«التربية»: برنامج جديد لإعادة الاعتبار للمعلم

معلمـون ســابقون: مهنة التعليـــم طــاردة للكفاءات المواطنة

«التربية» أكدت سعيها لتحسين صورة المعلم. تصوير: مصطفى قاسمي

أكد معلمون سابقون تركوا مهنة التعليم وعملوا في مجالات أخرى، أن تجربتهم في العمل التربوي جعلتهم على قناعة بأن هذه المهنة طاردة للمواطنين.

وقالوا لـ «الإمارات اليوم» تعقيباً على التحقيق الذي نشرته الأسبوع الماضي حول انصراف معلمين إلى العمل في مهن بسيطة لزيادة دخولهم، إن الضغوط التي يواجهها المعلم تدفعه إلى البحث عن فرص عمل إضافية، وإن كثيرين منهم يحظون بفرص «توفر وجاهة اجتماعية ودخلاً مالياً أعلى».

ورصدت الصحيفة جدلاً على منتديات تعليمية، وصفحات تابعة لموقعي التواصل الاجتماعي «فيس بوك» و«تويتر» إثر نشرها تحقيقاً، وتأكيد بعضهم أن الهروب من مهنة التعليم أصبح حلماً يراود معظم العاملين في الميدان التربوي.

وفي المقابل، أكد مجلس أبوظبي للتعليم ووزارة التربية والتعليم وجود حاجة إلى تحسين دخل المعلم، وتعزيز موقعه الاجتماعي، باعتباره محوراً أساسياً للحفاظ على هوية الدولة، لافتين إلى أن الدور الذي يؤديه المعلم المواطن تجاه مجتمعه ووطنه لا يمكن أن يؤديه معلم آخر.

وأن هناك برنامجاً تربوياً ستطلقه الوزارة قريباً، يهدف إلى إعادة الاعتبار إلى العاملين في هذه المهنة.

وتفصيلاً، قالت المديرة السابقة لمدرسة اليرموك، محفوظة النواسي، إنها فضلت التقاعد على الاستمرار في مهنة التعليم «بعد زيادة متاعب المهنة بصورة كبيرة، وقلة الحافز المالي والمعنوي، خصوصاً بعد نظام الشراكة، وتعيين مديرة أجنبية تتدخل في كل شيء».

وأضافت النواسي أن «مهنة التعليم ستبقى مهنة طاردة للكفاءات المحلية، ما دام الفارق المالي والأدبي بينها وبين بقية المهن كبيرًا»، مؤكدة «تزايد التفكير في الاستقالات بين المعلمين المواطنين، خصوصاً أن راتب التقاعد ينزل إلى النصف أثناء العمل، ما يهدد شيخوختهم في حال استمرارهم في السلك التربوي».

وتابعت أن راتبها التقاعدي بعد ما يقرب من 20 عاماً من العمل في المجال التربوي، لا يتجاوز 12 ألف درهم «وهو لا يكفي لتلبية الاحتياجات الضرورية، ومستلزمات الحياة الكريمة».

ووافقتها الرأي حنان عيسى، التي قالت إنها زاولت مهنة التعليم أربع سنوات «ولكن المجهود الشاق الذي تحتاج إليه هذه المهنة، إضافة إلى ظاهرة تمرد الطلبة، وإثارتهم المشكلات، وضعف المردود المالي والتقدير المعنوي من الطلبة وذويهم، أو من المجتمع ككل» هو ما دفعها إلى الاستقالة.

وقالت إن زوجها شجعها على اتخاذ هذا القرار، وحثها على البحث عن عمل إداري، لا يتطلب مجهوداً كبيراً، كما هي حال العمل في السلك التربوي، حتى تستطيع الاهتمام بالمنزل والأسرة، مشيرة إلى أن «نظرة المجتمع للمعلم أصبحت متدنية جداً».

وأضافت «أعمل حالياً في إحدى الهيئات المحلية، بثلاثة أضعاف راتبي كمعلمة، وبمجهود أقلّ، ومكانة اجتماعية أرفع»، مشيرة إلى أن «صعوبة الترقي في مهنة المعلم يقتل الطموح، ويدفع كثيرين إلى تركها».

وقالت معلمة في المرحلة الثانوية، أطلقت على نفسها اسم «أم خالد» إنها تحبّ مهنتها كثيراً، لكنها أكدت أنها غير مرتاحة «فالجو العام للمهنة خانق، بسبب تعدد المهام الجانبية، بما في ذلك توثيق خطوات ومراحل أدائي لوظيفتي، إضافة إلى طلبات المديرة، والوكيلة، والتوجيه، والنشاط الخاص بمادتي، والمشاركة الجماعية في فريق المعلمات، فضلاً عن الدورات التي يجب أن أطرحها على زميلاتي، وهو ما يُشكل ضغطاً كبيراً على المعلم».

وأضافت: «أنا معلمة، لكني في انتظار أول فرصة مواتية لي لتقديم الاستقالة، وأخشى أن أقدم على هذه الخطوة حتى لو كانت نتيجتها هو الجلوس من دون عمل، فذلك أفضل من الاستمرار، في مهنة تحيط بها المتاعب من كل جانب».

وأكد معلم سابق، راشد حسن، أنه ترك مهنة المعلم بعدما قضى فيها سبع سنوات، لأنه سئم من تكرار الوعود بتحسين حال المعلم من دون أن يتحقق شيء منها، مشيراً إلى أن «المسؤولين يتحدثون عن توفير بيئة محفزة للمواطنين، لكن لا بوادر حقيقية لهذا التحفيز». وأوضح أن قرار ترك المهنة لم يتطلب منه تفكيراً طويلاً، لأن جميع المقارنات بين عمله كمعلم وعمله الجديد كانت تصبّ في مصلحة المهنة الجديدة، من حيث العائد المالي، والمكانة الاجتماعية، والمجهود المبذول.

وأكد محمد يوسف، وهو خريج جامعي، أنه لا يفكر في العمل في التعليم، لأن راتب المعلم لا يصل إلى نصف راتب زميله في أي وزارة حكومية، مشيراً إلى أن المزايا التي يحصل عليها العاملون في الميدان التربوي قياساً بتلك التي يحصل عليها أقرانهم العاملون في الدوائر والمؤسسات الحكومية الأخرى، تشعرهم بعدم الاستقرار، وعدم تقدير المعلم، ما يدفعهم إلى هجرة مهنة التعليم. وقال المعلم السابق علي الحمادي، إنه ندم على عدم الاستماع إلى نصائح المحيطين به بعدم دخول مجال التعليم، لما فيه من متاعب وعدم تقدير، مشيراً إلى أنه ترك المهنة والتحق بالبلدية بعد ثلاث سنوات يعتبرها الأصعب في حياته العملية.

وأكد الحمادي أن تشجيع المواطنين على الدخول في السلك التربوي، لن يتحقق إلا من خلال إعادة الاعتبار الى المعلم المواطن، وتعويضه مالياً وأدبياً عن الجهد الذي يبذله.

من جانبه، أكد مجلس أبوظبي للتعليم حرصه على توفير البيئة المحفزة للمواطنين العاملين في حقل التعليم، وتعزيز مهاراتهم العلمية والمهنية باستمرار، حتى يصلوا إلى أعلى المستويات العالمية، وتشجيع العنصر المواطن على الالتحاق بمهنة التدريس، معتبراً أن المواطن هو الأساس في نجاح عملية تطوير التعليم، من أجل تحقيق المحاور الأربعة الرئيسة التي تقوم عليها استراتيجية تطوير التعليم، وهي الارتقاء بمستوى التعليم في مدارس الإمارة بما يواكب أعلى المعايير العالمية، وإتاحة فرص التعليم المناسب للطلاب، وتوفير خيارات التعليم الخاص لهم، وإعدادهم للعب دور فعال في المجتمع، مع الحفاظ على الهوية الوطنية. وقال مدير عام المجلس الدكتور مغير خميس الخييلي، إن المجلس يعمل بكامل طاقته للحفاظ على معلميه المواطنين وتطوير أدائهم، وتشجيعهم، كما يسعى لاستقطاب معلمين مواطنين جدد عن طريق إجراء لقاءات تعريفية لطلاب الصف الـ12 في كل من الرويس والعين ومدينة زايد وأبوظبي، لتعريف الطلاب بأهمية مهنة التعليم، ودورها في بناء المجتمع، بهدف استقطاب معلمين إماراتيين جدد، إضافة إلى الحرص على التدريب والتطوير المستمرّ للراغبين في الالتحاق بسلك التدريس.

وتابع الخييلي أن أهمية المعلم المواطن تكمن في تخريج أجيال تساعد على نمو الوطن، والحفاظ على الهوية الوطنية، وثقافة المجتمع، وما يتصل بهما من عادات وتقاليد أصيلة متوارثة يجب التشبث بها، والمحافظة عليها، وترسيخها في نفوس الأجيال المتعاقبة، مشيراً الى أن تلك غاية لا يمكن تحقيقها بعيداً عن المعلمين المواطنين، باعتبارهم الأقدر والأكثر تفهماً لتلك العادات والتقاليد. وأكد وكيل عام وزارة التربية والتعليم، علي ميحد السويدي، أن المشكلة الأساسية، تعود إلى ضعف العائد المالي، مقارنة بالوظائف الأخرى، الحكومية والخاصة، مثل الجيش، والشرطة، والاتصالات والبترول، مشدداً على ضرورة وجود دعم أكبر لإقناع المواطنين بالعمل في التعليم، وسرعة الترقي والتدرج الوظيفي. وعزا السويدي هذه الاستقالات إلى الظروف الاقتصادية، وسيطرة التفكير المالي على عقول الشباب، إذ أصبحت المطالب الاقتصادية هي الهمّ الأول، وتراجع النظر الى المطالب الاجتماعية، مشدداً على ضرورة تغيير الثقافة وإعادة هيبة المعلم، والسمعة الطيبة لمهنة التعليم.

وأشار إلى وجود برنامج في الوزارة يهدف الى تعريف المجتمع بأهمية دور المعلم المواطن في بناء الكوادر الوطنية، والحفاظ على ثقافة وهوية المجتمع الإماراتي، مؤكداً ضرورة إيجاد استراتيجية واضحة ومعلنة على مستوى الدولة، لتغذية الحقل التعليمي بمعلمين مواطنين من خلال تضافر الجهود الحكومية والخاصة لإعداد وتنظيم هذه الاستراتيجية.

تويتر