Emarat Alyoum

المُعلِّم والتعليم

التاريخ:: 13 أكتوبر 2017
المصدر:
المُعلِّم والتعليم

يحتفل العالم بيوم المعلم احتفال تكريم وتقدير لمن ينشِّئُ الأجيال، ويبني المستقبل، ويجعل الإنسان بالمستوى اللائق بتكريم الله تعالى له، فقد كان العلم مناط تكريمه، وسبب تميزه في الأرض المستخلَف فيها، حتى على الملائكة الأكرمين، فالعالَم يعرف هذا، ويعرف أن تقدم الشعوب والدول رهن بيد المعلم، لأن الإنسان خلق وهو لا يعلم شيئاً، فجعل فيه خالقه سبحانه خاصية تعلم المعارف المختلفة، لذلك أمره بأن يتعلم بصيغة «اعلموا» و«اعلم» ونظائرهما في المعنى، ليعرف الإنسان بعلمه ما له وما عليه، وما وظيفته في هذه الحياة، فإن الله تعالى لم يخلقه عبثاً، بل لحكمة أرادها خفيت على الملائكة الكرام.

وقد أودع الله تعالى بعض أسرار كونه في معارف معيَّنة، دعا الناس إلى كسبها والاستزادة منها، وأنهم مهما بلغوا من العلم والمعارف فإنها تعتبر نزراً يسيراً بجانب ما يخفى عليهم، والذين يرشدون إلى تلك المعارف هم العلماء المعلمون الذين يفتحون أسرار العلوم للناس جيلاً بعد جيل.

وقد وصلت المعارف اليوم إلى حال لم يكن مثلها في السابق، من حيث الاستكشاف وتحقيق نتائج باهرة ظاهرة، جعلت العقلاء يخرون للأذقان سجداً لله تعالى على عظيم خلقه، وبديع صنعه، وتسخير كونه لعباده.

والمعلم هو مفتاح كل خير، وباب كل رُقِيٍّ، فحُق له أن يكون في المحل اللائق بين تلاميذه وجميع مجتمعه، وقد نوَّهت الشريعة الإسلامية بمكانته تنويهاً عظيماً بدلائل الكتاب والسنة التي رفعت شأن العلم والعلماء، واستشهدهم الله تعالى في أجلِّ مشهود به وهي وحدانيته سبحانه، وقرن مكانتهم بمكانة النبيين والملائكة المقربين، وإشارة إلى ذلك يقول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «إن الله وملائكته وأهل السموات والأرضين، حتى النملة في جُحرها، وحتى الحوت، ليصلون على معلم الناس الخير»، وقال: «ليس من أمتي من لم يجلَّ كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه».

كل ذلك هو تنويه بحق المعلم حتى يكون الناس على بينة منه، فيؤودون هذا الحق، فيكون ذلك تشجيعاً له ليبذل أكثر فأكثر، وينفع أجزل وأوفر، وقد كان الناس ولايزالون يرددون «من علمني حرفاً كنت له عبداً» وهو تعبير صادق كريم.

ومهما بلغ الناس من تقديره، فإن ذلك قد لا يفي بحقه، وكما قال شوقي رحمه الله:

أعلمتَ أشرفَ أو أجلَّ من الذي ... يبني وينشئُ أنفساً وعقولا؟!

فمن كان بهذه المثابة فإن حقه كبير، فعلى التلاميذ أولاً، وعلى الدولة ثانياً، وعلى المجتمع ثالثاً، أن يوفوا له وفاءً يجعل الأجيال تسعى لمثل مكانته سعياً حثيثاً.

وأجلّ حقوقه على التلاميذ هو كمال الأدب معه، وبالغ الإصغاء لعطائه، وتنفيذ توجيهاته التربوية والمعرفية، والثناء عليه والدعاء له، وإكرامه حياً وميتاً.

وأجلّ حقوقه على الدولة - وقد اختارته وانتقته انتقاءً - أن تُسخر له إمكاناتها المعرفية والمادية والنفسية حتى يستطيع أداء رسالته على الوجه الأكمل، كما يحكى عن رئيس وزراء اليابان حين سُئل عن سر التطور التكنولوجي في اليابان، فأجاب: «أعطينا المعلم راتب وزير، وحصانة دبلوماسي، وإجلال الإمبراطور» ومثل هذه الأقوال كثيرة في تراثنا الإسلامي.

ولا ريب أن هذا الإكرام المادي مهم ونافع وخلاق للكفاءات العلمية، إلا أن الإكرام الأدبي من أهم المهام، وقد مثله شيوخنا الأكارم أحسن تمثيل، بإكرام المعلمين عموماً، ومعلميهم خصوصاً، بتلك الزيارات والاعتبارات والعبارات الطيبة البليغة، التي هي في الحقيقة دروس عملية لأبناء المجتمع نحو معلميهم.

أما المجتمع - فمع إجلال المعلم وإكرامه - عليه حق آخر، هو أن ينافس في ميادين التعليم، فيسعى أفراده إلى العلم والتعليم، حتى يوجد في المجتمع المعلم الكفؤ المتخصص تخصصاً دقيقاً، فيسد حاجة المجتمع من التخصصات العلمية المختلفة، وهذا يسمى في الفقه واجباً كفائياً، فيأثم المجتمع كله إن لم يكن لديه من الكفاءات العلمية ما تسد حاجته الشرعية والفنية.

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .