أساطير ودفاعات بشأن السنة الأولى من حُكم أوباما

باراك أوباما أثار كثيراً من الجدل في عامه الأول. غيتي

كغيره ممن سبقه من الرؤساء الأميركيين، كان العام الأول من رئاسة باراك أوباما، مزيجا من الإنجازات والإخفاقات ولكن ما يثير الشقاق بين مؤيديه ومنتقديه، هو فرز حصة كل جانب وتحديد الكلفة الراجحة، فمؤيدوه يقولون إن عامه الاول كان تاريخيا وإن ما يقوم به الرئيس اوباما يشبه إلى حد كبير ما كان يقوم به الرئيس ثيودور روزفلت، بينما يقول خصومه بابتهاج إن عدد من يعرفون اوباما يتزايد كل يوم، بينما يتناقص عدد المعجبين به. لكن هناك من المعسكرين من يعتقد ان ثمة خمس أساطير يجب أن تبدد حول اوباما.

أكذوبة الكونغرس
بعد انتخاب الأميركيين أوباما رئيسا جديدا لهم في نوفمبر ،2008 وسيطرة الديمقراطيين على الكونغرس بمجلسيه، اعتقد كثير من هؤلاء الديمقراطيين أنه بعد سنوات من الإحباط حان الوقت لتنفيذ أو تفعيل أجندة تقدمية ليبرالية وعليه، فقد أقر الكونغرس العديد من القوانين والقرارات المتعلقة ببنود في جدول أعمال أوباما، مثل اصلاح وتوسيع نظام التأمين الصحي وحق المرأة في التقاضي، في حال تعرضها للتمييز في الأجر وحزمة التحفيز الاقتصادي، لكن الرئيس أوباما يعترف بأن الطريق إلى استصدار القانون الخاص بإصلاح نظام الرعاية الصحية لم يعد سهلا أو سريعا، كما كان يأمل.

وقبل باراك استمتع كل من الديمقراطي بيل كلنتون والجمهوري جورج بوش الابن بسيطرة حزب كل منهما على الكونغرس، لكن أيا منهما لم يكن متأكدا من كل شيء أو أي شيء، فكلنتون لم ينجح في إقرار إصلاح نظام الرعاية الصحية عام ،1993 على الرغم من سيطرة الديمقراطيين على الكونغرس، كما لم ينجح بوش 2004 في إقرار إصلاح نظام التأمين الاجتماعي، على الرغم من سيطرة الجمهوريين على الكونغرس، وهناك أمثلة عدة في التاريخ الاميركي الحديث تصلح لكي يأخذ أوباما عبرة منها.

فرصة ذهبية
ينظر معظم الرؤساء الأميركيين الى عامهم الأول في البيت الابيض، على أنه فرصة ذهبية لتنفيذ بنود جدول أعمالهم أو تفعيل سياساتهم وقراراتهم وتحقيق معظم طموحاتهم قبل انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في نوفمبر من العام الثاني والتي قد تسفر عن نتائج غير مرضية تكلفهم خسارة ما يتمتعون به من سيطرة اغلبية حزبهم على مجلسي الكونغرس، ولكن في حال تراجع التأييد الشعبي لأجندتهم يكون امام الرئيس وقت كافٍ لإعادة النظر في موقعه واتخاذ المركز القوي، وأثبتت التجارب أن الاحداث التي تولد حافزا لدى الرأي العام بالاهتمام، هي معيار تحرك الامور تشريعيا وليس الأجندة السياسية.

الكونغرس مصنع للمعرفة
تشترك القاعدة العريضة لكل من الجمهوريين والديمقراطيين، في الجهل بكيفية صناعة السياسة العامة في واشنطن وتشكيلها وعدم الاهتمام بذلك، وحينما عجز أوباما عن سحب أي جزء من القوات الاميركية من العراق، واجه صعوبات في مناقشات الكونغرس حول مشروعه لإصلاح وتوسيع نظام الرعاية الصحية والتبس الغموض سياسته بشأن انضمام المثليين الى القوات المسلحة، ودب الذعر في القاعدة العريضة للديمقراطيين، وفي مثال سابق لم يكن جيمي كارتر محبوبا من القاعدة العريضة للديمقراطيين بعد فوزه في انتخابات الرئاسة في نوفمبر ،1976 كما واجه بيل كلنتون أزمة في تأييد القاعدة الشعبية الديمقراطية، حينما اتخذ جناح، سمى نفسه «الطريق الثالث»، نهجا مختلفا عن بقية القاعدة، يقوم على الانتقاد الجريء والمستمر لسياسات كلنتون وقراراته، لكن ذلك لم يمنع إعادة انتخابه عام1996 .

«الـ100 يوم الأولى»
«الـ100 يوم الأولى ليست مهمة»، هذا القول ليس دقيقا، لسبب بسيط، هو أن أي رئيس لن تتوافر له فرصة ثانية لإحداث التأثير وترك الانطباع، كما أن انتقال الشخص من صفة ودور المرشح الى صفة ودور الرئيس عملية صعبة حتى بالنسبة لأكثر السياسيين مهارة، فالأفكار الجيدة وروح التفاؤل وقوة الدفع التي كانت طاغية خلال الحملة الانتخابية تنسحق تحت وطأة الواقعية التي تجسدها كيفية صناعة القرارات وتشكيل السياسات في واشنطن.

أسطورة تآكل الشعبية
بدأت رئاسة أوباما بإنجازات مثيرة، منها إقرار حزمة التحفيز الاقتصادي، التي يقدر حجمها بـ787 مليار دولار، وقبول مشروع موازنته البالغة 6.3 تريليونات دولار، ولكن الاشهر التي تلت الايام الـ100 الاولى، شهدت دفاعا من أوباما عن سياساته التي تراوحت بين الفتور والعجز والتردد والخطأ، ما أدى إلى إعادة توحيد الصفوف في القاعدة العريضة للجمهوريين وتراجع شعبيته.

وبعد فوزه في انتخابات الرئاسة يدخل كل رئيس اميركي البيت الابيض بنسبة قبول عالية، وذلك انطلاقا من رغبة اغلبية الاميركيين في إعطاء الرئيس الجديد الفرصة للاستفادة من هذا القبول، وباستثناء ارتفاع شعبيته عقب أحداث 11 سبتمبر ،2001 لفترة لم يكن جورج بوش يسلم من الانتقاد اللاذع والهجوم يوما واحدا وتراجعت شعبيته من 57٪ إلى 34٪، وقت رحيله نهائيا عن البيت الابيض.

أما مؤيدوه فيتنافسون في التغزل بمواهبه وامتداح خصاله الكثيرة، التي قلما توجد عند غيره، لاسيما موهبته الخطابية وقدرته على ترتيب أفكاره وتوصيل ما يريد وتحكمه في مشاعره ونبرة حديثه، وفي هذا الشأن يقول بعض المحللين، إنه لو لم يختر أوباما خوض معترك الحياة السياسية فربما ذهب اتجاهه الى العلاج النفسي، فهو سيد المهارات في الحديث وفي إعادة ما تقوله له بالتمام والدقة الى حد أن احدهم وصفه بـ«المرآة»، وفي كتابه «جرأة الامل» (ذا أوديسيتي أف هوب)، يمكنك ان تتطلع على آرائه الجسورة والشديدة الوضوح في موضوعات شتى منها الهجرة، وتراقب كيف ينتقل بك بكل إثارة بين وجوه متعددة لأميركا من الارمني الى العربي والمسلم الى الهندي والفلبيني والصيني، ثم لا ينسى تذكيرك بالأصوات القلقة من السود والبيض، إزاء تزايد الهجرة غير الشرعية.

وبكلمات أخرى، فإن اوباما يسمع ويسمعك أميركا، وهي تغني وتبكي، وهي منقبضة ويائسة، وهي منطلقة مدفوعة بالاغتباط بالتفاؤل، ويمكنه ان يعلو في حدة نبرة خطابه عند نقطة ما، ويكون سلسا هادئا في موقع آخر، وقادرا على إطلاق عنان عاطفته وكبحه، وهو ما لا يستطيعه الطبيب النفسي في جميع الاحوال، وهذه خمسة وجوه له، والتي يمكن ان يتناولها مؤيدوه ومنتقدوه، كل من زاويته.

دفاعات عن الرئيس الأميركي الأسود

--الرجل الأسود
يفخر أوباما بأصوله الافريقية، وتحت هدوئه يحتفظ بصلابة في الرأي، حينما يتعلق الامر بالعنصرية، ولديه القدرة على التعبير عن آرائه في هذا الشأن دون أن يحرج أحدا ووضوح يفوق الاكاديميين.

وأجرى صحافيون مقارنة بين مقالة كتبها أستاذ القانون المرموق في جامعة هارفارد هنري لويس غيتس، وأخرى كتبها اوباما تحدث فيها بدبلوماسية ونعومة عن سعي الاميركيين السود عن أصولهم الافريقية وعن إمكانية الحوار وعلاقة الحب بينهم وبين البيض، فجاءت لمصلحة أوباما. وقال الرئيس الأميركي الحالي صراحة إنه يرفض ممارسة السياسة على أساس العرق أو الجنس وأنه ظل لسنوات طويلة في صغره وشبابه مهووسا بعبء أنه اسود لكنه رمى بهذا الحمل خلف ظهره منذ سنوات، وهو يتحدث عن نفسه الآن بكل فخر وثقة، فيقول إنه ابن رجل أسود من كينيا وامرأة بيضاء من كنساس، وله اخوة وأخوات وأبناء وبنات اخوة وأخوات وأعمام من كل عرق ولون موزعون في ثلاث قارات، وعليه فقد حظي ليس بتأييد الاميركيين السود، فحسب بل ونسبة كبيرة من البيض ايضا.

--المداوي
يعتبر محللون كتاب أوباما «أحلام أبي» محاولة للتحقيق والتمحيص في الأصول والجذور والهوية ليس من أجل الشهرة أو المكانة أو الثروة، ويحكي الكتاب قصة شاب جريح لم يشعر قط في أية لحظة بأنه يعيش في وطنه، سواء كان في محيط من البيض او من السود، ويسيطر عليه هاجس دائم وهو أنه لا ينتمي الى أي من العرقين، ثم يقرر في النهاية القيام بقفزة إيمانية وهي «الايمان بالآخرين والثقة فيهم» لتكون موطنه.

ومن هنا فإن معظم افكاره تدور حول التعرف إلى الآخرين، وكسب ثقتهم والتعاون معهم. في هذا السياق أصبح شعاره الذي رفعه في حملته الانتخابية «نعم نستطيع»، سلاحا خطرا وعلامة مميزة واسعة الانتشار في وقت أصبح ثلاثة من كل أربعة اميركيين يعتقدون أن اميركا تسير على الطريق الخطأ. وفي خطابه امام مؤتمر الحزب الديمقراطي عام ،2004 يختتم ببث الامل في النفوس ويقول إن جوهر صلابة هذه الامة هو ايمانها بأمور غير مرئية وإيمانها بأن أياما افضل مقبلة عليها، ويحاول خصومه النيل والسخرية منه وأبرزهم المذيع رش ليمباو، الذي يتعمد إسقاط جزء من اسمه ليصفه بـ«المسيح».

--المبتدئ
يميل منتقدو أوباما إلى وصفه بطريقتين مختلفتين، إحداهما أنه مجرد بدلة جوفاء إلا من رجل يتلو خطابات بليغة منمقة، وهذا يتفق مع وصف منافسته هيلاري كلنتون له بأنه «مجرد كلمات» وهذا صحيح، ولكنها تمثل ميزة بالنظر الى أنه ليس لدى اوباما سجل حافل من الاعمال التجارية أو المشروعات أو الادارة الحكومية، فقد شهد مشوار حياته تنقلات كثيرة فقد امضى عاما في العمل التجاري وثلاثة اعوام منظما وناشطا اجتماعيا في احدى الضواحي ثم التحق بكلية القانون قبل ان يصبح عضوا في مجلس شيوخ ولاية إيلينوي اربع فترات متتالية مدة كل منها عامان. ويقول عارفوه ان القضايا التي تثير اهتمامه ويتحدث عنها كثيرا ليست سهلة، مثل اصلاح نظام الرعاية الصحية والعدالة والفقر وفي هذا الشأن يعترف كيرك ديلارد مؤيد السيناتور جون ماكين المنافس الجمهوري لأوباما على الرئاسة بأن الاخير بارع ومتميز في قدرته على التعامل مع القضايا المعقدة والتواصل مع شرائح متنوعة من الناس. وكانت هيلاري تردد بتندر وسخرية أثناء حملتها للفوز على اوباما بترشيح الحزب الديمقراطي، إن اوباما كان يرأس لجنة فرعية في مجلس شيوخ إيلينوي لم تستطع عقد اجتماع واحد.

--الراديكالي
يرى بعضهم أن هناك بذور تطرف أو استعدادا له في أوباما فقد عمل في قضايا التعليم في شيكاغو مع مسؤولين وموظفين ذوي اتجاهات يسارية وبعضهم ينزع الى العنف، كما يعتقد أن اوباما تأثر بالافكار اليسارية لجده فرنك ديفيز، الذي كان شاعرا وصحافيا وناشطا في الحقوق المدنية في أربعينات وخمسينات القرن، الذي وصفته مجموعة «أكيوراسي إن ميديا» المحافظة، بأنه المستشار والمعلم اليساري لأوباما الذي كان يطلب منه التوجيه والنصح باستمرار.

كما يبدى أوباما اهتماما بحركات التحرر والاستقلال الافريقية، الامر الذي قاده الى التعرف إلى مثقفين وأكاديميين متعاطفين مع تلك الحركات، والتأثر بهم وحضور مؤتمرات ذات طبيعة اشتراكية خلال سنوات حكم رونالد ريغان في الثمانينات، وذهب بعضهم الى إثارة الجدل حول هويته كمسلم كيني، على الرغم من أنه لم يكن متدينا حقا لكن أوباما التحق بمدرسة اسلامية في اندونيسيا، ما دفع بعضهم الى الهمس بلقب «المسلم السري»، ثم اطلع على أعمال وكتابات صحافيين ومثقفين محافظين، حيث قال بعضهم إن اوباما ليبرالي أكثر مما يقدم نفسه، وتمثل هذه الأشياء من جانب مقابل رصيدا إضافيا له.

--المستقبل
صبي في السادسة في هاواي، وحياة أخرى في إندونيسيا، واغتيال الرئيس جون كينيدي وتظاهرات ومصادمات عنصرية في أميركا وحرب في فيتنام، وغيرها من الأحداث صاحبت طفولة أوباما في الستينات وظلت أبعادها وآثارها تسيطر على الجدل الثقافي والسياسي والاعلامي في أميركا لعقود لاحقة، ويقول في هذا الشأن أعتقد أن المعارك الايديولوجية في الستينات ظلت تؤثر بشكل كبير في تشكيل حياتنا السياسية لوقت طويل. والأمر المميز لأوباما هو الوعد الذي قطعه لنفسه وعليها، وهو العمل على اختراق بعض من تلك المعارك الجدلية التي كانت تحتدم بين الاجيال الأميركية وحول تلك الأحداث وآثارها يقول «لا يمكننا توقع نتائج جديدة أو مختلفة من أشياء وأعمال اعتدنا على القيام بها وأصبحت روتينا». وهو ما فسره معلقون بالرغبة في التغيير والمطالبة به ونظرة استشراف للمستقبل كرسها شعاره في حملته الانتخابية «نعم نستطيع» وعززتها شعارات اخرى مثل «نؤمن بالتغيير»، كما تميزت الحملة الانتخابية التي قام بها أوباما في السباق الى البيت الابيض باستخدام مكثف وواسع للتكنولوجيا الحديثة، ومنه على سبيل المثال مشاركة مليوني متطوع في وضع قاعدة بيانات ضخمة على الانترنت لخدمة الحملة، وهو الأمر الذي افتقرت إليه حملة منافسه الجمهوري جون ماكين.
تويتر