كل يوم

لن يحدث إلا في اليابان

سامي الريامي

لم تعانِ دولة صناعية في العالم الخسائر البشرية والمادية مثل ما عانته اليابان في كارثة الزلزال الذي ضربها في الآونة الأخيرة، فالمنظر العام لمعظم المناطق اليابانية يشبه كثيراً كارثة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وهذا الزلزال الأخير أسوأ بكثير من زلزال طوكيو عام ،1923 وزلزال كوبي عام ،1995 والأضرار تجاوزت الـ260 مليار دولار، وهذه كارثة كفيلة بانهيار أي دولة أخرى، أصناعية كانت أم زراعية، لكن بكل تأكيد ليست اليابان!

الزلزال لن يجر اليابان إلى حافة الانهيار، ليس لأنها قوة اقتصادية فحسب، بل لأنها دولة منظمة، وتضم شعباً يعشق النظام والتحدي، شعب يملك قوة اجتماعية هائلة، ويملك وعياً وثقافة تفقدهما شعوب العالم كافة، وتجارب اليابان السابقة تؤكد أن مرونة الشعب الياباني واعتياده على تجاوز المحن والكوارث بنجاح، يجعلانه مؤهلاً لتجاوز الكارثة الحالية بامتياز قد يكون علامة على حقبة جديدة في هذا البلد.

يقول أستاذ إدارة السياسة في جامعة «كيو» ايجي او غوما: «إذا لم تكبر المشكلة النووية، فلا أعتقد أنه سيتم ذكر هذه الكارثة على أنها حادث كبير، فلا يوجد ذعر في منطقة طوكيو، ولا يتم فرض حظر تجول»!

أمر يثير الإعجاب والاهتمام، قوة شعب اليابان الاجتماعية لا مثيل لها، لا في الغرب المسيحي، ولا في الشرق المسلم، تجربة لم يشاهدها العالم في أغنى وأكبر دوله، ولا في أفقرها بالضرورة، فالمتاجر في منطقة فوكوشيما خفضت أسعارها إلى النصف عندما ضربها الزلزال، ولم يعرف اليابانيون معنى السلب والنهب استغلالاً للأوضاع الكارثية، مثل ما حدث ويحدث في بلدان أخرى في أزمات شبيهة، مثل بريطانيا خلال فيضانات 2007 أو شيلي إثر الهزة الأرضية العام الماضي، وحتى في الولايات المتحدة الأميركية، حيث حدثت سرقات بمعدلات عالية خلال إعصار كاترينا، والأمثلة كثيرة في مختلف دول العالم، إلا اليابان، فهي الاستثناء الوحيد، فالناس أرجعوا البضائع إلى الرفوف بمجرد انقطاع الكهرباء عن المتاجر، بل إنهم يتفادون دخول أي متجر أثناء أو عقب أي هزة، إذا كان المتجر يخلو من الموظفين، حتى وإن كانت جميع أبوابه مفتوحة!

الناس في اليابان يبحثون عما يجمعهم ولا يفرقهم، خصوصاً في أوقات الأزمات، فهم يحافظون على الطوابير لشراء السلع، ويحافظون على هدوئهم بشكل غريب كأنه مدروس، وحتى حزنهم تراه مقتصراً على دموع صامتة، فلا صراخ ولا نواح، الناس لا يهرعون إلى الشوارع بشكل هستيري وعلى غير هدى، بل يعرفون وجهتهم، وما ينبغي عليهم فعله، وفي كل بيت هناك حقيبة صغيرة شبه جاهزة، يحملها رب الأسرة وقت الزلزال سريعاً ويخرج، يحتفظ فيها بجوازات السفر والأشياء المهمة جداً، وكل ما خف وزنه وغلا ثمنه!

تقول الكاتبة الأميركية ريبيكا سولنيت، التي نشرت كتاباً حول هذا الموضوع عام 2009 بعنوان «جنة بنيت في الجحيم»: «عندما يكون لديك شعب يعرف مسبقاً كيف يتصرف، فإن ذلك يوفر لك مجالاً للتفكير المنظّم السليم، ووضع الحلول الناجعة بسرعة كبيرة». فهل يمكن أن نرى ذلك في غير اليابان؟ لا أعتقد ذلك!

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.

تويتر