Emarat Alyoum

تصاعد «خلافات الحلفاء» فـــي الشرق الأوسط

التاريخ:: 01 سبتمبر 2017
المصدر: عن مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة - أبوظبي
تصاعد «خلافات الحلفاء» فـــي الشرق الأوسط

شهدت العلاقات بين الحلفاء في الإقليم، سواء كانوا أحزاباً سياسية وميليشيات مسلحة في صراعات داخلية، أو أطراف الائتلاف الحاكم، في ما يتعلق بالعلاقة مع دول الجوار، أو قوى إقليمية وقوى دولية بشأن صراعات إقليمية ممتدة، أو قوى إقليمية وقوى دولية على خلفية توتر في العلاقات الثنائية، تباعداً آخذ في التصاعد في بعضها، وربما يكون متجهاً إلى التراجع في البعض الآخر. ويمكن تفسير تلك الحالات المختلفة، سواء الداخلية أو الخارجية، بالمصالح المنقوصة التي تباعد بين الأطراف.

تأثيرات متفاوتة

إن العواقب الناتجة عن ظاهرة خلافات الحلفاء في الإقليم ستكون متباينة، وفقاً لماهية هذه الخلافات وحدودها وفرص تصاعدها. إذ إن استمرار الخلافات بين الحلفاء في الإقليم قد يقود إلى تعميق الصراعات الداخلية المسلحة في الإقليم، حيث شنّ الرئيس اليمني المخلوع، علي عبدالله صالح، ست حروب في مواجهة الحوثيين في صعدة والحديدة، من 2004 إلى 2009، وتحالف مع أطراف عديدة ضدهم، مثل «الإخوان المسلمين» و«السلفية الجهادية اليمنية»، على نحو يشير إلى تاريخ دامٍ بين الطرفين، ما يعني أن توافق المصلحة المؤقتة هو الذي قاد إلى مشاركة الطرفين في الانقلاب على الشرعية الدستورية في اليمن.

كما أن خروج قطاعات من الرأي العام اليمني للتظاهر، ليس لتأييد صالح بل للاحتجاج ضد الحوثيين، ربما يمهد لتوافقات جديدة وتغيير في التفاعلات السياسية التي تشهدها الساحة اليمنية، لاسيما مع إعلان المبعوث الأممي، إسماعيل ولد الشيخ، عن مبادرة إنسانية تتضمن تسليم ميناء الحديدة ومطار صنعاء لجهة ثالثة تحت إشراف دولي، حيث أبدى صالح موقفاً مرناً من هذه المبادرة، وهو ما يعني قبوله بإجراء حوار سياسي.

ويتزامن ذلك مع عدم تمكن قوات الجيش اليمني، المحسوبة على الشرعية، من تحقيق انتصارات حاسمة في جبهات الشمال، ولاسيما محيط صنعاء، مقابل عجز قوات الحوثي وصالح عن تحقيق تقدم في جبهات الجنوب، فضلاً عن اندلاع أزمة إنسانية حادة، على نحو أوجد حراكاً سياسياً داخلياً.

تنازلات متبادلة

على جانب آخر، لا يمكن أن يصل الخلاف بين موسكو وطهران إلى افتراق بينهما، كون الطرفين يحتاجان إلى بعضهما، وتوجد بينهما قواسم مشتركة، ذلك أن إيران تحتاج إلى روسيا ومن دونها لا تستطيع أن تحقق انتصاراً في سورية، بينما روسيا تحتاج أيضاً لإيران كي تضمن عدم تخريب الاتفاقات الروسية في سورية. كما أن روسيا لا تمتلك بدائل دولية أو إقليمية تشجّع على تبديل تحالفاتها، والمسار الأرجح هو أن يميل الطرفان نحو تقديم تنازلات متبادلة والتوصل إلى تفاهمات بينية.

في حين ترى اتجاهات عدة أن ملف المساعدات الأميركية لمصر يؤثر في واقع العلاقات الثنائية، فضلاً عن تعزيز الدور المصري بشأن عملية السلام في الشرق الأوسط، وتقليص احتمالات إنهاء الأزمة القطرية، بل قد يؤكد انطباعاً بأن دول الإقليم الشريكة لواشنطن لا يمكنها أن تراهن عليها في تحمل أعباء تحقيق الاستقرار في الإقليم.

خلاصة القول، لم تعد الخلافات قائمة بين الخصوم في الإقليم، وإنما صارت بين الحلفاء أو الأصدقاء أيضاً، حيث تفرض «توافقات الضرورة» مع أطراف ثالثة، وهشاشة التحالفات بين قوى الصراع، سواء كانت أحزاباً سياسية أو ميليشيات مسلحة، وتعقد الصراعات الداخلية المسلحة، وتأثيرات الأزمات الإقليمية، وضغوط لوبيات المصالح الخارجية، تغيير المسارات المحتملة للعلاقات في الشرق الأوسط، وهو ما يرجح أن يزيد من مضاعفات عدم الاستقرار الإقليمي خلال الفترة المقبلة.

• يبدو الخلاف بين قوى داخلية في الدولة الواحدة جلياً بين حلفاء الأمس في اليمن، وتحديداً بين قوات الرئيس اليمني المخلوع، علي عبدالله صالح، والحوثيين، على نحو يمثل تحولاً عما كان سائداً خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، حينما استطاعت تلك الميليشيات بدعم من قوات صالح الانقلاب على الشرعية.

• إسرائيل تتابع مسارات التعاون الروسي - الإيراني في سورية، كما تبدي الحكومة الإسرائيلية قلقاً واضحاً، سواء من محاولات التمدد الإيراني بالقرب منها، أو من عدم تجاوب موسكو، إلى جانب واشنطن، مع مطالبها بتعديل بنود اتفاق وقف إطلاق النار في جنوب سورية.

• تتزايد مساحة التباين بين موسكو وطهران، الذي برزت ملامحه في توقيتات مختلفة، خصوصاً في مرحلة ما بعد تحرير حلب في ديسمبر 2016، حينما تم التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار الذي أبرم بين موسكو وأنقرة، من دون الأخذ في الحسبان حسابات نظام بشار الأسد أو طهران.

فلم يعد ممكناً حفظ بعض تلك الخلافات في الغرف المغلقة بعد أن اتخذت شكل حرب كلامية، وتطورت إلى سلوكيات ميدانية بين طرفَي الانقلاب في اليمن، وهو ما يؤثر في تصاعد منسوب الصراع، في حين يمكن إدارة الخلاف بين روسيا وإيران بشكل مرحلي حول مصير رئيس النظام السوري، بشار الأسد، ومستقبل الميليشيات الشيعية والعلاقة الروسية الاستراتيجية مع إسرائيل، وأطماع إيران في الحصول على منفذ بحري في سورية.

إن ثمة أنماطاً عدة لخلافات الحلفاء، سواء داخل أو بين الدول في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:

1- الخلاف بين قوى داخلية في الدولة الواحدة

هذا يبدو جلياً بين حلفاء الأمس في اليمن، وتحديداً بين قوات الرئيس اليمني المخلوع، علي عبدالله صالح، وحركة الحوثيين، على نحو يمثل تحولاً عما كان سائداً خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، حينما استطاعت تلك الميليشيا، بدعم من قوات صالح، الانقلاب على الشرعية والاستيلاء على السلطة بقوة السلاح في العاصمة صنعاء يوم 21 سبتمبر 2014. وقد فشلت جهود الوساطة التي قادها الزعيم القبلي، ناجي الشايف، بين طرفَي الانقلاب (صالح ورئيس المجلس السياسي الأعلى، صالح الصماد) للحيلولة دون خروج الخلاف إلى العلن.

ولعل ظهور الرئيس اليمني المخلوع، علي عبدالله صالح، في 24 أغسطس 2017 وسط حشد من أنصاره، ويحيط به مسلحون يرتدون الزي العسكري يعبّر عن استعداده لإرسال مئات الآلاف من المقاتلين على الجبهات المختلفة، على نحو يشكك في القدرات القتالية للحوثيين. في حين دعت حركة الحوثيين لإعلان حالة الطوارئ، ووقف كل أشكال النشاط الحزبي، وعدم الدفع بأي تجمعات حاشدة في الميادين العامة، غير أن أنصار صالح لم يلتزموا بذلك في إطار إحياء الذكرى الـ35 لتأسيس حزب المؤتمر الشعبي، ومن ثم اعتبرت حركة الحوثيين تجمع أنصار صالح في صنعاء «خيانة للتحالف بينهما ودعماً للتحالف الخارجي».

غير أن هذا الخلاف بين الطرفين ليس وليد اليوم، وهو ما أشار إليه الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي، عارف الزوكا، في خطاب بثه موقع «المؤتمر نت» في 21 أغسطس الجاري، قائلاً: «إن الخلاف بين الطرفين بدأ مع رفض الحوثيين انعقاد مجلس النواب لقبول استقالة الرئيس اليمني، عبدربه منصور هادي»، التي تقدم بها في 22 يناير 2015، قبل أن يتراجع عنها بسبب عدم انعقاد البرلمان، وأضاف: «إن الخلاف توسع مع ضغوط الحوثيين على حليفهم صالح، إذ فرضوا عليه حشد 40 ألف مقاتل، إلا أن الأخير قدم حتى اليوم 3000 مقاتل رفضت جماعة الحوثي ضمهم للجبهات، كما عرقلت الجماعة تعيين قائد لقوات الحرس الجمهوري التي تدين بالولاء لصالح».

ووفقاً لعضو المكتب السياسي للحوثيين ورئيس اللجنة الرقابية العليا، علي الصماد، في تصريح لوسائل الإعلام في 23 أغسطس 2017، فإن «الخلاف قديم، وظهوره على السطح اليوم هو نتيجة طبيعية لحالة الاحتقان الموجودة داخل المكونات السياسية».

2- الخلاف بين شركاء الائتلاف الحاكم حول العلاقات مع دول الجوار

وينطبق على الخلاف بين «تيار المستقبل» من جانب، و«حزب الله» و«حركة أمل» و«التيار الوطني الحر» من جانب آخر، بشأن انفتاح العلاقات اللبنانية مع نظام الأسد في سورية، إذ يسود اتجاه يدافع عن صياغة علاقة جديدة مع الأخير، خصوصاً للتعامل مع التهديدات الأمنية العابرة للحدود ومواجهة تداعيات أزمة النازحين السوريين، وهو ما دعا الرئيس اللبناني، ميشال عون، إلى تعيين مبعوث رئاسي لدمشق، هو اللواء عباس إبراهيم مدير الأمن العام.

3- الخلاف بين قوى إقليمية وقوى دولية حول الصراعات الإقليمية

تتزايد مساحة التباين بين موسكو وطهران، التي برزت ملامحها في توقيتات مختلفة، خصوصاً في مرحلة ما بعد تحرير حلب في ديسمبر 2016، حينما تم التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار الذي أبرم بين موسكو وأنقرة، دون الأخذ في الاعتبار حسابات نظام بشار الأسد أو طهران.

وتسعى إيران من خلال وجودها في سورية إلى تثبيت نفوذها الإقليمي، والسيطرة على الشريط الذي يمر عبر سورية والعراق و«حزب الله»، في حين أن روسيا تهدف من وجودها داخل سورية إلى تعزيز دورها كقوة دولية منافسة للولايات المتحدة، وستكون سورية قاعدة مركزية لها على البحر المتوسط. وقد حرصت إيران في أكثر من مناسبة، على تأكيد أن موقفها غير متطابق مع روسيا إزاء مستقبل الأسد.

وتجدر الإشارة إلى تصريحات القائد العام للحرس الثوري الإيراني، محمد علي جعفري، التي نقلتها وكالة الأنباء الإيرانية «مهر» خلال عام 2015، والتي تشير إلى أن بلاده «لا ترى بديلاً للأسد، وتعتبره خطاً أحمر تجاوزه ممنوع»، في حين أن الأسد بالنسبة لروسيا وسيلة وليس هدفاً، ويمثل ذلك نقطة الافتراق المركزية، كون بقاء الأسد قد يخدم روسيا، لكنها لا تمانع من المفاوضة عليه لتحصل على بدائل أخرى بالمقابل. وقد نقلت وكالة الإعلام الروسية في هذا السياق عن المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا: «نحن لا نقول إن الأسد يجب أن يرحل أو يبقى».

4- الخلاف بين قوى إقليمية ودولية على خلفية التوتر في العلاقات الثنائية:

وهو ما يعكسه واقع العلاقات المصرية - الأميركية، بعد قرار تخفيض المساعدات العسكرية المخصصة لمصر، في 22 أغسطس الجاري. فقد أكدت وزارة الخارجية المصرية، في بيان لها، أن «مصر تعتبر أن هذا الإجراء يعكس سوء تقدير لطبيعة العلاقة الاستراتيجية التي تربط البلدين على مدار عقود طويلة»، كما حذر البيان من أن «قرار خفض المساعدات يعد خلطاً للأوراق بشكل قد تكون له تداعياته السلبية على تحقيق المصالح المشتركة المصرية - الأميركية».

ويأتي قرار تخفيض المساعدات الأميركية لمصر، بعد التقارب في العلاقات بين القاهرة وواشنطن، منذ تولي الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، مقاليد منصبه في مطلع العام الجاري، لاسيما بعد زيارة الرئيس، عبدالفتاح السيسي، لواشنطن، حيث قال الرئيس ترامب خلال اجتماعه مع الرئيس السيسي: «أود فقط أن يعلم الجميع إن كان هناك أدنى شك أننا بقوة خلف الرئيس السيسي، لقد أدى عملاً رائعاً في موقف صعب للغاية، نحن نقف وراء مصر وشعب مصر بقوة».

وثمة مجموعة من العوامل التي تفسر تزايد خلافات الحلفاء في الإقليم، على نحو ما توضحه النقاط التالية:

1- صراعات السلطة بين الأطراف المركزية داخل الدولة

وهو ما يشير إلى هشاشة التحالفات التكتيكية، على نحو ما يعكسه تحالف المصلحة الذي جمع أعداء الأمس، بين قوات صالح وأنصار حركة الحوثيين، حينما وصف صالح الحوثيين بأنهم «ميليشيا»، وأنه مستعد للانسحاب من تحالفه مع الحوثيين إذا أرادوا التفرد بالسلطة، ووصف مقاتلون موالون للحوثيين الرئيس السابق بأنه «متربص شراً».

وقد أفاد بيان للجان الشعبية التابعة للحوثيين، في 23 أغسطس 2017 بأن «الطعنة تأتي من الظهر بأن توصف بأنها ميليشيا، فذلك هو الغدر بعينه».

ويعكس هذا الشقاق العلني بين الطرفين صراعهما على السيطرة على وزارة الدفاع، لاسيما بعد تعيين اللواء عبدالله يحيى الحاكم رئيساً لهيئة الاستخبارات العسكرية. وكذلك الخلاف بشأن المخصصات المالية في دوائر الحكم في العاصمة صنعاء، خصوصاً بعد اتهام صالح للحوثيين بسوء الإدارة والتلاعب بأموال البنك المركزي اليمني، وعدم صرف الرواتب لموظفي الدولة على مدى أشهر عدة، فضلاً عن إلقاء كل طرف بالمسؤولية على الطرف الآخر في تفاقم حدة الأزمة الإنسانية التي تمرّ بها البلاد. لذا دفع كوادر حزب المؤتمر الشعبي للنزول إلى الشارع، والنشاط على وسائل التواصل الاجتماعي، تحت شعار «أين الراتب يا أنصار الله؟» و«أنا جائع».

ووفقاً لما أشار إليه المشرف العام على مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية في 23 أغسطس 2017، فإن «65 سفينة و124 قافلة إغاثة، و628 شاحنة، و5500 سلة غذائية، و6000 كيس دقيق قمح، تعرضت إما للمصادرة أو النهب من قبل الميليشيات الحوثية، فضلاً عن الاعتداءات التي نفذتها تلك الميليشيات على المنظمات التابعة للأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية والعاملين بها في ست مدن ومحافظات يمنية، هي صنعاء وتعز وحجة والحديدة و إب وعدن، علاوة على عمليات القتل والاختطاف، وإغلاق المنافذ، وفرض إغلاق المكاتب ونهبها، التي تورطت فيها عناصر تلك الميليشيات».

هذا بخلاف دافع آخر يتعلق بمحاولة الرئيس المخلوع صالح استعادة الزعامة المفقودة، والضغط على الحكومة الشرعية عبر إظهار ولاء بقايا الجيش اليمني له لتحسين موقعه التفاوضي المستقبلي، سواء لحزبه أو لنجله أحمد.

2- تباينات الرؤى بشأن مسارات الصراعات الإقليمية المسلحة

على نحو ما يكشفه الخلاف «غير المرئي» بين موسكو وطهران، في بعض الأحيان، تحت سقف التحالف في الأزمة السورية، وفقاً لأولويات مختلفة. فقد يبدو للوهلة الأولى أن ثمة تطابقاً في رؤى موسكو وطهران حيال الأزمة السورية، لاسيما في ظل الدعم الجوي الروسي لقوات الأسد والدعم البري الإيراني، إلى جانب مشاركة «حزب الله»، إلا أن هناك خلافاً ضمنياً في دوافع دعم كل طرف لنظام الأسد، إذ إن موسكو تفضل الحل السياسي في حين تفضل إيران الحسم العسكري.

فهدف روسيا من تدخلها في الصراع الداخلي السوري هو تعزيز وتمكين «بقايا» أو أشباه مؤسسات الدولة السورية، خصوصاً الجيش النظامي، بما يحافظ على مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية، في حين تهدف إيران إلى إضعاف بنية الدولة السورية وتفتيتها، لتمكين ميليشيات طائفية من السيطرة، على نحو يقود تباعاً إلى تغيير البنية المجتمعية، وهو ما بدا جلياً في المناطق التي خرجت عن سيطرة «داعش»، وبعض قوى المعارضة المسلحة، ومن ثم الخلاف بشأن إبرام الهدن لاحتواء المناطق المحاصرة.

كما يختلف الطرفان الروسي والإيراني بشأن مسار التسوية السياسية في سورية، فالهدف الذي تدعمه موسكو هو محاربة الإرهاب العابر للحدود وفرض حل يضمن استقراراً داعماً لها، حتى لو أدى ذلك إلى إحداث تغيير في بنية النظام وإبعاد رموزه، بينما تهدف طهران إلى الحفاظ على الوضع القائم وتعزيز وجود رموزه خلال المرحلة الانتقالية، لذا يوجد اتجاه في الأدبيات الغربية مفاده أن روسيا تسعى لـ«دبلوماسية المقايضة» بهدف رفع العقوبات الاقتصادية، والاعتراف بحقها في شبه جزيرة القرم، والاحتفاظ بنفوذ دبلوماسي في ما تسميه موسكو «دول الجوار القريب»، أي النفوذ الذي مارسته على مدى أربعة عقود في عصر المنظومة السوفييتية.

علاوة على ذلك، يوجد خلاف بين موسكو وطهران على الموقف من قوى المعارضة المسلحة، إذ تعتبرها طهران جماعات إرهابية دون تمييز بينها، في حين تميل موسكو إلى التفرقة بين التنظيمات المتطرفة والتنظيمات المعتدلة.

فضلاً عن رفض موسكو استمرار الدور العسكري لـ«حزب الله» في سورية وتواصله مع ميليشيات موالية لطهران. وفي حين تهدف طهران إلى التمدد الإقليمي لمواجهة نفوذ بعض القوى الإقليمية، فإن موسكو تسعى إلى تحقيق الهيمنة بإدارة مصالح مختلف الأطراف الدولية والإقليمية، سواء بوجود دور رئيس لواشنطن في إنجاز التسوية، أو تقدير مخاوف إسرائيل، أو تفهم بوتين تمدد القوات العسكرية التركية في شمال سورية، وتعزيز خيار التوافق مع أنقرة لضمان وقف إطلاق النار، أو دعم دور مصري في اتفاقات التهدئة.

3- التقارب بين أحد الحلفاء و«خصم» الحليف الآخر

تتابع إسرائيل مسارات التعاون الروسي - الإيراني في سورية، كما تبدي الحكومة الإسرائيلية قلقاً واضحاً سواء من محاولات التمدد الإيراني بالقرب منها، أو من عدم تجاوب موسكو، إلى جانب واشنطن، مع مطالبها لتعديل بنود اتفاق وقف إطلاق النار في جنوب سورية، خصوصاً ضمان خروج القوات الإيرانية والميليشيات الشيعية من سورية، وليس فقط إبعادها 20 كم من الحدود مع إسرائيل. ومن هذا المنطلق، زار رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، موسكو في 23 أغسطس الجاري، لتوجيه رسالة لموسكو مفادها ضرورة قيام الأخيرة بكبح التمدد الإيراني على الحدود المشتركة مع إسرائيل.

4- تباين رؤى مؤسسات الدولة في التعامل مع الحلفاء

وهو ما ينطبق على قرار الولايات المتحدة تخفيض المساعدات العسكرية لمصر، فوفقاً لوزارة الخارجية الأميركية، قررت الولايات المتحدة تجميد 195 مليون دولار من المساعدات العسكرية لمصر في انتظار تسجيل «تقدم في أولويات حيوية».

ولعل الارتباك المفاجئ الذي قد يصيب العلاقات المصرية - الأميركية يعود، في قسم كبير منه، إلى التباين بين رؤية البيت الأبيض من جانب ووزارة الخارجية والكونغرس من جانب آخر، في ما يخص العلاقات مع الدول الحليفة أو الشريكة في منطقة الشرق الأوسط، وهو نهج ليس مقصوراً على مصر، وإنما قد يمتد أيضاً إلى الشركاء في منطقة الخليج بل وشرق آسيا.