أبواب

آليس في بلاد.. الغرائب!

محمد المرزوقي

أثناء المحاكمة العجيبة التي تجري في الفصل الأخير من رواية «آليس في بلاد العجائب»، وذلك لأحد مواطني بلاد العجائب، تصرخ الملكة العجيبة بأمرها اليومي «الحكم أولاً والمحاكمة لاحقاً»! أمر يومي رائع بالنسبة للمهووسين بإطلاق الأحكام المسبقة على الآخرين.. وكتبهم!

لم يدر بخلد «لويس كارول» عندما كتب هذه الرواية الهزلية، أن العالم الحقيقي أكثر هزلاً وعجائبيّة من بلاد العجائب. ففي عام 1931 أصدرت الصين حكماً بحظر الرواية لأنها «تجعل الحيوانات والبشر سواسية»، ولأنّه «لا ينبغي أن تستخدم الحيوانات لغة الإنسان»! حكمٌ عجيب حتى بالنسبة لمحكمة بلاد العجائب ذاتها!

أما في الشرق الأوسط، بلاد العجائب والغرائب.. والمصائب. فقد أصدر رجل الدّين السعودي محمد البراك قبل أيام بياناً يتهم فيه الكاتب السعودي عبدالعزيز السويد بالكفر، إلى جانب تهم أخرى كالإلحاد والضلال، بسبب مقال فلسفي نشرته صحيفة «المدينة». والمضحك (أو المبكي لا فارق) في الأمر، أنّ البرّاك يقرّ - في بيانه - أنّ مقال السويد يكتنفه الغموض، ومع ذلك لم يردعه ذلك الغموض\الاشتباه من إباحة دم وكلمات عبدالعزيز السويد!

كان جرم عبدالعزيز السويد الوحيد أنه ضغط بقلمه على الأماكن المهجورة في الإبداع، وخرج بمقاله عن الدّروب المطروقة في الفكر. فهل هي مصادفة أن يكون المصدر الاشتقاقي للبدعة والإبداع في اللغة العربية واحدًا؟ وأن يكون الفكر مرادفاً - أبدياً - للكفر في مجتمعاتنا العربيّة؟

في فترة مضت أصدرت إسبانيا قانوناً يقضي بسجن كل من يكتب نقداً لكتابٍ لم يقرأه. قانون يتضمن فهماً أخلاقياً عميقاً لحرمة الكلمة. فالتجرؤ\التجني على حرمة كتاب جريمة تشبه في بشاعتها جريمة الاعتداء بالضرب والقذف!

وهذا يجري في إسبانيا، لا في بلاد العجائب، حيث أصبح كل من تعلمّ فكّ الخط ناقداً يعتقد أنه حاز رخصة شهر مسدسٍ على أيّ كتاب\كاتب من دون أن يقرأه. نحن بحاجة ملحة لقانون شبيه بالقانون الإسباني، مع إضافةٍ بسيطة، أن تكون عقوبة السجن مقرونة بأشغال شاقة تتضمن قراءة جميع كتب المؤلف الذي تجنّى عليه المتّهم المدان!

رضا القرّاء غاية لا تدرك، ودوماً سيكون هناك ذلك القارئ الساخط \الغاضب. فإن لم يكن - غضبه - من الكلمات التي تخدش الحياء - بنظره -، فسيكون من الأفكار التي تعتدي على الثوابت، وإن لم يكن من الأفكار، فهو من الثوابت التي تعتدي على الثوابت، وهلم جرا. وهكذا يصعب خلق توازن بين رضا الكاتب عن نصّه، ورضا القرّاء عن الكاتب ونصّه!

وهُنا يبرز سؤال ملحّ للكاتب والقارئ: أيّهما أسهل\أفضل عقلاً ومنطقاً،

أن يراعي الكاتب - في ما يكتبه - عشرات أو مئات القرّاء على اختلاف أفكارهم، عقائدهم، مذاهبهم، وأذواقهم.. إلخ؟ أو أن يراعي كل هؤلاء كاتِباً واحداً ذا أسلوب وطريقة معينة في الكتابة، فمن أراد قرأ له، ومن لم يرد تركه.. دون أن يشتمه ويكفّره طبعاً؟

شخصياً، أعتقد أن الكاتب الذي يختار أن يرضي أذواق جميع القراء - على حساب رضاه عن نفسه - سيتحول في النهاية إلى «جرسون» يكتب النصوص بالشوكة والسكين، ويقدمها ساخنة لقرائه.. أملاً في «بقشيش» قد يأتي وقد لا يأتي.

al-marzooqi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر