من المجالس

ليس عصر الحمام الزاجل

عادل محمد الراشد

تجاوز العالم ثورة المعلومات إلى ثورة المعرفة، ثم انطلق سابحاً في ما يسمى «الفضاء المفتوح»، متجاوزاً كل الحدود إلى درجة أصبح فيها رصد حركة الأفراد داخل حدائق منازلهم متاحاً لمن يريد على «غوغل ايرث» بعد أن كان حكرا على أجهزة استخبارات الدول العظمى، ولكن أكثر الدول العربية لاتزال تعيش زمن الحمام الزاجل وراوي الربابة، تتعامل مع المعلومة كأنها ملكها وحدها، وتنظر إلى وسائل الإعلام بعين عوراء، وتظن أن الحقيقة ملكها دون غيرها، تلويها كيفما تشاء، وتزيّفها حسب ما تريد، وتلوّنها على هواها. هذه الحال ترسخت في الواقع العربي إلى درجة التكلس، فأصبح عصيا حتى على صانعيها الالتفات إلى غيرها، مهما كانت أصوات هذا الغير عالية إلى درجة الضجيج، وأنفاسهم ساخنة إلى درجة الكي، فأدت إلى انفصال قاد إلى عزلة تامة، تكره سماع غير صدى أصواتها، إلى أن يرتد الصدى على أصحابه فيتجاوز الآذان إلى المكان، وينزل بالمكانة إلى درك المهانة. العالم لم يعد قرية كما كان يقال قبل سنوات قليلة، ولا حتى حياً في قرية، بل أصبح بيتا دون جدران، وقاعة مفتوحة دون قواطع، كل شيء فيها متاح إلى درجة التعري، ومع ذلك فإن بعض الحكومات العربية لاتزال تلجأ إلى حجب موقع إلكتروني، وتمنع دخول صحيفة، وتحاول التشويش على قناة تلفزيونية، فتظن أنها تملك مفاتيح الفضاء غير المحدود، ويجلس مسؤولوها أمام الشاشة يناظرون صورهم، ويستمعون إلى صدى أصواتهم، ويقلبون صفحات صحفهم التي نالت منها الأرضة، فلا يجدون غير ذوات متضخمة، تحجب عنهم وحدهم الرؤية، ثم بعد ذلك يكونون «ضحايا» المفاجأة التي لم يحسبوا حسابها.

النظرة إلى الإعلام في الوطن العربي بحاجة إلى تغيير جذري، يعترف فيه المسؤول بأن الحقيقة ملكية مشاعة، لا يمكن لأحد أن يحتكرها، وإن تمترس بمئات الأجهزة البيروقراطية وآلاف الصباغين.

adel.m.alrashed@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر