أبواب

الحداثة وما بعد الحداثة في السينما

قيس الزبيدي

كانت «الحداثة» في القرن الثامن عشر، حركة تمرد اجتماعية، استقت مرجعيتها وقيمها من الثورة الصناعية، تلك الثورة التي غيرت كل العلاقات الاقتصادية والاجتماعية. أما «ما بعد الحداثة» فقد استقت مرجعيتها من التغيرات البنيوية التي حدثت في حقبة ما بعد «الصناعية»، التي استطاعت فيها الثورة المعلوماتية أن تنقل العالم الميكانيكي الى العالم الالكتروني/ الافتراضي. على هذا لم تكن الحداثة ولا ما بعد الحداثة ابتكارين في السينما، على الرغم من أن كليهما مارسا في السرد الفيلمي، في الستينات والثمانينات، دوراً مميزاً في مواجهة السينما التقليدية.

عندنا الآن في المكتبة السينمائية كتابان جديدان، يعالج أولهما المُترجم موضوع سينما الحداثة، بينما يعالج ثانيهما المُؤلف موضوع سينما ما بعد الحداثة.

نمت فكرة كتاب «السينما والحداثة» ـ ترجمة محسن ويفي ـ من إعادة قراءة لذلك الجدل العارم في مجلة «كراسات السينما» حول فيلم ألان رينيه «هيروشيما حبي» لأن النقاد، وقتئذ، لم يعرفوا أين يضعونه في سياق التاريخ السينمائي، على الرغم من أنه جدّد الإحساس بنقاوة فن السينما. ويحاول المؤلف جون اور، بعد 30 عاماً، أن يجيب عن السؤال الذي طُرح وقتئذ حول نوعية الأفلام التي تجاوزت الأسلوب السردي التقليدي لتصبح سينما المستقبل ويتناول، في الوقت نفسه، دراسة افلام سنوات 1958 الى ،1978 وهي السنوات الحيوية، التي عقدت الصلة بين السينما والحداثة.

برزت في الستينات والسبعينات أعمال حديثة، لم يكن عمرها السينمائي طويل الأجل، ففي هوليوود أجهض إنتاجها بفعل سياسة السوق، وفي اوروبا تعرضت لمخاطر الرقابة المُزدوجة وحوصرت من قبل الدكتاتورية. وتلازم الأمران لإحباط استمرار تقاليد أفلام ايزنشتين وبونويل ودراير ولانغ وغيرهم، ومع أن أفلام سينما الحداثة انتشرت في العالم منذ العام 1970 أصبحت افلام ساتيجيت راي وأكيرا كيروساوا وغلوبير روشا وأندريه فايدا واندريه تاركوفسكي، كالحداثة نفسها، كونية.

يخصص الناقد علاء عبدالعزيز السيد في كتابه الجديد «ما بعد الحداثة والسينما/ الفن السابع (183 ـ 2010) دمشق» دراسة تفصيلية مُسهبة في فصول ثلاثة يخصصها لإعادة قراءة مفهوم الحداثة والتغيّرات التي طرأت على الحضارة الغربية منذ مرحلة الثورة الصناعية حتى وصلت الى حافة القرن العشرين، كما يخصص إعادة قراءة ثانية لمفهوم ما بعد الحداثة ويستعين بمئات الاستشهادات، المنتقاة، التي تزيد مصادرها المؤلفة والمترجمة على أكثر من 430 مصدراً، لينهي صفحات كتابه الأخيرة في دراسة ما يسميه انعكاسات ما بعد الحداثة في «تمثلات الصورة» ويختار لتحليله سبعة افلام هي «اوديسا الفضاء» و«عيون واسعة مغلقة عن اخرها» و«21 غرام» و«نادي القتال» و«الخط الأحمر الرفيع» و«المصفوفة ـ متريكس» و«عدو الدولة».

يعتبر النقد الانجليزي أن تيار ما بعد الحداثة لم يبتكر اسلوبه الخاص، انما أظهر هيمنة ثقافية للرأسمالية المتأخرة، كما يعتبر الناقد نويل كارول الفيلم ما بعد الحداثي، ونموذجه فيلم «مخمل ازرق» لدافيد لينش ،1986 الفيلم الذي يتبع فقط خطوات التقاليد الطليعية السينمائية. والكتاب، على الرغم من اهميته الفكرية شبه الموسوعية، إلا انها لا تتوغل كفاية في الأساليب الفكرية والفنية الخاصة لتلك الأفلام، التي حاول مخرجوها ان يتوجهوا الى جمهور شاشة السينما السحرية الواسع، لكي يعيدوه الى عالم الواقع.

alzubaidi0@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر