أبواب

عندما نحدد الاتجاه

يوسف ضمرة

ألغت المغنية الفرنسية فانيسا برادي حفلاً فنياً، كان من المقرر أن تحييه في تل أبيب في الـ12 من فبراير الماضي.

قد يبدو الأمر للوهلة الأولى أن المغنية الفرنسية استجابت لوخزة ضمير متأخرة، ولكن المدقق في الخبر يلحظ أن هناك تحركاً عربياً ودولياً (منظمة يورو فلسطين) كان هو السبب المباشر لهذا القرار.

قد لا يبدو القرار للكثيرين مهماً أو مؤثراً، أمام حجم الدعم الدولي الكبير الذي يحظى به الكيان الصهيوني، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، لكنه في جوهره يشكل حافزاً لمزيد من التحرك العربي والدولي على المستويات الثقافية تحديداً، لكي تتغير تلك الثقافة الأوروبية والعالمية النمطية، التي لاتزال ترى في العدو الصهيوني ضحية النازية، وعلى المجتمع الدولي أن يراعي مشاعر هذه الضحية، مهما ارتكبت من مجازر بحق غيرها من الفلسطينيين خصوصاً والعرب عموماً.

مشكلة الغرب في المقام الرئيس هي مشكلة ثقافية في هذا السياق، فالغرب يريد تبرئة ضميره أو تنقيته من ما علق به من شوائب، تمثلت في عنصريته السافرة ضد اليهود وغيرهم في أوروبا، والغرب لا يبالي، حتى اليوم، بنتائج هذه الثقافة المدمرة، التي تؤدي في نهاية المطاف إلى تحويل الضحية المفترضة إلى جلاد آخر، والسبب الرئيس في اللامبالاة الغربية يكمن في ضعف الثقافة العربية في مواجهة الثقافة الغربية العنصرية، فلا الأنظمة الرسمية العربية أولت هذا الأمر أهمية، ولا المثقفون العرب انتبهوا إلى هذه المسألة، ومدى الجدوى في مقارعة الثقافة العنصرية، كما أن بعض الثقافة الذي لامس هذا الأمر كان يتوجه إلى الجمهور العربي أكثر من توجهه إلى الهدف الحقيقي.

فالكيان الصهيوني يعمل منذ إنشائه على وضع قناع الثقافة الإنسانية، فيُعلي دولياً من شأن الفنون والآداب كلها، ويفتح قنوات اتصال مع أهل الثقافة العالمية والفن العالمي، بأشكاله وأجناسه المتعددة، وهو يبدو في ذلك نصيراً للقيم الإنسانية التي يتغنى بها الفن والأدب.

وقد كان علينا منذ زمن بعيد أن نخوض هذه المعركة الثقافية، ولكننا لم نفعل إلا متأخرين، وعلى استحياء واضح، ولكن «أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي أبداً»، فهذه المنظمة الدولية، التي ترفع شعار السلام، تجد لها مؤيدين يزدادون يومياً، وفي العالم كله، وعلى الرغم من الغصة التي تصيب المظلوم، وهو يرى مساواة الجلاد بالضحية في مثل هذه المنظمات، ويرى كيف يتحول الصراع إلى نزاع على التسويات والسلام، فإننا لا نستطيع أن نتجاهل هذا الدور، مهما كان صغيراً أو منقوصاً، بالنظر إلى ما يمثله كخطوة أولى على طريق التصدي للثقافة الغربية العنصرية، التي تشكل حجر الزاوية في كل هذا الدعم الدولي المهول للكيان الصهيوني.

المهم في الأمر هو ألا نتوقف عند هذه الخطوة، وألا نعتبرها نهاية المآل والصراع، أو الشكل الوحيد لخوض الصراع مع العدو الصهيوني، وإنما مجرد خطوة في الاتجاه الصحيح، ينبغي لها أن تقودنا إلى خطوات أخرى أكثر أهمية وتأثيراً في الثقافة الغربية العنصرية، ضمن الثوابت الأساسية للشعب الفلسطيني، المتمثلة في الإصرار على استرجاع حقوقه المغتصبة.

damra1953@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.

تويتر