحاكم، فاختلفت أنواعهم بدايةً من الشبّيح المسلح، مروراً بالإعلامي، وانتهاءً بـ«فسافيس الإنترنت» (شبيحة الجيش الإلكتروني). واختلفت مهامهم بحسب موقعهم، وحسب المنطقة التي ينشطون بها.
ففي حلب، كان للشبيحة رواية مختلفة، فمع بداية الثورة استقبل الرئيس بشار الأسد وفداً أطلق عليه وجهاء حلب، كان مشكلاً من مجموعة من الأشخاص المشهورين جداً بفسادهم وارتباطهم بتجارة الأسلحة والمخدرات والفساد الاقتصادي والإداري.. إلخ، وبحسب التسريبات تمّ الاتفاق على قمع تظاهرات حلب بطريقة مغايرة تماماً عن بقية المناطق السورية، وتمّ تسليم حلب لتلك العصابات.
وبملاحظة الأيام الأخيرة، نجد تراجعاً واضحاً لوجود الشبيحة، ما اضطر الأمن في بعض المناطق إلى إطلاق النار على المتظاهرين، ما أدى إلى وقوع إصابات عدة وعدد من الشهداء، رغم ذلك فإن أول صيحات المتظاهرين تكون دائماً «وين الشبيحة؟»، بتحدٍ واضح لهم، وأنهم لم يعودوا يهابونهم ولا يهابون بطشهم، ليهرب بعدها «الشبيحة».
البلاطجة.. ميليشيا حزبية
على الرغم من أن مصطلح «بلطجية»، أطلق على من يهاجمون المتظاهرين في مصر، إلا أنه في اليمن بات هذا التعبير أشبه بقناع يخفي الحقيقة بقدر ما يثير الالتباس.
فالحاصل أن بلاطجة اليمن ليسوا عناصر مأجورة أو مرتزقة، كما في مصر أو ليبيا مثلا، بل هم خليط من أفراد يعتقد أنهم رجال أمن واستخبارات بملابس مدنية، وبعضهم بمعاطف عسكرية يخفون تحتها أسلحة، وبينهم قناصة يتبعهم أفراد القبائل وفتوات الحارات.
وبين هؤلاء جميعاً من يتمنطق بالجنبية (الخنجر اليمني)، ويحمل مسدسات أو عِصِياً، في حين يقتصر حمل الأسلحة الأخرى مثل الكلاشنكوف وبنادق القنص على عدد محدود.
ويخفي المسلحون أسلحتهم تحت المعاطف ولا يظهرونها إلا حين يتطلب الأمر إطلاق النار، وفي هذه الحالات يتخذون مواضع جانبية محاذية للجدران وأبواب الدكاكين المغلقة، كي لا ترصدهم عدسات التلفزيون المنصوبة في المكان ذاته الذي يتمركز فيه المتظاهرون.
ويبدي أفراد هذه الجماعات، التي تناصر النظام، نفوراً كبيراً من آلات التصوير ويصادرون أو يحطمون الكاميرات التي تقع في أيديهم، ويرشقون بالحجارة كل من يحاول التصوير، حتى أولئك الهواة من صغار السن الذين يحاولون تصوير ما يجري بواسطة هواتفهم المحمولة من أسطح منازلهم وشرفاتها.
وعلى الرغم من أن حركة الاحتجاجات، التي يشهدها اليمن، لم تصل في بداية الثورة إلى درجة التهديد الحقيقي لنظام الرئيس المنصرف علي عبدالله صالح، يؤكد الاتجاه العنيف الذي اظهرته مجموعات البلاطجة عند مهاجمتها الشبان المحتجين سقوط الكثير من الضحايا، وبالتالي تزايد حدة التظاهرات والمواجهات، التي قد تؤدي بدورها إلى مزيد من العنف والقتل.
وكان استخدام الرصاص الحي لقمع المحتجين، بدأ في عدن التي شهدت سقوط عشرات القتلى، وفي تعز.
ومع بدء الشباب المحتجين نصْب خيامهم، قبالة الجامعة الجديدة في صنعاء، ارتفعت وتيرة العنف الموجه ضد التظاهرات الشبابية التي تشهدها العاصمة.
ولم تعلن الحكومة عن نيتها فتح تحقيق في الجرائم إلا بعد انتقادات وجهتها إليها منظمات حقوقية دولية. واتهمت وسائل إعلام حكومية مَنْ سمتهم «بلاطجة اللقاء المشترك»، بقتل شخص وإحراق سيارة، فيما نقلت وسائل إعلام محلية مستقلة قصصاً عن شبان محتجين، تعرفوا خلال الاشتباكات مع أنصار الرئيس إلى أشخاص ينتمون إلى قراهم، اتضح أنهم جنود بملابس مدنية.
من جهة أخرى، كشفت مصادر مطلعة أن عمليات القمع التي تمارس من قبل البلاطجة ضد المحتجين، لاسيما في العاصمة صنعاء، تتم إدارتها من خلال غرفة عمليات، تم إنشاؤها لإدارة الأزمات التي تمر بها البلاد. وقالت المصادر ان هذه الوحدة تتبع جهاز الأمن القومي إداريا، وترفع تقاريرها الى رئاسة الجمهورية مباشرة.
ويعتقد مطلعون ان البلاطجة مشكّلة من قيادات وشخصيات عليا عدة، تنوعت بين قيادات أمنية واستخباراتية وأعضاء من الحزب الحاكم، وخصصت لها ميزانيات مفتوحة، ولم يتم التأكد ما اذا كان انشاء الوحدة مع انطلاق الاحتجاجات الاخيرة التي شهدتها البلاد أم قبلها، وفي كل الأحوال من المؤكد أن الفكرة استلهمت من الأحداث التي وقعت في مصر في ما يتعلق بمواجهة المعتصمين، عبر من يسمون البلطجية هناك.
وكانت وسائل اعلام قد نشرت، أخيرا، معلومات أكدت فيها انه شوهدت شاحنات محملة بأعداد من الجنود في لباس مدني، وهي تخرج من بوابات الامن المركزي، باتجاه مراكز الاحتجاج قرب الجامعة.
وأكد محتجون تعرضوا للاعتداء، أن بعض من يسمونهم البلاطجة أو (البلطجية)، كانوا يعتدون عليهم بهراوات كهربائية، لا تمتلكها سوى قوات مكافحة الشغب التابعة للامن المركزي.
وأكد عدد من المعارضين وجود تنسيق بين وزارة الداخلية والبلاطجة، عبر قيادات المناطق ومديريات اقسام الشرطة بصورة يومية، بهدف توزيعهم وانتشارهم في الأماكن المهمة لحفظ النظام، إلى جانب مهمتهم في القيام بأعمال البلطجة.
وحسب ما قاله شهود عيان، فإن رجال الأمن باللباس المدني، الذين أطلق عليهم «البلطجية»، كانوا يحاصرون دائما مداخل ساحة الحرية كافة، ويشاهدون بعصيهم وبعضهم يحمل مسدسه الشخصي، وهم إلى جوار رجال الأمن الموجودين على مدار الساعة بجوار الجامعة. وما يؤكد وجود مثل هذا التنسيق بين البلاطجة والأمن المركزي، أنه على الرغم من حالات القتل التي تعرض لها المحتجون، في مختلف أماكن احتجاجهم، فإنه لم يتم اعتقال أي واحد من البلاطجة، مع ان اعتداءاتهم المتواصلة على المحتجين بالعصي والرصاص الحي تعد مشهدا مألوفا للكثيرين.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news