Emarat Alyoum

البِرُّ والإثم

التاريخ:: 12 أكتوبر 2018
المصدر:
البِرُّ والإثم

روى مسلم وأصحاب السنن - رحمهم الله تعالى جميعاً - من حديث النَّوَّاس بن سَمعان رضي الله عنه، أنه جاء يسأل النبي عليه الصلاة والسلام عن البِر والإثم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «البر حُسن الخلق، والإثم ما حاك في نفسك، وكرهت أن يطَّلع عليه الناس»، وهذا من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، فقد جمع خيري الدنيا والآخرة في كلمة واحدة، وقد كان النواس رضي الله عنه حريصاً على أن يعرف أبواب البر كلها تفصيلاً، وذلك مما يصعب ذكره، فجمع له النبي عليه الصلاة والسلام أبواب البر والإثم بهذا التعريف الجامع المانع.

وقد كان الصحابة الكرام، رضي الله عنهم، حريصين على التفقه والتعلم ممَّن بُعث معلماً، عليه الصلاة والسلام، فكانوا يسألونه أسئلة عامة وخاصة في كل أمور الدين وجزئياته وفروعه، إلا مسائل الإيمان، فما كانوا يحرصون على الاستفصال عن دقائقه، لعملهم أن الله تعالى يريد منهم الإيمان الصادق بما أخبر به من غير إعناتهم بما هو فوق إدراك العقول، لأن العقل محدود الفهم والإدراك، أما الأمور العملية فكانت أسئلتهم عنها كثيرة، حتى نهاهم ربهم سبحانه عن كثرتها، أما المسائل النافعة كهذا السؤال أو سؤال الأعرابي عن الساعة ونحوها فلم ينهوا عنها، وقد كانت مفاتيح لمثل هذه الخزائن النبوية التي فتحت لأمته عليه الصلاة والسلام أبواب البر كلها.

وقد عدد الله تعالى في كتابه المبين أنواعاً من البر، في أربع آيات منه، لا تخفى على المسلم، وجاء هذا الكلام النبوي البليغ جامعاً لأبوابه المختلفة، بأنه «حُسن الخُلق» والمراد به: «الإنصاف في المعاملة، والرفق في المحاولة، والعدل في الأحكام، والبذل في الإحسان»، فمن حسُن خُلُقه، عرف ربَّه الذي خلقه فسواه فعدله، وأمده بنعمه، وغذاه بما خلقه من الخيرات لأجله، فيؤمن به، ولن يشرك به أحدا، لأن ذلك هو جزاء الإحسان. ومن حسُن خُلُقه شكر من أسدى إليه الإحسان بما استطاع أداءه من الشكر، وقد أراد سبحانه من خَلْقه أن يؤمنوا به ويعبدوه فيكونوا له شاكرين.

ومن حسُن خُلُقه عرف حق نفسه، وحق غيره كذلك، فيؤدي حق نفسه، وهي أولى من يَحسُن الخُلُق معها، كما أمر الله تعالى عباده بذلك، وذلك بفعل ما ينفعها وترك ما يضر بها عاجلاً أو آجلاً، فيقيها مهالك الشهوات، ويحثها على ما فيه فلاحها ونجاحها بفعل الخير، والتعاون على البر، وهجر السيئات، والابتعاد عن المعاصي، والامتناع عن مجالسة أهل السوء، والمسارعة إلى الخيرات، فكل ذلك لمعرفة حق النفس وأداء هذا الحق.

ومن حسُن خُلُقه عرف حق الغير بالإنصاف والعدل - إن لم يقدر على بذل الفضل - وإعطاء الحقوق، وعدم التكبر على أحد، مع الرحمة والرأفة بهم، والنصح لهم، وعدم الحسد أو البغض أو احتقار أحد منهم، فكل ذلك من حسن الخلق الذي يتحقق به البر المنشود.

أما الإثم فهو ضد الخُلُق الحَسن، وهو لكثرته لا يعده عاد، فقد يكون كبيراً فيعرف الناس من اتصف به، أو صغيراً فلا يعرفونه به، لكن المرء يعرف نفسه، وذلك بما يجده في صدره من اللَّوم والمحاسبة، وعندئذ عليه الابتعاد منه، حتى لا يكون من الآثمين، كما جاء في حديث وابِصَة بن مَعبد رضي الله عنه، فقد جاء يسأل النبي صلى الله عليه عن مثل مسألة النواس، فقال له: «جئت تسأل عن البر، والإثم؟» فقال: والذي بعثك بالحق ما جئت أسألك عن غيره، فقال: «البر ما انشرح له صدرك، والإثم ما حاك في صدرك، وإن أفتاك عنه الناس».

وهكذا كان الصحابة، رضي الله عنهم، يحرصون على سؤال ما ينفعهم وينفعنا من بعدهم، فاستُدِل من ذلك على مشروعية السؤال الهادف من العالم المتخصص، وعلى أن نيل البِر أمر سهل، يمكن لكل إنسان عاقل أن يكون من أهله، كما قالت العرب في حكمها:

بَنيَّ إن البِر شيء هيِّنُ * وجهٌ طليقٌ وكلام ليِّنُ جعلنا الله وإياكم من أهل البر والإحسان.

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .