أبواب

تعويم الذائقة

أحمد السلامي

يحتاج القارئ أحياناً إلى استحضار القليل من القسوة ليتجاهل قراءة كل ما يقع بين يديه، فالمطابع لا تتوقف عن طباعة الكم الذي لا يعني شيئاً في ميزان الكيف.

وبوسعنا أن نشفق على القارئ الذي يظل على الدوام واقعاً تحت ضغط الواجب الأخلاقي الذي يحتم عليه قراءة كل جديد، وليس كل جديد مدهشاً وممتعاً بالضرورة.

ومن يتابع الساحة الأدبية العربية يلمس وجود ما يشبه التواطؤ الجماعي ضد القارئ، فالأخير مغيب تماماً وبعيد عن أذهان الكتاب والناشرين.

وفي ما يتعلق بغياب وظيفة المحرر في دور النشر العربية، يفاجئك البعض باستنكار هذا الغياب، مدللاً على فداحته بسرد كم الأخطاء الطباعية في الكتب المنشورة، بينما ليست وظيفة المحرر مجرد تصحيح الأخطاء، بل إن وظيفته تتصل بتقييم العمل والحكم على مدى صلاحيته للنشر وما الذي يضيفه إلى الإبداع.

إنهم لا يتجاهلون القارئ من أجل التواؤم مع المقولات النقدية التي تحرض على السير في هذا الاتجاه، لكن التجاهل هنا ينم عن حالة ارتباك ممتدة في المشهد الأدبي العربي، وهي حالة تجعل المنتج الأدبي يسهم على الدوام في مراكمة القطيعة مع المتلقي.

ما يجري على ساحة الكتابة والنشر يوحي كذلك بوجود اتفاق غير ضمني على تعويم الذائقة لمصلحة إنجاز نصوص تتهرب من تلبية الحد الأدنى من الكتابة الاحترافية المعنية بإمتاع القارئ.

قد تكون الرواية أحسن حالاً من الشعر والنقد، لكن الكتابات السردية الجديدة بصورة عامة لاتزال معنية بإنجاز متعة لكاتبها قبل قارئها.

وثمة مهمات أخلاقية وتاريخية لاتزال تحاصر بعض الكتاب وتوجه كتاباتهم على حساب احتراف الكتابة ذاتها، لذلك لم تفلح العقود الماضية في خلق قارئ مخلص لكاتب بعينه، إلا في ما ندر، والنادر لا حكم له.

وإذا ما تنازلنا عن محاولة كسب ود القارئ المجهول، سنجد كذلك أن معظم المشتغلين بالكتابة لايزالون يتبادلون الحديث بشغف عن كتاب وشعراء وروائيين من خارج الثقافة العربية.

ومن المؤكد أن أسماء مثل ماركيز وميلان كونديرا وأنطونيو غالا تثير الحماس والدهشة أكثر من الأسماء العربية التي تقابلها في الرواية.

ولكن قبل أن يتآمر منتجو الأدب العربي على القارئ فإنهم يتآمرون على أنفسهم بتمرير التواطؤات والمجاملات عبر الصحف واللقاءات الأدبية التي توزع المجاملات هباء.

ومع ذلك لاتزال المطابع تنتج كل يوم على الوتيرة نفسها، والمهرجانات الأدبية لاتزال تقوم بوظيفتها الاعتيادية، وغير ذلك لدينا عدد لا بأس به من المجلات الثقافية التي تمضي في اتجاه تعويم الذائقة.

slamy77@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر