كل يوم

أقسى من الموت..

سامي الريامي

الموت هو أصعب ما يواجهه الإنسان، هذا ما يعتقده كثيرون، لكن هناك ما هو أشد وأقسى وأصعب من الموت، وهو أن يتحول الإنسان السوي السليم في لحظة وقتية سريعة إلى عاجز لا يستطيع تحريك أي طرف من أطرافه، ولا يملك التحكم إلا في جفون عينيه، يغمضهما ويفتحهما ليبكي على حاله الجديدة.

لاشك أن الموت فجيعة للأسرة والأهل، خصوصاً إن كان المتوفى شاباً في مقتبل العمر، لقي حتفه بسبب دراجة نارية، بغض النظر عن المتسبب في الحادث، ولكن مع ذلك فالمتوفى فارق الحياة، بجروحه وبآلامه، فلن يتألم معها ثانية، لكن كيف سيواجه المشلول شللاً كاملاً أو جزئياً الحياة بوضعية جديدة؟ وكم حجم الألم اليومي الذي سيعانيه هو شخصياً ومعه جميع أفراد أسرته جراء تمضيته بقية حياته عاجزاً ممدداً على سرير ؟

إنها ليست كلمات خيالية، بل هي حقيقة واقعة، وهناك نماذج كثيرة تقبع في المستشفيات والمنازل، تعصر القلوب ألماً وحسرة، هناك الكثير من الشباب أصبحوا مقعدين وعاجزين، ومنهم كثيرون أيضاً يحاولون التكيف والتعايش مع عاهة مستديمة بسبب حوادث الدراجات.

مآسٍ حقيقية بين جدران المستشفيات، تجعلنا نستشعر أهمية إطلاق مبادرة لمحاولة الحد من حوادث الدراجات النارية والترفيهية، والحقيقة تؤكد أننا نحتاج إلى أكثر من مبادرة، ونحتاج إلى كثير من القرارات والأنظمة والقوانين الحاسمة التي تستطيع التقليل بشكل فاعل وعلمي من حوادث الدراجات التي يذهب ضحيتها عشرات من شباب الإمارات، ويصاب عشرات إن لم يكن مئات غيرهم بإصابات بليغة.

نحتاج إلى كثير من الجهود القانونية والتنظيمية، للسيطرة بأي نسبة ممكنة على أعداد الوفيات والإصابات، ولا نختلف أبداً مع رئيس نيابة السير والمرور في دبي المستشار صلاح بوفروشه، الذي يقول إن هناك «إشكالية كبيرة في ثقافة بعض الشباب متعلقة بالقيادة في الصحراء، تتمثل في اعتقادهم أن القانون لا يطبّق هناك، لكنهم يفاجأون بعد الحادث بأنهم رهن التحقيق»، نعم هناك إشكالية في عقليات بعض الشباب، هي بالفعل غامضة، فمنهم من يشتري دراجة ترفيهية رباعية، ويصرّ على رفعها لقيادتها على عجلتين، ولعل الحادث الذي وقع في الصحراء أخيراً يكشف خطورة هذه الحركة، إذ كان الشاب يقود دراجته الرباعية على عجلتين، وفوق تل رملي فلم يلحظ بالتأكيد جلوس شاب وفتاة على أحد جوانب التل فدهسهما، ما أدى إلى إصابتهما إصابات بليغة، وهناك بعض الشباب يقود دراجة نارية ويصرّ على رفع إحدى عجلتيها ليقودها مسافات طويلة بسيطرة أقل، ولا أحد يعرف أين تكمن المتعة!

معظم الحوادث تنجم أساساً عن مخالفة القانون، والصحراء ليست منطقة دولية لا تخضع لقوانين الدولة، بل هي جزء لا يتجزأ من الدولة، تنطبق عليها كل القوانين، وتحتاج في الوقت نفسه إلى قرارات وقوانين تنظيمية إضافية، وهذا ما يجب أن تسعى إليه الجهات المعنية خلال الفترة المقبلة.

مبادرة «صحراء بلا دماء»، مبادرة مميزة، ولضمان نجاحها لابد أن تختتم ببعض التوصيات الضرورية التي يمكن أن تتحول مستقبلاً إلى قوانين ملزمة بهدف التقليل من حوادث الدراجات وزيادة الانضباط لدى محبي هذا النوع من الترفيه، حتى يتحول من ترفيه قاتل إلى ترفيه آمن.

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر