Emarat Alyoum

خيط رفيع يقود إلى القاتل

التاريخ:: 08 سبتمبر 2018
المصدر: المحامي علي القواضي
خيط رفيع يقود إلى القاتل

كلنا يعلم أن «المتهم بريء حتى تثبت إدانته بمحاكمة عادلة»، كما نعلم «أن الأصل في الإنسان البراءة»، بحسب الدستور.

وحتى نبسِّط لك الفكرة القانونية، عزيزي القارئ، يجب أن تلمّ بتعريفات مهمة، منها أن المتهم هو من وجهت إليه التهمة أو الجريمة، لكن لايزال قيد التحقيق، ولم يصدر عليه حكم نهائي.

والجريمة هي الفعل أو الامتناع عن فعل يعاقب عليها القانون، والفرق بين المتهم والمجرم أن الأخير هو الذي أدين بحكم قضائي بات، فيعد في نظر القانون مجرماً.

والتحقيق الجنائي هو إجراءات يقوم بها رجل المباحث أو عضو النيابة، ويمثل المجتمع في البحث عن الحقيقة أو الكشف عن الغموض في جريمة ما.

وحتى لا يفلت المتهم من تطبيق العقوبة المقررة على جريمته، يجب على المحقق أن يكون بارعاً وذكياً، وأن يستخدم كل ما هو مشروع في البحث عن الحقيقة، وأن تكون لديه الخبرة والفراسة في التعامل مع مختلف أنواع المتهمين، فيدرس حالة المتهم النفسية، وتاريخه المهني والاجتماعي قبل التحقيق معه، حتى تتكون لديه الأدوات التي يحتاجها أثناء التحقيق، وإلا فوّت حق المجتمع في محاسبة المجرم.

ومن القضايا التي لا يمكن نسيانها، واقعة امرأة عُثر عليها مقتولة داخل منزلها، بعد تلقيها نحو 20 طعنة بآلة حادة، ولم يجد رجال المباحث أي دليل يشير إلى مشتبه فيه، فبدأوا بالبحث عن آخر شخص تحدثت معه القتيلة، وعرفوا أنها تتواصل مع إحدى قريباتها بشكل يومي على الهاتف، فقصدوها وطلبوها للتحقيق.

وقالت القريبة إنها كانت تتحدث مع القتيلة على الهاتف، فطرق أحدهم باب منزلها، فأخبرتها الأخيرة بأنها طلبت «ممسحة» خاصة من بائع متجول، وترجح أنه هو الذي يطرق الباب، ثم أكدت لها أنه البائع فعلياً، ثم أنهت المحادثة لإتمام عملية الشراء، ولم تعاود الاتصال بها مجدداً، كما لم ترد عليها حين اتصلت بها، واكتشفت لاحقاً أنها قتلت.

بحث رجال البحث الجنائي عن كل أدوات المسح الموجودة في منزل القتيلة، فعثروا على ثمانٍ، فأخذوا أحدثها، وبدأوا رحلة بحث في المتاجر التي تبيع هذا النوع لكن دون جدوى، خصوصاً أنها لا تحمل اسم المتجر أو المصنع أو أية بيانات أخرى.

محقق البحث الجنائي الذكي لم يقف عند هذا العائق، إذ بدأ رحلة بحث عائلية لدى أفرد أسرته عن ما إذا كان أحدهم يستخدم ماسحة مماثلة، ووجد فعلياً واحدة تشبهها لدى إحدى قريباته، وأخبرته بأنها اشترتها من بائع متجول، لكن لا تعرف أية معلومات عنه، وإنما تعرف اسم المصنع، فقصد المحقق المكان، وعرف أن هناك بائعاً متجولاً يقطن في منطقة القتيلة، يتولى بيع منتجاتهم، وأنه اختفى منذ أيام، فأدرك رجال المباحث أنهم اقتربوا كثيراً من القاتل، وضيقوا عليه الخناق في الأماكن التي يقصدها، حتى ضُبط واعترف بجريمته ونال جزاءه.

‏وقد قيل «من تبصر في الأمر فطن وعلم ما قد جهل».. دمتم بخير