كـل يــوم

تملك الكماليات.. هل هو السعادة؟

سامي الريامي

«الاستهلاك التنافسي» مصطلح جديد انتشر بشكل واسع بين العائلات والأصدقاء، وهو أحد أهم أسباب الاستهلاك والصرف العشوائيين، كما أنه أحد أهم أسباب الإسراف وإرهاق الميزانيات، فهو لا يعتمد على الحاجة، بل على التباهي والتقليد، وفكرته قائمة على اقتناء كل ما يقتنيه الآخرون، بغض النظر عن أهمية السلعة أو الحاجة إليها!

الاستهلاك التنافسي، وهو شراء واقتناء ما يقتنيه الغير بغرض المنافسة الاجتماعية، ظاهرة برزت في جميع مستويات وفئات المجتمع، عززتها الحياة الفاخرة، وتوافر المنتجات العصرية، والعلامات التجارية، إضافة إلى سهولة الحصول على البطاقات الائتمانية، كما عززتها وسائل الترويج والإعلانات عبر «السوشيال ميديا»، والتي جمّلت وحسّنت وزيّنت صورة كل شيء، بغض النظر عن حقيقة هذه الأشياء!

هذه الأنماط الاستهلاكية الجديدة جعلت كثيراً من أفراد المجتمع يعيشون حياة لا تناسب مستوياتهم، وجعلتهم يلهثون وراء كل جديد، ولا يمانعون في التضحية بالأساسيات والأشياء المهمة، في سبيل الحصول على الكماليات التي يعتقدون أنها تحسّن صورتهم، وترفع وضعهم ومستواهم الاجتماعي، لذلك معظم مشكلات الديون والاقتراض سببها الرئيس عشوائية وفوضى الاستهلاك، كما أن الإحساس بالضغوط الاقتصادية يتزايد بشكل واضح، مع ضعف مهارات وممارسات التخطيط المالي السليم.

هذه السلوكيات، وغيرها من الممارسات الخاطئة السائدة في المجتمع، لها تداعيات سلبية مباشرة على معدلات الرضا عن الحياة، والشعور بالسعادة لدى أفراد المجتمع، فهناك من يشعر بالإحباط والاكتئاب بسبب ما يراه عند غيره، حتى إن كان هو لا يحتاجه، إنه حب التملك وحب التباهي، وهناك من يرى ويعتقد أن حياة غيره على وسائل التواصل الاجتماعي أفضل وأجمل من حياته، رُغم أنه لا يرى سوى قشور، في حين أنه عملياً لا تنقصه مقومات الحياة السعيدة، لذا فالعيش في الواقع الافتراضي داخل منصات التواصل الاجتماعي هو سبب رئيس في تكريس وتعزيز هذه الممارسات والسلوكيات السلبية، وهو سبب رئيس في سلب الرضا والسعادة من حياة فئات اجتماعية عدة.

السعادة ليست في تملك الكماليات، وليست في حياة افتراضية مزيفة، وليست في ما يحاول مشاهير التواصل الاجتماعي إقناعنا به، من أجل حصولهم على عائد مالي، بل السعادة في الرضا، والسعادة في الاستمتاع بكل ما أعطانا إياه الخالق من خير ورزق في أيدينا، وليس ما يملكه غيرنا.

نحتاج أن ننشر ثقافة العطاء، بدلاً من ثقافة الاستهلاك التنافسي، ونحتاج أن نكرس قيم التواضع والقناعة، ونحتاج أن نعلم أبناءنا الكثير من السلوكيات والممارسات التي تكرس في نفوسهم الرضا والاستقرار والسعادة، لا تلك السلوكيات التي تجعلهم في لهاث مستمر مع واقع افتراضي يستنزفنا ويستنزفهم.

ونحتاج، أيضاً، أن نعلم أبناءنا أن المكانة الاجتماعية تأتي بالعمل وإتقانه، وتأتي بخدمة الوطن والمجتمع، وتأتي بما نقدمه وننتجه لا بما نشتريه، المكانة الاجتماعية لا تأتي أبداً بالكماليات والسطحيات، والاستهلاك والتباهي، هذه الرسائل التي ينبغي أن نغرسها في المجتمع، وإذا استطعنا أن نصل بأفراده إلى هذه القناعة، فإننا بذلك سنصل إلى الحل!

twitter@samialreyami

reyami@emaratalyoum.com

 لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر