صناعة التعليم

اقتصاديات التعليم

د. عبداللطيف الشامسي

أزمة «كورونا» خلقت تحديات اقتصادية كبيرة، وفرضت على العالم وضع سيناريوهات مختلفة المدى تحسباً للمستقبل، فالأخبار والدراسات تضعنا يومياً أمام واقع متغير للتداعيات الاقتصادية لهذا الوباء، منها ارتفاع معدلات البطالة لمستويات قياسية، وفقدان الكثيرين لوظائفهم، بالإضافة إلى توقع كساد اقتصادي كبير على مستوى العالم، ونحن في دولة الإمارات اعتدنا على تحويل التحديات إلى إنجازات استناداً إلى رؤية وفكر قيادة تعتمد السبق في استشراف المستقبل والاستعداد له.

اليوم بتوجيهات حكومتنا الرشيدة، بدأ التخطيط لما بعد «كوفيد-19»، ويعد الجانب الاقتصادي إحدى الركائز الأساسية لهذا الاستعداد، ويجب علينا جميعاً المساهمة في دعم اقتصادنا، والحفاظ على مكتسبات مرحلة التحول للعمل عن بُعد والتعليم عن بُعد، والالتزام بضبط النفقات دون إسراف، ومن هذا المنطلق يقع على قطاع التعليم العام والخاص من واقع المسؤولية المهنية والمجتمعية؛ إعادة النظر في«اقتصاديات التعليم»، بمعنى البحث في سبل الاستثمار الأمثل للموارد التعليمية: مالياً وبشرياً وتكنولوجياً، خصوصاً أن تجربة التعلّم عن بُعد ونجاحها أثبتت جدواها من الناحية الاقتصادية، وكشفت عن إمكانية تقديم التعليم كخدمة عن بُعد بكفاءة عالية اعتماداً على التكنولوجيا، وبكلفة أقل.

إذاً التحديات الاقتصادية تفرض ذاتها على الفرد والمجتمع، وعلينا ألّا ننتظر، وأن نبدأ بالعمل على إعادة «هندسة» ميزانيات التعليم من خلال إعادة الهيكلة لمؤسساتنا التعليمية، وتقديم نموذج تعليمي أساسه فكر «هجين» يجمع ما بين التعلّم عن بُعد والتعليم داخل القاعات الدراسية، بحيث يمكّن هذا النموذج الجديد من تنويع خيارات التعلّم، وتحقيق استثمار أمثل للميزانيات.

من خلال الفكر «الهجين» سنتمكن من إعادة هندسة كلفة التعليم كالتالي: أولاً: السماح باستقطاب أعداد أكبر من الطلبة، نظراً لعدم الارتباط بجانب الطاقة الاستيعابية. ثانياً: إمكانية استقطاب أعضاء هيئة تدريسية من ذوي الكفاءات والخبرات العالمية المتميزة للتعليم عن بُعد، خصوصاً للمواد والتخصصات الدقيقة، دونما حاجة لاستقدامهم للتدريس داخل الدولة. ثالثاً: إعادة هيكلة الوظائف الإدارية وتوصيفها ضمن خيارات تسمح بالعمل من داخل المؤسسة أو عن بُعد، كما في الوظائف المتعلقة بالخدمات الطلابية، والتي نجح تقديمها إلكترونياً عن بُعد. رابعاً: إعادة هندسة المبنى التعليمي المدرسي أو الجامعي، بحيث يركز على الجانب التطبيقي والمهاري، ودعم بيئة الابتكار وريادة الأعمال والحياة الطلابية اللاصفية.

بناءً على ذلك سنصل إلى خفض تكاليف التعليم وموازناته التشغيلية، بما سيدعم توجه مؤسسات التعليم الحكومي نحو ترشيد النفقات ودعم الاقتصاد، كما سيمكّن مؤسسات التعليم الخاص من تقديم خيارات تعليمية برسوم أقل، وهو ما يمثل مطلباً ضرورياً للمرحلة المقبلة، لدعم أهالي الطلبة وتخفيف العبء المالي عليهم.

أمامنا فرص عديدة لإعادة هندسة «اقتصاديات التعليم»، وتحقيق المعادلة بالموازنة ما بين ترشيد الصرف والالتزام بالحفاظ على جودة التعليم ومخرجاته، لنتجاوز بنجاح تحديات ما بعد «كوفيد-19».

Abdullatif.alshamsi@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر